على الاطراف الشرقية لمحافظة نابلس، تربض مساحات من اخصب الاراضي الزراعية الفلسطينية فيما يعرف بقرية فروش بيت دجن التي تصنف ضمن اغوار نابلس، تلك الاراضي التي يحاصرها الاستيطان من كل جانب، وتلاحق سلطات الاحتلال اصحابها وتعد عليهم انفاسهم سعيا لطردهم مما تبقى لهم من ارض والاستيلاء عليها.
فلم تترك سلطات الاحتلال وسيلة الا وجربتها لتضييق الخناق على المزارعين المتشبثين بارضهم في فروش بيت دجن ودفعهم لتركها لقمة سائغة لاطماع المستوطنين، فمن سرقة المياه، الى منع تمديد شبكات الكهرباء، ومنع اقامة أي بناء او حتى ترميم الابنية القديمة، ومنع استخدام بعض المبيدات الكيماوية والاسمدة، وليس انتهاء باغلاق الطرق والحواجز المنتشرة على مداخل القرية، كلها اساليب تهدد الوجود الفلسطيني في تلك المنطقة اذا لم يتلقى المزارعون فيها مل يساعدهم ويساندهم ويدعم صمودهم.

سرقة الارض
ويروي احد اصحاب الاراضي وعضو لجنة ري غور الفارعة يوسف شاهين "ابو الصادق" وهو في السبعينات من عمره، كيف استولت اسرائيل على نحو عشرة الاف دونم من اراضي القرية بعد احتلال عام 1967 من اصل 12 الف دونم هي مساحة القرية، لاقامة مستوطنة الحمرا عليها، مشيرا الى ان مساحات كبيرة من ارضه تم الاستيلاء عليها وضمها لتلك المستوطنة رغم حيازته وثائق تثبت انها كانت مفوضه عليه قبل الاحتلال، ولكن لم يتم دفع رسوم الطابو لعدم وجود تسوية في حينه، وهذا حال الكثير من ملاّك الاراضي هناك.
ويشير شاهين الى ان سلطات الاحتلال اجبرت اصحاب المنازل الواقعة في تلك الاراضي على دفع بدل اجرة للمنازل التي يمتلكونها بحجة انها املاك غائب!
ويوجد في فروش بيت دجن حاليا 8 بيوت مبنية قبل الاحتلال وحاصلة على طابو، لكن اصحابها لا يتمكنون من اجراء أية عملية ترميم عليها.

