نُعرض غدا الجمعة على خشبة مسرح الميدان في حيفا ولأول مرة أمام الجمهور مسرحية خادم السيدين، المسرحية التي تدور أحداثها بين 12 شخصية، يقوم بأداءها ثمانية ممثلين، ليست مسرحية عادية، لا من حيث الطاقم ولا من حيث العدد، فثمانية ممثلين لعمل مسرحي، يعتبر الأمر مجازفة خصوصا لأن الميزانية حينها للمسرحية يجب أن تكون أكبر. ولكن لا بد لي أن أقول لمسرح الميدان، هنيئا لكم، أضخم عمل مسرحي وربما من أفضل ما شاهدته لمسرح الميدان في السنوات الأخيرة.. ومما لا شك فيه أنه الأكثرهم اضحاكا. فطوال أكثر من ساعة ونصف ولم أكف عن الضحك في هذه الكوميديا، والتي قد يكون مبالغا فيها، كونها كوميديا ديل أرتي، الا أن هذه المبالغة بالتمثيل بالذات وتطرّف المواقف والتعقيبات والتصرفات في بعض الاحيان، هي التي تجعل من المسرحية عملا كاملا متكاملا مضحكا بدرجات لم نعهدها من قبل.

دور الخادم
لم يكن عندي شك أن مهما كان الدور الذي سيؤديه أي من الممثلين في المسرحية، سيؤديه بأفضل شكل، كونهم ممثلين قديرين أثبتوا أنفسهم في مجال التمثيل وحتى الاخراج، وبعضهم أيضا ككوميديان (مضحكين – ستاند أبيست)، وبشكل خاص عامر حليحل في دور الخادم الذي يحاول أن يخدم سيدّان، يصلان لنفس المدينة، فينيسيا (البندقية) في ايطاليا، وينزلان في نفس الفندق، فيضطر لخدمة الاثنين معا، دون علم أحدهما الآخر...
خادم السيدين هي كوميديا ديل أرتي، للكاتب الايطالي كارلو جولدوني والتي كتبها في القرن الخامس عشر أو السادس عشر، وتدور أحداثها في مدينة فينيسيا في ايطاليا، عن علاقة الخدم والأسياد، كيف يمكنهم أن يعيشوا ويعتاشوا، وكيف أن خادم معيّن يدعى تروفالدينو (يؤدي دوره عامر حليحل) وهي شخصية رئيسية في كوميديا ديل آرتي، كيف يخدم سيدين في نفس الوقت، والسيدين نفسهما في الفندق ذاته، ويخفي هذا السر أمام السيدين حتى اللحظة الأخيرة.

السيد الآخر

هذان السيدان يبحثان عن بعضهما البعض، امرأة متخفية بزي رجل - باتريسيا (تؤدي دورها أمل قيس)شقيقة فدريكو راسبوني التي تنتحل شخصية شقيقها بحثا عن حبيبها فلورندو (يؤدي الدور زياد بكري) والذي كان قد قتل راسبوني، وفلورندو يصبح السيد الآخر الذي يبحث هو أيضا عن حبيبته، فيستعين بخدمات تروفالدينو ليساعده في حاجياته في فينيسيا. ولكن القصة أكبر من ذلك بكثير، فتروفالدينو يغرم بازمرالدينا (تؤدي دورها عنات حديد)، خادمة الآنسة كلاريسا (تؤدي دورها لنا زريق)، ابنة السيد بنطلون (يؤدي دوره جميل خوري)، وهي – أي كلاريسا – مغرمة بحبيبها سيلفيو (يؤدي الدور أيمن نحاس)، الضعيف الجبان، ورغم أن والدها بنطلون قد وعد راسبوني بزواجها، الا أنه يقبل بزواجها من سيلفيو بعد وصول بلاغ عن وفاة راسبوني، ليعود راسبوني الى الحياة عندما تنتحل شقيقه باتريسيا شخصيته آملة باسترداد المال الذي يدين به السيد بنطلون لشقيقها لتتمكن من لقاء حبيبها. ولكن والد سيلفيو (يؤدي دوره حنا شمّاس)، لو شأن آخر في الموضوع ويحاول بالقوة أن يعقد قران ابنه بكلاريسا.

لقمة عيشه
وفي رغبة تروفالدينو لأن يكسب لقمة عيشه، ومحاولة منه أن يكسب راتبا آخر يقرر خدمة السيدين في آن واحد، ولكنه يقع في مواقف تعرضه لكشف موقفه من السيدين الذين يخدمهما. المسرحية هي مسرحية بسيطة اللغة، سهلة الفهم، حبكتها جميلة في سهولتها وبساطتها وقربها الى القلب. ولكنها تملك معاني كثيرة، ففي عالم اليوم ما زالت هذه المسرحية صحيحة، الانسان ما زال يخدم سيدّين، الأول الايديولوجيا والآخر المال، وهذان بالضبط ما يحاول تروفالدينو أن يوّفق بينهما، فبين غرمه وحبّه ورغبته في بناء حياته والزواج من الخادمة ازميرالدينا، وبين كسب لقمة العيش، فراتب سيد واحد لا يكفيه، في ظل الفقر الذي يعيشه، ولذلك يقرر خدمة سيد آخر بغية كسب حصة اضافية من المال.

الشعب والقوة العظمى  
من جهة أخرى فكيف يمكن لرئيس دولة أن يخدم سيدين؟ الشعب والقوة العظمى؟ وهذا السؤال يطرح لو أعمقنا النظر في معاني هذه المسرحية...
برأيي الميدان أحسن اختيار الممثلين، الطاقم، والمخرج منير بكري، الذي رغم أنه عوّدنا على اخراج التراجيديات، الا أنه بهذه المسرحية نجح في إخراج التراجيديا من مواقفها زارعا الضحكة والبسمة على وجوهنا بدلا منها. بالاضافة الى النص الرفيع والراقي، الذي رغم أنه كُتب قبل أكثر من خمس قرون، مع تعديلات بسيطة مستوحاة من حياتنا اليومية، مثل أغنية "بيت بيت دار دار" التي دخلت جميع بيوتنا على لسان القذّافي، أو الشتائم اللطيفة مثل "فسوقة"، عاد النص لمعاصرة ومواكبة العصر، فبات ملائما لجميع الأجيال وكل الأعمار وطوال الأزمان. يذكر أن المسرحية من اخراج الفنان منير بكري، موسيقى: ريمون ضو (ممتاز)، إضاءة: يعقوب سليف، وديكور وملابس: طالي يتسحاقي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]