منذ 13 من حزيران وحتى الأول من تموز، كان هناك موعدٌ فني فريد بإطلالات فلسطينية يافعة في ست ولايات أمريكية مع مجموعة من صغار العازفين "أوتار فلسطينية" من معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى، وفرقة دناديش للرقص من سرية رام الله الأولى، حيث قدما بشوق وبلا كلل جولة عروض جمعت الموسيقى والرقص بحيث تردد صداها في نصف العالم الثاني ناقلةً رسائل الأمل والحرية عبر رحلة كانت مستحيلة لتكاليفها الباهظة لولا العطاء اللامحدود من الفلسطينيين المغتربين في أمريكا "باسم ومنى حشمة".

بلهفة البداية كانت الانطلاقة لفرقة أوتار فلسطينية من أرض الوطن في مدينتي رام الله وبيت لحم في الـ 10-11 حزيران، ثم كان شد الرحال عبر البحار للولايات المتحدة الأمريكية حيث وقف 18 شاباً وشابة على خشبات مسارح تكساس، ميتشغان، واشنطن، فلوريدا، كاليفورنيا، ونيوجيرسي وعلى أكتافهم كمنجاتهم فانسابت أناملهم بمهارة على الآلات لتصدح روائع الألحان الكلاسيكية، التانغو، الأوبرا، والتراث العربي، فتتحرك أجسادهم بحركات تتماهى مع الأنغام ما أضفى لوحة ثلاثية الأبعاد، وقد رافق الطلبة واشرف على تدريبهم القائدة وعازفة الكمان السويدية ايفا بوغرن، كما شكلت الأستاذة في المعهد دينا الشلة خلفية كلاسيكية عبر نقرها المتناغم على آلة البيانو.

وتألفت فرقة أوتار فلسطينية التي بثت نسمات موسيقية وأحاسيس رائعة بلغة تخاطب شعوب العالم جمعاء، من الطلبة: مجد كرزم، أفنان عباسي، ألين مسعود، كارول إبراهيم، كيارا عياد، كوستا مستكلم، لوردينا بابون، مارينا ايشبيرغ، نسيم حلبي، نور جوده، رينا حاج عبد، سما ترزي، حلا أبو الزلف، مرمر جولاني، روند الحسنات، ديما خشان. وقد تميزت العروض بحداثة فكرتها عبر الجمع بين حركة الجسد والعزف الصحيح، والمقدرة على التمييز بين الألحان وحفظها غيباً دون الرجوع لدفتر النوتات حسب طريقة السوزوكي المعروفة.

أما فرقة دناديش التي تأسست من خلال مدرسة الرقص التابعة لسرية رام الله الاولى فقد تألفت من 16 صبياً وفتاة ما بين 12-14 من عمرهم، سخروا موهبتهم وانسيابيتهم الحركية على خشبة المسرح فقدموا لوحات راقصة على أنغام "ظريف الطول"، و "الأوف"، و"العتابا"، و"الميجانا"، و"وين ع رام الله"، وغيرها من الأغنيات التي لطالما ارتبطت بفرقة السرية منذ تأسيسها عام 1962، وغيرها من الفرق الفنية الشعبية والفلكلورية الفلسطينية والعربية، وقد أكدت الفرقة عبر جولتها في الولايات الأميركية تمسك أطفال فلسطين ويافعيها بالتراث الشعبي الفلسطيني الراقص والذي لطالما كان أحد رموز الهوية الوطنية المهددة بالضياع. وقد قدمت الفرقة أيضاً لوحة راقصة بالاشتراك مع طلاب مدرسة ستي دانس في واشنطن، وقد قامت الراقصة ليز جال بتصميم اللوحة حيث سبق وان زارت فلسطين لمدة شهر وقامت بتدريب دناديش على الرقصة.

وقد تأسست مدرسة السرية للرقص في عام 2005 وقامت مؤسسة منى وباسم حشمة بتمويلها في السنوات الثلاث الاخيرة، وتضم المدرسة 100 طالب وطالبة تتراوح اعمارهم ما بين 3 – 15 سنة حيث يتم تعليمهم رقص الباليه، والرقص المعاصر، والدبكة الشعبية الفلسطينية. وكانت فرقة دناديش قد قدمت اولى عروضها ضمن مهرجان رام الله للرقص المعاصر 2011 وقد حازت على اعجاب الجمهور.

وتتألف فرقة دناديش التي يشرف على تدريبها جميل سحويل وكريستينا حلتة من حنين خوري، ربيكا قاعود، يارا ابو خديجة، ياسمين سعدة، لين طاهر، داليا جاغوب، اماندا سنيورا، رند عويضات، سارة قطب، دينا موسى، سيزار ابو مريم، ساجي عليمي، عمار عليان، ابراهيم ابو غزالة، يوسف كردي، جمال سعدة.

