عادةً ما ينظر الواحدُ مِنا إلى الناجحين في المجتمع والذين استطاعوا بعد سنين طويلة، الوصول إلى أحلامهم، على أنهم محظوظون، وأنّ السماء أسقطت عليهم الأموال دون عناءٍ، لكن الحقيقة ليست دائمًا كذلك، على الأقل في مسيرة حياةٍ رجلِ الأعمال النصراوي بديع طنوس.

في مكتبه في الناصرة، كانَ لنا لقاءٌ معه، بترحابٍ وبمشروبٍ منعش بدأنا الحديث، الذي دارَ معظمه حول تجربته الخاصة، ورغبةً مِنا بعدم إزعاجه بأسئلة كثيرة، قررنا أن يكون الحديث وديًا، فيه مُتنفسٌ مِن الراحة...

والأهم، أنّ الاستقرار الاقتصادي يحتاج إلى اجتهادٍ وطموحٍ كبيريْن، وهذا ما فعله أبو الياس، الذي حدثنا عن بدايته، فقال:

- "بدايتي يعرفها كثيرون، ومختصرها أنّني بدأت العمل في الثانية عشرة من عمري، كنتُ قاصرًا يافعًا، وقادتني الظروف العائلية والحاجة المادية إلى طريقٍ لم أكُن أخطط له، تنقلتُ بين عملٍ وآخر، دخلتُ التجارة ثم انتقلتُ إلى العمل في البناء. في شركة "سوليل بونيه" أكبر شركات البناء في البلاد، اكتسبتُ تجربة عمرها 4 سنوات، لكنّني بدأت أعاني من حساسية من مادة الاسمنت، وبعد العلاج، قررتُ إدارة مشاريع عمرانية بسيطة، في البناء، ومِن مقاولٍ صغير تطورت المصلحة، ووصلنا إلى شركة بناء رائدة في البلاد".

• عادةً ما يأخذ الابن صفات والده في النشاط المهني فمن هو الأقرب الى شخصيتك من بين ابنائك؟!
- "الأكثر قربًا من شخصيتي هو علاء الذي يدير الأعمال الاستثمارية والتجارية في كندا، وبعده وسيم، أما الياس، فهو هادئ الطبع لا يشبهني كثيرًا، لكنه متميز بإدارته".

• ما تقسيم العمل اليوم بين الأبناء؟
- "الياس، إبني البكر، هو مدير عام المجموعة، إبني الثاني علاء، يدير أعمال المجموعة خارج البلاد، ويقيم في كندا، أما وسيم فهو نائب مدير عام الشركة، باقي طاقم الإدارة من محاسبين ومهندسين ومستشارين، لا علاقة لهم بالعائلة وجميعهم مهنيون مائة بالمائة".

• مقلٌ بالعمل في المجتمع العربي فما هو السبب؟!
- "لديّ بعض الأعمال العمرانية، لكنها قليلة فعلاً، بنينا مدرسة في ام الفحم وأخرى في سخنين، وأنجزنا 142 وحدة سكنية في كوكب الشمال بالناصرة. لكنني اخترتُ العمل في الوسط اليهودي، لأنّ الوضع المادي وفرص العمل أكبر بكثير، وقد وُفقت بالعمل مع شركاتٍ معروفة في البلاد فكان العمل في السوق اليهودي هو الفرصة الأنجح للمقاول العربي الراغب في التطور، عملت مع كيبوتسات وجمعيات تعاونية، ومن ثم انتقلت الى شركات كبرى في البلاد. وتحت عنوان الأمانة والصدق في التعامل، كانت ثمرة النجاح، ازداد عملنا، رغم الظروف الاقتصادية التي تختلف من فترةٍ لأخرى، لكن ظل التقدم هو رفيق دربنا".