لا حياة بدون ماء
ورغم استيلاء الاحتلال على خمسة اسداس اراضي فروش بيت دجن، الا ان ذلك لم يمنع المواطنين من الصمود على ما تبقى لهم من ارض، لكن سياسات الاحتلال الهادفة الى تهجيرهم لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل سرقة الماء الذي لا معنى لاي نشاط زراعي بدون وجوده.
ويشير شاهين الى ان الاحتلال قام في السبعينات بحفر بئر يسمى بئر الحمرا (1) على عمق 600 متر، في حين ان الابار الفلسطينية لا يتجاوز عمقها 150 مترا، الامر الذي ادى الى انخفاض منسوب المياه في الاباء الفلسطينية بنحو 20 مترا، ويضيف بان خبيرا اسرائيليا ابلغهم في حينه ان حفر بئر الحمرا سيؤثر على مستوى المياه في الابار الفلسطينية، وان من حقهم ان تقوم شركة "مكوروت" الاسرائيلية بتعويضهم عن أي نقص في المياه.
ويوجد في فروش بيت دجن حوالي تسعة ابار بنيت قبل الاحتلال، لكن اغلبها يعاني من الجفاف بسبب انخفاض منسوب المياه، وقد انخفضت القدرة الانتاجية لهذه الابار من 120 كوب في الساعة الى 60 كوب في الساعة، وتقدر كمية المياه التي يستولي عليها الاحتلال من مياه المنطقة بنحو 9 ملايين كوب سنويا، في حين ان سكان المنطقة لا يحصلون على اكثر من 1% من مياههم.
ولفت شاهين الى ان المياه التي يستولي عليها الاحتلال من الابار الموجودة في مستوطنة الحمرا لا يتم استغلالها لخدمة سكان المستوطنة والتي لا يزيد عدد سكانها عن 20 اسرة، بل يتم نقلها عبر شبكة مياه تمتد من غور بيسان وحتى الجنوب، بحيث يتم سد أي عجز في المياه في اية مستوطنة على امتداد الشبكة.
ونظرا لعدم ربط المنطقة بالتيار الكهربائي، فان المزارعين يضطرون لاستخدام مضخات تعمل بالديزل، الامر الذي يكلف نحو 180 شيكل في الساعة من اجل الحصول على نحو 70 كوب، وهو ما يعتبر تكلفة عالية لا يقدر على تحملها اغلب المزارعين الذين اضطر الكثير منهم الى اقتلاع الاشجار من اراضيهم لعدم وجود ما يكفي من المياه لريها، والاستعاضة عنها بزراعة الخضروات.
ويقول شاهين ان عدد الدونمات المزروعة بالحمضيات انخفض من 2000 دونم الى 500 دونم نتيجة لنقص المياه وتكلفتها العالية، محذرا من ان الامور تتجه نحو الاسوأ اذا لم يتم معالجة مشكلة المياه والكهرباء.
ومنذ 3 سنوات طلب المزارعون من سلطة المياه عمل بئرين لتعويضهم عن نقص المياه، وفي السنة الماضية اعلن رئيس سلطة المياه عن الحصول على موافقة مبدئية من الجانب الاسرائيلي على تاهيل وبناء 120 بئرا، لكن اهالي المنطقة انهم لم يروا أيا من تلك المشاريع تنفذ على ارض الواقع حتى الان.

الكهرباء.. معضلة اخرى
واذا كانت المياه ضرورة لا غنى عنها للزراعة، فان الكهرباء لا تقل اهمية، فهي ضرورية للحصول على المياه، حيث يقدر شاهين ان تكلفة المياه ستنخفض الى الثلث فيما لو تم استخدام مضخات تعمل بالكهرباء، أي حوالي 60 شيكل في الساعة.
وعن مشكلة الكهرباء، يقول شاهين ان الاهالي تقدموا قبل 20 سنة بطلب لتمديد شبكة كهرباء في القرية، وحصلوا على الموافقة، ودفعوا 10 الاف شيكل ، الا ان المشروع تم رفضه في وقت لاحق بحجة عدم وجود مخطط هيكلي للقرية، وبعد مفاوضات طويلة تمت الموافقة على ايصال الكهرباء الى ابار المياه المرخصة، علما ان سكان القرية لا يحصلون على رخص بناء بحجة عدم وجود مخطط هيكلي.
ويضيف شاهين ان شركة الكهرباء القطرية وافقت على المشروع وحددت مبلغ مليون شيكل للبدء بالمشروع، وقامت وزارة المالية الفلسطينية بتسديد ما قيمته 10% من قيمة المشروع، لكنها توقفت عن دفع باقي الدفعات بحجة ان مشروع الكهرباء يجب ان يكون مملوكا للمجلس القروي وليس للمزارعين.

مشكلة التسويق
وثمة مشكلة اخرى تعترض المزارعين الذين يتمكنون بشق الانفس من زراعة وفلاحة ارضهم، تتمثل في العراقيل التي تضعها سلطات الاحتلال امام نقل المنتجات الزراعية الى خارج المنطقة، فالقرية محاطة باريع حواجز عسكرية هي الحمرا، معاليه افرايم، الديوك، تياسير.
وعلى مقربة من حاجز الحمرا توجد حوالي 500 دونم من الاراضي المزروعة بالحمضيات لا تستطيع السيارات الوصول اليها من الشارع الرئيسي، ويضطر اصحابها الى الوصول اليها سيرا على الاقدام.
وقد منعت سلطات الاحتلال اعمال شق طرق زراعية في القرية رغم الحصول على موافقات بذلك، كما تم منع نصب اعمدة كهرباء ووقف العمل به.

