في مثل هذه الحالات، تضيع الكلمات... وتتبخر العبارات في أهم اللحظات، عند لقاء الأحبة بعد طول غياب، دام لأكثر من 32 عاما!!

ولدت عفاف عبد الرحمن فرحات في مخيمات اللاجئين في بيروت عام 1955، لم تشهد رحلة الشتات عام 1948 حين اضطر والداها إلى الرحيل من قرية مجد الكروم في طريقهما عبر الجبال مشيا على الأقدام نحو الحدود اللبنانية، شأنهم شأن مئات العائلات المجدلاوية التي هجرت من القرية خلال النكبة.

عام 1979 حطت قدما عفاف (أم حسن) في أرض الوطن عبر الأراضي الأردنية، قادمة من الحدود السورية. كانت أم حسن تعرف فلسطين بشوارعها وأزقتها وكرومها، بالرغم من أنها لم تشاهدها من قبل! لقد تربت أم حسن ورضعت حب الوطن مع حليب أمها التي كانت تروي لها دائما القصص عن البلدة التي ابعدوا عنها قسرا، فكانت صورة فلسطين تعيش في مخيلتها، وكانت تعيشها في كل لحظة وهي تعيش في مخيمات الشتات في لبنان.

جلست أم حسن إلى جانب أقاربها وخالتها أم فرحان على المائدة الرمضانية، حيث قدمت إلى مجد الكروم مع حلول شهر رمضان المبارك... 32 عاما قضتها أم حسن مع زوجها وأولادها في رحلة من العذاب والشتات: من بيروت إلى أبو ظبي حيث عاشوا هناك نحو عقدين من الزمن لتغادر أم حسن مع زوجها إلى الولايات المتحدة قبل نحو 12 عاما. بعض أبنائها ما زالوا في أبو ظبي والبقية معها في الولايات المتحدة، لكن الوالدة العجوز ما زالت في بيروت...

من فلوريدا إلى بيروت ثم إلى عمان والى مجد الكروم
عن رحلتها من الولايات المتحدة إلى مجد الكروم، تقوم أم حسن: "صممت منذ سنوات طويلة على الهجرة من أبو ظبي إلى الولايات المتحدة لكي نحصل على الجنسية الأمريكية، وقد نجحنا بذلك وكان الهدف من وراء ذلك القدوم إلى فلسطين ومجد الكروم في أية ساعة نشاء، وكان لنا ذلك. بالرغم من أني زرت مجد الكروم قبل نحو 32 سنة، إلا أن قدماي لم تحتملا الوقوف حين عبرنا جسر الشيخ حسين إلى الأراضي الفلسطينية".

حلم العودة لم يفارقني أبدا

وتتابع أم حسن حديثها قائلة: "عشنا طفولة قاسية جدا في مخيمات لبنان. كان حلم العودة يراودني منذ الصغر، وكنت أحلم دائما بأني جالسة تحت شجرة الزيتون في مجد الكروم، وتحقق هذا الحلم بشكل جزئي قبل 32 سنة حين سمحت لنا السلطات الإسرائيلية بزيارة الأقارب في مجد الكروم، وتصادف قدومي حينها مع موسم الزيتون. لم أستوعب فرحتي حين ذهبت مع أقاربي لقطف ثمار الزيتون، شكرت ربي وحمدته على تحقيق الحلم. عشت حينها شهرين مع خالتي وأخوالي، وكم كان الفراق صعبا حين انتهى تصريح الإقامة".

على المائدة الرمضانية مع الأقارب
كانت مائدة الإفطار في بيت الخالة أم فرحان جاهزة ومعدة وعليها أشهى الأطباق الرمضانية، وقد زينت أم حسن وزوجها مرعي المائدة بالجلوس إلى جانب الأقارب في هذه الأيام المباركة. مرت دقائق عديدة ولم يتذوق أي من الجالسين الطعام!! كان الجميع يرقب أم حسن، وكانت الأحاسيس جياشة... وازداد الجو سخونة مع سخونة وحرارة الطقس في هذه الأيام وانهالت العبرات على الطاولة وأضحت المائدة ندية ..
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]