وظلّ الوضع في تحسن إلى أنّ ارتفع الطلب على بناء الملاجئ العامة والمباني المحصنة، وقد جاءَ الأمر من حظنا فزادت الارباح، وتقدمت الشركة بصورة كبيرة. وفي بداية التسعينات شهدت أعمال الشركة نقلة نوعية عندما دخلت، بصفة مقاول مُنفذ، في عدد من المشاريع الكبيرة في منطقة المركز، منها على سبيل المثال مجمعات تجارية تابعة لمجموعة "عزرائيلي"، ومئات الوحدات السكنية لشركات مثل "أزوريم" و"أفريكا- يسرائيل" وغيرها؛ وتوسعت المشاريع من أقصى الشمال الى الجنوب.

• هل هي ضربة حظ؟!
- لعلها ضربة حظ، إلى جانب تخطي التحديات وتجاوز الصعوبات، بالتروي والدراسة، جعلا من الحظ سبيلاً لتحقيق المردود المادي، وفي بداية السبعينات صارَ للشركة اسمًا معروفًا هو ب.ص.ط، بديع وصبحي طنوس.

• الأرقام والمنشورات السنوية التي تنشرها الدوريات الاقتصادية، تُدرج "ب.ص.ط" في المرتبة التاسعة في سلم تصنيف الشركات الاسرائيلية في مجال الانشاءات والعقارات، وتسبقها في التصنيف شركات عامة ضخمة وقديمة جدا في هذا المجال؛ أما مدخول الشركة السنوي فيقدر بحوالي 500 مليون شاقل، وتُشغل حاليا 120 مستخدما. يُفضل بديع تجاهل هذه التصنيفات، ويؤكد لنا أن شركته هي الثالثة في البلاد بصفتها شركة مقاولات، ولا يكبرها سوى "سوليل بونيه" و "دانيا سيبوس".

• ما الذي يجب أن يتوفر في عملك لتنجح؟
- "لكي تقوم بتسليم المشروع بالوقت المحدد، وبأعلى مستوى من التنفيذ والاتقان، يجب أن تتوفر عندك القوى البشرية المهنية والخبيرة والمخلصة، وأنا أقول بكل فخر أن العاملين في شركتي من مهندسين وخبراء ومديري ورش، هم من أحسن العاملين الموجودين في السوق، وأحب أن أؤكد هنا، أنني أؤمن بأنه علي أن اُشغل من يعرفون أكثر مني في مجالهم، أنا أفهم في الإدارة والتخطيط بعيد الأمد، لكني لا أعرف الكثير في المحاسبة أو في تحضير المناقصات أو الخرائط وما شابه، لهذا أبحث دائما عن أفضل المهندسين، وأمهر المحاسبين والمحامين لأشغلهم".

• كثيرًا ما يحاول رجل الأعمال تغيير اتجاهه نحو السياسة، فهل أنتَ منهم؟!
- "في الحقيقة أنا أكره السياسة، وأبتعد عن الشهرة، فالشهرة بالنسبة لي هي الأمانة والتعامل الإنساني مع البشر. ثم إنها ليست مهنتي التي اتقنها، رغم انني ولدتُ في بيتٍ ينتمي الى الحزب الشيوعي ما زلتُ أخطو على هذا الدرب".

• هل أثرت السياسة في مرحلةٍ ما على عملكم مع الوسط اليهودي؟!
- "إطلاقًا لم اشعر بذلك، خاصةً أنّ العمل لم يكن فرديًا، بل كُنا نعمل مع شركات أو مجموعة، ولم اشعر يومًا بالتوجه العنصري، وإذا ما كنتُ شعرتُ بذلك، ما كنت لأتعامل مع هذا الشخص، أكره العنصرية، ولا أحب التملق والعدائية".

• بعضهم يتهم العرب بمصطلح "عفوداه عرفيت".
- "نحنُ موصوفون بنظافة أعمالنا، لذا حصلنا على تدريجٍ هو الثالث في البلاد، ومعظم الشركات في البلاد تفضل التعاقُد معنا".

• سعيدٌ بالثورات العربية؟!
- "بالتأكيد، هذا يُبشر بالخير للشباب العرب ولتغيير العالم الى الأفضل".