انطباعات وذكريات

وتم تنظيم العروض بدعم من صندوق منى وباسم حشمة الذي تأسس عام 2005 لدعم النشاطات الفنية للمواهب والفرق التي لا تسمح لها ظروفها المادية بإبراز قدراتها وذلك في فلسطين وفي نفس الولايات المتحدة، وخلال أحد العروض أشار السيد باسم حشمة: "هؤلاء أطفال أتيحت لهم في الولايات المتحدة فرصة نادرة لعيش الحرية بمفهومها الواسع فليس عليهم هنا عبور الحواجز أو الاصطدام بالجدران...فهنا ليس عليهم التفكير إلا بالموسيقى والحرية".

وأضاف عن الفرقتين:" الجولة ليست سياسية على الإطلاق، إنها فقط نية طيبة لنقل رسائل الأمل والحرية وشعور الفخر بالثقافة الفلسطينية العربية، التي يجسدها شباب صغار مسلمون ومسيحيون جاءوا للعزف والرقص، وهم مسالمون جداً محبون جداً ومن خلالهم يمكن رؤية الجوانب المضيئة عن الفلسطينيين تحت الاحتلال.

ومع الشباب والفتيات كانت صديقة المعهد رانيا برامكي التي عاشت معهم ثلاثة أسابيع فشهدت تدريباتهم المكثفة وانفعالاتهم من وراء الكواليس ومشاعرهم في الولايات المتحدة، فوصفت مجموعة العروض بالناجحة جداً والمثيرة للإعجاب من قبل الحضور الذي كان في أغلبيته من أهالي رام الله المغتربين وبعض أصدقائهم من الأمريكيين، وأضافت أن ما يميز العروض هو التنويع في الأنماط والمقطوعات والتي كسرت الملل وأثرت البرنامج، وقد شهدت العروض اهتماماً إعلاميا بحضور الجزيرة الانجليزية وإذاعات محلية عديدة.

ومن الشباب المشاركين في فرقة أوتار قال طالب السنة السابعة في المعهد نسيم الريماوي ابن الـ14 ربيعاً، أنها تجربة لا تنسى والمقطوعات التي قدمناها حفرت في الذاكرة للأبد، لأنها حصيلة تدريب عامين، وأضاف الريماوي إلى أنه بالرغم من تعب الرحلة إلا أن متعتها وغناها استبدلا أي شعور بالإرهاق.

ومنهم أيضا تحدثت الصبية كيارا عياد، الطالبة في السنة السابعة، وابنة الـ 16 عاما، حيث وصفت التجربة بالتعليمية والمفيدة وذات الرسائل العميقة التي تعكس طوق الشباب الفلسطيني للحرية وإيمانهم الكبير بمستقبل أفضل. وذكرت التقاءها بكاتبة عربية مغتربة بعد إحدى العروض حيث اقتربت منها وقالت لها:" لو كان ادوارد سعيد حياً، لافتخر بمعهدكم الذي يحمل اسمه ويقدم روائع الموسيقى بحرفية كبيرة".

وقالت الطالبة يارا ابو خديجة من دناديش وعمرها 11 عاماً، بأنها تجربة مفيدة لها كونها تعرفت بعمق على زميلاتها وزملائها من فرقة دناديش بالاضافة الى بناء علاقات مع طلاب المعهد، وكانت سعيدة جداً بالعروض التي قدمتها خاصةً تجاوب الجمهور مع العرض، وابدت سعادتها الكبيرة بالتعرف على العديد من المواقع السياحية والمراكز الثقافية. وبالنسبة لها فقد كانت تجربة تقديم لوحة مشتركة مع طلاب ستي دانس تجربة هامة كونها قدمت عرضاً مع طلاب من ثقافة اخرى.

وقال السيد فايق خوري رئيس مجلس ادارة السرية بأن هذه الجولة كانت مهمة جداً من عدة نواحي كونها قامت بتعريف الجمهور الامريكي والعربي والفلسطيني على الموسيقى والرقص في فلسطين وعلى التطور الحاصل في مجال تعليمهما، كما ساهمت الجولة في تشكيل وسيلة هامة للتعاون المشترك بين المؤسسات الثقافية الفلسطينية من خلال تقديم عرض مشترك جمع طلاب معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى وطلاب سرية رام الله الاولى آملاً استمرار هذا التعاون مستقبلاً بين المؤسستين. ووجه السيد فايق شكره للسادة منى وباسم حشمة على جهدهم الكبير في انجاح هذه الجولة ودعمهما للسرية، كما شكر الجالية العربية والفلسطينية واتحاد ابناء رام الله واندية رام الله في الولايات المتحدة الامريكية واعضاء السرية في امريكا الذين احتضنوا طلاب الفرقتين. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]