فلتان امني
ويعاني اهالي فروش بيت دجن من مشكلة انعدام الامن وتفشي ظاهرة السطو والغارات الليلية على ممتلكاتهم ومواشيهم، والتي تتم بطريقة تثير شكوك الاهالي حول اهدافها المسبوهة والمرتبطة بمساعي الاحتلال لاقتلاعهم من المنطقة.
ويقول اهالي القرية ان غياب الامن يعود الى ان التبعية الامنية لهم هو مركز شرطة عصيرة الشمالية والتي تتبع بدورها شرطة محافظة طوباس، رغم ان فروش بيت دجن وعصيرة الشمالية تتبعان اداريا محافظة نابلس.
ويشير عازم الحج محمد عضو مجلس قروي فروش بيت دجن الى ان الاجراءات الاسرائيلية ادت الى تراجع الوضع المعيشي في القرية الى الوراء، فقد انخفض عدد السكان من 6000 نسمة عام 1966 الى نحو 1200 نسمة حاليا، واغلقت محطتا المحروقات الوحيدتان في القرية، وقطع خط الهاتف الوحيد في القرية، وكان هناك مشروع لاقامة عيادة صحية في القرية لم ينفذ حتى الان وقد توفي ثلاثة اطفال من ابناء القرية على الحواجز خلال سنوات انتفاضة الاقصى نتيجة لعدم وجود عيادة تقدم لهم العلاج الاولي من لدغات العقارب.

الإغاثة الزراعية حاضرة دائما
وللتغلب على الكثير من العقبات التي تواجه المزارعين، بادرت الإغاثة الزراعية عام 2007 بالإتصال مع عدد من المزارعين من اجل تاسيس جمعية فروش بيت دجن التعاونية للزراعة المحمية، والتي تضم في عضويتها 30 عضوا

ويقول رئيس الجمعية باسم ابو جيش في الوقت الذي تخلى الجميع عنا لن نجد الا الإغاثة الزراعية ومجموعة الهيدرولوجييين الفلسطينين داعمين دائمين للمنطقة وللمزارعين حيث قامت الإغاثة الزراعية بالتعاون مع الجمعية بتنفيذ ععد من المشاريع من ابرزها تنفيذ شبكة من الطرق الزراعية ، ومشروع اعلاف لاصحاب المواشي، ومشروع ال "غلوبال غاب" وهي مشاريع زراعية تصديرية خالية من السمية والمبيدات الكيماوية، ومشروع البرك المعدنية والذي بلغ عدده 15 بركة بسعة220 كوب للبركة الواحدة وبتكلفة 5000 يورو لكل بركة
كما تم تنفيذ مشروع انشاء برك اسمنتية ، حيث تم انشاء 70 بركة بدعم من مجموعة الهيدرولوجيين والاغاثة الزراعية،، بينما تكلف البركة الامسنتية 10000 يورو، ويساهم المزارع بما نسبته 25% من تكلفة البركة ، بالإضافة الى خط المياه الرئيسي الذي نفذ من قبل مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينين .
ويضيف ابو جيش ان الجمعية تقوم حاليا بتنفيذ مشروع بالتعاون مع الاغاثة الزراعية لانشاء بيت لتعبئة وتوضيب وتدريج وتغليف المنتجات الزراعية وتخزينها، في منطقة الجفتلك بتكلفة تصل الى 100 الف دولار، وسيكون هذا البيت بمثابة مركز رئيسي للبيع المباشر ومرتبط بستة بيوت مماثلة منتشرة في الضفة الغربية، ومن شانه ان يؤثر ايجابا على فرص التسويق، ومعرفة مصدر المنتجات الزراعية.
ويشير ابو جيش الى ان هناك 39 مزارعا في القرية حاصلون على شهادة ال "غلوبال غاب" اغلبهم من اعضاء الجمعية، ومن اهم الزراعات التصديرية التي ينتجونها البندورة العنقودية، والكرنب، والفلفل الملون، والخيار، والفاصولياء.
ويشتكي ابو جيش من ان المزارعين في المنطقة يتعرضون ومنذ خمس سنوات متتالية لخسائر فادحة نتيجة الكوارث الطبيعية والعواصف والصقيع والافات الزراعية، ولم يحصلوا على أي تعويضات عن تلك الخسائر، الامر الذي يستدعي ايجاد تأمين زراعي لحماية الزارع الذي اصبح يعمل كخادم عند التاجر، اذ تصل اجرة المزارع في المنطقة الى 5 شيكل يوميا، كما يتطلب ذلك ايجاد بنك زراعي يعمل على تقديم قروض طويلة الامد وبفوائد قليلة بسبب الخسائر المتتالية التي يتعرض لها المزارع.
واوضح ابو جيش ان الجمعية تعمل على تخفيض تكلفة الانتاج عبر عمليات الشراء الجماعي لمستلزمات الانتاج، الامر الذي يقلل من تكلفة تلك المستلزمات بنحو 20%، لافتا الى ان زراعات ال "غلوبال غاب" تكلف اكثر من غيرها بسبب استخدام مواد خالية من السمية.