• لم تعمل مع العالم العربي؟!
- "لا.. عملت لفترةٍ قصيرة مع الفلسطينيين في الضفة والقطاع، لكن العمل لم يستمر، ونحنُ بصددِ دراسة مشروعٍ، لعلنا نوفَق فيه، في إحدى الدول المشهورة بتجارتها الناجحة في العالم العربي".

• هل ستعود للقاء الفلسطينيين في شراكةٍ تجارية؟!
- "لستُ أدري، لكن ليكن معلومًا لديكم، وكما قال المثل: "الذي يقف على عنزته تنجب توأمين"، وأقصد أنّ لدينا أعمالاً يجب متابعتها هنا، وحالتي الصحية لم تعد تسمح لي بالتنقل".

• ما هو شعارك عندما تتعامل مع الآخرين؟!
- "الترتيب والنظام هما شعارٌ أساسي في عملنا، وقبله يأتي التعامل بأمانة، وصدق المثل الذي قال: "مَن صادقَ الناس شاركَ بأموالها"، فالصدق والمصداقية والأمانة تجعل الآخرين يمنحونك كل الثقة، وإذا لم ألتزم بكلمتي ولم أحترم مواعدي، فلن أجد مَن يعطيني ثقته ويحترمني".

• أينَ هي المرأة في عملك؟!
- "للمرأةِ مكانة كبيرة في عملي، لديّ عدد لا بأس به من النساء اللواتي يعملن لدي، وبينهم ابنتي، وأختار وفق المهنية فقط، ولا أفرق بين الرجل والمرأة إلا بحجم العطاء. وأشجّع النساء العربيات على إدارة الأعمال، وأعرف سيدتين ناجحتين وتستحقان كل الاحترام بسبب مبادرتهما في مجال الأعمال".

• ما هو دور زوجتك في حياتك؟!
- "زوجتي هي شريكة حياتي، نصفيَ الثاني، وهي التي ساهمت في تربية وإنجاح أبنائي، فهي سيدة متعلمة وواعية وساهمت كثيرًا في استقرار العائلة وفي نجاحي".

• ما هي إسهاماتك المحلية؟!
- "كثيرة، لكنني لا أحب التحدث عنها، وبينها إقامة صندوق الناصرة مع المهندس رامز جرايسي، ورجل الأعمال الصديق أحمد عفيفي وآخرين، ونُقدم من خلاله الكثير للناصرة ولسائر المناطق العربية".

• كيف ترى تطور الناصرة؟!
- "هذه المدينة تتطور باستمرار، لكنّ الناصرة كسائر البلدات العربية تحتاج الى دعمٍ وتطوير مشاريع من خلال المكاتب الحكومية، وهي القادرة على سد الثغرة والتمييز بين المجتمعين العربي واليهودي".

• نتوقع مِن مجمع "بيج فاشن" أن يُشارك في المناسبات الوطنية والدينية التي تخص العرب؟!
- "أعرف أنه يُشارك، لكن يظل الأمر بيد صاحب المصلحة التجارية، وأهمية البيع بالنسبةِ له، لكنْ أعدكم بتطوراتٍ قريبة في إدارة المجمّع، ستكون لصالح الجميع، إن شاء الله".

• ما هي العلاقة بينك وبين سائر رجال الأعمال، وهل تؤمن بالمنافسة؟!
- "ليس لدي خلافات مع أحد، بالعكس، المنافسة أمرٌ طبيعي وصحي، وبين أصدقائي الذين أعزهم: أحمد عفيفي ومحمد عبد القادر وسمير عواد، وغيرهم".

• كيف يتحسن الوضع الاقتصادي في المجتمع العربي؟!
- "من خلال التعاون ما بين رجال الأعمال العرب، وأيضًا من خلال التدخل الحكومي لصالح المجتمع العربي، نرى بعض المبادرات الاقتصادية بدأت تنشَط لدينا، لكن لا زال الأمر في بدايته، وعلى المكاتب الحكومية والبنوك أن تعطي فُرصة أمام المبادرين العرب للتقدم، من خلال تسهيل شروط القبول، وإعطاء الحق بأخذ القروض مع ضمانات وتسهيلات حتى تتطوّر المصالح، ويتم تشغيل شرائح المجتمع العربي المحتاجة، وهي كثيرة للأسف، ونحنُ نعلم أنّ لدينا قدراتٍ هائلة وقادرة على النجاح لكن تحتاج الى دعم، كشريحة الأكاديميين، والنساء وسواهم".

