يقدّر المجلس الوطني للأمان، من خلال نتائج بحث نشرها، أن 25% من مجمل الحوادث التي وقعت عام 2008 كان استخدام الهاتف الخلوي عنصرا مؤثرا فيها – والحديث الدائر هنا هو عن 1.4 مليون حادث و 645 ألف مصاب في كل عام.

خلال الـ 15 عاما الأخيرة، ارتفعت نسبة استخدام الهواتف الخلوية بشكل حاد، وفي عام 2008 كان نحو 85% من المواطنين يحملون الهواتف الخلوية.

يعتقد الكثيرون من السائقين بشكل خاطئ، أن الحديث بالهاتف عبر جهاز تكبير الصوت (ديبوريت) أكثر أمنا من استخدام الهاتف خلال حمله باليد، وذلك نظرا لأنها تمنع خطرين أساسيين – التلهي عن النظر إلى الطريق بغية النظر إلى الهاتف، وكذلك رفع اليدين عن المقود من أجل الاتصال. ولكن، هنالك نوع ثالث من تشتيت الانتباه من الممكن أن يحصل بكل الحالات، هو عدم الانتباه لما يجري على الطريق.

تعتبر القدرة على أداء عدد من المهام في نفس الوقت، صفة محمودة اجتماعيا، ولذلك فإننا نرى الكثيرين يُغرون أنفسهم باستخدام الهاتف الخلوي خلال السواقة. يعتقد هؤلاء أنهم قادرون على القيام بالمهمتين في الوقت ذاته، إلا أن الأمر في الحقيقة ليس كذلك. أداء المهمات المتعددة ما هو إلا اعتقاد خاطئ، فالدماغ لا يستطيع أداء مهمتين بالتوازي، إنما على التوالي، حيث يقوم بالتنقل من مهمة لأخرى.

بإمكان الدماغ الانتقال من مهمة لأخرى بسرعة، ولذلك نعتقد نحن خطأ أننا نقوم بأداء مهمتين مختلفين بالتوازي. في الحقيقة، يقوم الدماغ بنقل التركيز والانتباه من مهمة لأخرى، ويقوم في كل مرة بمعالجة إحداهما فقط.

الدماغ لا يتنقل بين المهمات فقط، إنما يتنقل بين التركيز والانتباه: عندما نحاول القيام بمهمتين معقدتين، كالسواقة والتحدث بالهاتف، يقوم الدماغ بنقل تركيزه. لذلك، يتم تجاهل الكثير من المعطيات الهامة التي لا يقوم الدماغ بمعالجتها. وهكذا مثلا، من الممكن ألا ينتبه السائق للضوء الأحمر بالإشارة الضوئية.

نظرا لكون السائقين غير واعين لهذه الحقيقة، فإنهم كذلك لا يعلمون أنهم يثقلون على أنفسهم بكمية تفوق الحد المقبول من المعطيات والمعلومات.تظهر الأبحاث أن المشاة أيضا لا يستطيعون التركيز بما يدور حولهم خلال التحدث بالهاتف الخلوي، وذلك نظرا لأن التحدي هو القيام بمهمتين تحتاجان للتركيز والانتباه في آن معا.

لكن مع الأخذ بعين الاعتبار، أن السواقة عملية أكثر تعقيدا، فإن التحدي خلالها يكون أكبر. التطورات الجديدة في مجال التصوير بالموجات المغناطيسية (MRI) تتيح للباحثين رؤية ردود فعل الدماغ على بعض المهمات المحددة. تم أجراء هذا النوع من التصوير عندما كان مشاركون في أحد الأبحاث "يقودون سياراتهم" – من خلال جهاز المحاكاة (سيميلاتور)- ويستمعون بذات الوقت لعدد من الجمل كانت تقال لهم عبر الهاتف الخلوي، حيث كان عليهم أن يحددوا إن كانت الجملة التي قيلت صحيحة أم خاطئة. بينت النتائج أن الاستماع للجمل المذكورة عبر الهاتف خفـّض مستويات النشاط الدماغي (في منطقة الدماغ المسؤولة عن السواقة) بنسبة 37%.

أي أن الاستماع ومحاولة فهم ما يقال تقتص من قدراتنا ومهاراتنا خلال السواقة. يمر السائقون الذين يتشتت انتباههم حالة من "العمى بسبب عدم التركيز": فهم بالحقيقة ينظرون عبر زجاج السيارة، ولكن دماغهم لا يقوم بتحليل ما يدور حولهم على الطريق من المعلومات اللازمة من أجل تشخيص المخاطر والتعامل معها.

كذلك، يكون مجال الرؤية أمامهم محدودا. الخطر الكامن في "عمى انعدام التركيز" هو أن السائق عندما لا يقوم بملاحظة ما يدور حوله، أو حين يلاحظ هذه الأمور بشكل نتأخر، يكون من الصعب القيام بردة الفعل الملائمة، مثل توجيه السيارة أو فرملتها من أجل منع وقوع الحادث.

ما الممكن عمله؟

يعتبر منع تشتيت انتباه السائقين بسبب استخدام الهواتف الخلوية أمرا إشكاليا. فالحديث هنا يدور عن مسؤولية مشتركة وتعاون بين كل الجهات المعنية بقضية التحدث بالهاتف خلال السواقة – سواء السائق نفسه أو من يتصل به.

نحن نعرف من مجالات الأمان الأخرى – حزام الأمان، السرعة، الكحول – أن تطبيق القانون بشكل مثابر هي الإستراتيجية الأكثر فاعلية من أجل فرض تغيير نمط التصرف. لذلك، فإن المنع الحقيقي سيكون بالضرورة مرتبط بسن القوانين وتنفيذها بما في ذلك العقاب. الحلول التكنولوجية من الممكن أن تأخذنا خطوة إضافية إلى الأمام، وذلك من خلال تطوير منظومة تستطيع منع استقبال أو إصدار المكالمات والرسائل خلال السواقة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]