عمالة المستوطنات
وقد ساهمت المشاريع الزراعية التي تنفذها الاغاثة الزراعية في القرية في تخفيض نسبة العمالة في المستوطنات الاسرائيلية، ويقول ابو جيش اه قبل سنوات كان هناك 200 عامل من ابناء القرية في المستوطنات، وقد انخفض هذا العدد الى الربع، حيث تحولوا الى العمل في الزراعة في ارضهم، محذرا من ان هذه النسبة عادت لترتفع مجددا بسبب الخسائر التي لحقت بالعديد من المزارعين.
اما على صعيد المواشي، فقد ادى ارتفاع اسعار الاعلاف الى سعي مربي الماشية الى التخلص منها عبر بيع اعداد كبيرة من الرؤوس، الا ان قرار وزارة الزراعة بمنع الاستيراد من الخارج منع انخفاض اسعار المواشي.

مطالب السكان
ويرى سكان فروش بيت دجن ان على السلطة والحكومة الفلسطينية ان تقوم بدور فاعل في محاولة للتخفيف من معاناتهم وازالة العراقيل التي تضعها سلطات الاحتلال امامهم.
ويقول عازم الحج محمد ان هناك ضرورة لحفر بئر لرفد مشروع ري غور الفارعة، وتعميق الابار وربطها بالكهرباء، واعداد مخطط هيكلي للقرية، وهذه مهمة لجنة المفاوضات الفلسطينية التي ينبغي عليها الضغط على الاسرائيليين لعمل مخطط هيكلي فبدونه لا يمكن بناء او ترميم أي بيت.
ويضيف الحج محمد ان المنطقة مهددة بالمصادرة ومن واجب السلطة تعزيز صمود المزارعين عبر تعويضهم عن الخسائر الفادحة التي لحقت بهم خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويؤكد الحج محمد على ضرورة ادخال انماط زراعية جديدة للمنطقة، مثل النخيل والعنب، الامر الذي يحتاج الى دعم السلطة عبر ايجاد بنك زراعي يقدم قروضا طويلة الامد بدون فوائد او بفوائد قليلة.
وبانتظار ان تحل مشكلة المياه الزراعية في المنطقة قبل شهر ايلول القادم، فان المزارعين يخشون من ان لا يتمكنوا من زراعة ارضهم في الموعد المحدد، مما ينذر بتحول مساحات واسعة من الاراضي الزراعية الى ارض بور يسيل لها لعاب الغول الاستيطاني المتربص بها منذ زمن بعيد.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]