• متى بدأ عملكم في الخارج وكيف تطور؟!
• "كانت البداية في كندا، أثناء زيارة لي لتورنتو عام 1986، وعرض علي أحد معارفي هناك شراء قطعة أرض للاستثمار، درست العرض وغامرت واشتريت العقار، وتطورت الأمور عندما أسسنا شركة مع شريك كندي، وبدأنا بتنفيذ مشاريع عمرانية في مجال الاسكان والمراكز الطبية.. في بداية التسعينات، ومع انفتاح السوق في أوروبا الشرقية، أطلقنا مجموعة من المشاريع في بولندا، فكنا نشتري الأراضي ونبني عليها مبانٍ سكنية ونبيعها للسكان المحليين، وبعدها انطلقنا إلى رومانيا وجورجيا وغيرهما من البلدان."

• أيُ الدول الأكثر حظًا في الاستثمارات، بالنسبة لعملكم؟!
- "بالأساس كندا والمانيا، أما رومانيا فكانت سابقًا بوضعية أحسن، اليوم تشهد تدهورًا اقتصاديًا ملحوظًا، كُنا في هنغاريا وسائر الدول الشرقية، لكن تظل كندا هي الأكثر حظًا بالنسبة لنا".

____________________________________

• بروفيل شركة: ب.ص.ط – مُبادَرة وتنفيذ مشاريع عمرانية!
• بديع وصبحي طنوس مشاريع بناء أقامها السيد بديع طنوس عام 1972، ومنذ قيامها عملت في مجال مبادرات وتنفيذ مشاريع في فرع البناء. اليوم هي إحدى اكبر شركات البناء المتطورة في البلاد، وتستقطب اهتمام كبير من قبل الزبائن ومزودي مواد البناء، والجهات الفاعلة في فرع البناء.
• كبار موظفي الشركة هم: علاء طنوس – مدير الاستثمار وإدارة الأعمال خارج البلاد، وسيم طنوس نائب المدير العام، مارك فيلدمان، نائب المدير العام لقسم الهندسة في الشركة، سامر كردوش، المهندس الرئيسي.
• وإلى جانب النشاط في مجال البناء والمبادرات المحلية وسعت الشركة نشاطها في بناء استراتيجية البحث الدائم عن فرص عمل، لذا أقامت نشاطًا واسعًا في العمل بالخارج، وصلت الى كندا واوروبا الشرقية والقفقاز.
• ويتركز عمل الشركة بالأساس في البناء، تجهيز الشقق السكنية والبنايات، مبادرات في هذا المجال، استثمار عالمي في مجال البناء والتجارة والخدمات.
• وأهم زبائن الشركة: مجموعة عزرئيلي، مفنيه تعسياه، يشفارو، جاف يام، افريكا يسرائيل وآخرين.
• أما المشاريع التي انجزتها الشركة فبينها: مئات آلاف المجمعات التجارية، عمارات للمكاتب، مراكز هايتك، مبانٍ صناعية وآلاف الوحدات السكنية، وبين الأماكن المعروفة: كنيون موديعين (عزرئيلي)، عمارات للمكاتب في متنزه هرتسليا وآخر في آزوريم، المجمع التجاري في كريات اونو، مجمع بيج فاشين في الناصرة، عمارة سكنية "سفيون تاور" في رمات غان، عمارة سكنية "سفيون فليتنوم" في رمات غان، حي سكني يبلغ 160 وحدة سكنية في كفار سابا، عمارة هتمار" في رمات غان، عمارة باور سنتر في موديعين، وعمارات أخرى ضخمة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]