تنفرد مدينة نابلس جبل النار بعادات وتقاليد خاصة بها، أو أنها تتشابه إلى حد ما مع بعض المدن الإسلامية مثل القاهرة ودمشق، وتذكيرا فقد لقب المؤرخون مدينة نابلس بدمشق الصغرى، ومع ذلك تظل نابلس لها خصوصيتها وتفردها.

لقد اعتاد النابلسيون على استقبال شهر رمضان المبارك من كل عام هجري بفرح وسرور عظيمين، ولا عجب في ذلك فهو شهر الرحمة والمغفرة، شهر الخيرات والبركات، شهر التوبة من المعاصي والذنوب.

قبل أيام من ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المبارك الذي اعتاد المسلمون في كثير من الأقطار الإسلامية أن يحتفلوا به، فكان النابلسيون يستعدون لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بجلال حلول هذا الشهر المبارك.

مدفع رمضان في نابلس

بداية كان هناك موكب إخراج مدفع رمضان من مخزنه. وعلى طول سير هذا الموكب ، كان أطفال نابلس وفتيتها يسيرون وراءه، وعلى وجوههم علامات الفرح والسرور، حتى يصل موكبه إلى المكان المعد له، حيث يبدأ القائمون عليه بتنظيفه وإعداده استعدادا لعمله الذي يستغرق طيلة الشهر المبارك وأيام عيد الفطر السعيد. ولطالما كان الأطفال والفتية وحتى فئات من الكبار يتجمعون حول مدفع رمضان حين انطلاقه ، حيث كانوا يهتفون فرحين مسرورين.

وتعود حكاية مدفع رمضان إلى أحد سلاطين المماليك ويدعى خوش قدم. كان هذا السلطان مغرما بالمدافع. وفي أحد الأيام تلقى مدفعا من أحد ولاته، فأحب أن يجربه، وصادف الوقت غروب شمس أول يوم من أيام رمضان وتحديدا عند أذان المغرب. سر أهل القاهرة من هذه المبادرة والتي ظنوها مقصودة من قبل السلطان، فشكلوا وفدا بعد الإفطار لشكره، فأمر بدوره أن يتكرر هذا الإطلاق كل ليلة من ليالي رمضان.

الأسواق في نابلس

أما أسواق نابلس التجارية فقد كانت تشهد تغيرا ملحوظا في بضائعها المعروضة استعدادا لهذا الشهر الفضيل. فنراها تعرض ما لذ وطاب مما يشتهيه الصائمون مثل قمر الدين والتمور بأشكالها المختلفة والزبيب والمكسرات والنقوع والمخللات، وتنتشر في أحيائها وقصباتها محال صناعة القطائف التي تشتهر بها نابلس، وكذلك محال بيع الزلابية والحلاوة القرعية.

كما أن باعة شراب السوس والخروب والتمر الهندي يستعدون هم الآخرون لإحياء موسمه، إضافة إلى مطاعم الحمص والفول والفلافل. ومما يميز رمضان عن غيره من الشهور العربية أن له خبزا خاصا مزينا بحب البركة والسمسم، وكعك رمضان مشهور ومعروف بتنوعه وأشكاله. كما أن له أصنافا مخصصة ومعينة من الحلويات الشرقية. وقد اعتاد النابلسيون أن يخصصوا ميزانيات خاصة على شرفه.

وتنتشر محال صناعة القطائف الرمضانية التي تميز هذا الشهر الفضيل على غيره من أشهر السنة، وتأتي هذه القطائف على ثلاثة أشكال: القطائف العصافيري، وهي قطائف صغيرة الحجم تحشى في العادة بالقشطة، ويصب عليها القطر. وهناك القطائف العادية وتحشى بالجبن المحلى أو المكسرات، ثم تشوى أو تقلى وتغمر بالقطر. وهناك أقراص القطائف الكبيرة جدا.

إعتاد النابلسيون عند الإفطار والذين كان مدفع رمضان ينهي صيامهم أن يذهبوا إلى المساجد بعد أن كانوا يتناولون حبات من التمر والماء وذلك إحياء لسنة الرسول الكريم، ومنهم من كان يتناولها وهو في المسجد بغية أداء صلاة المغرب.

شعرات النبي ومدينة نابلس

وقد اعتاد النابلسيون في اليوم السابع والعشرين من الشهر الفضيل وغداة ليلة القدر أن يؤموا مسجد الحنبلي في المدينة عند صلاتي الظهر والعصر، حيث تعرض على المصلين وسط تهليلهم وتكبيرهم الشعرات النبوية الشريفة، الذين بدورهم يقومون بتقبيل الزجاجة التي تضم هذه الشعرات وعددها ثلاث.

وتعتبرا لشعرات النبوية الشريفة من الرموز الدينية التي تنفرد بحيازتها بعض المدن الإسلامية ومنها مدينة نابلس.

ومن هذه الرموز الدينية والآثار النبوية الشريفة عصا الرسول عليه السلام وبردته وخاتمه وقوسه ونشابه وبعض من شعراته، ويروى أن هذه الشعرات موجودة في عدة أماكن من العالم الإسلامي كما أسلفنا ، ويقدر عددها ما بين50 - 60. والثابت أن هذه الآثار النبوية الشريفة ومنها الشعرات النبوية كانت بحوزة سلاطين بني عثمان باعتبارها من رموز الخلافة الإسلامية، وكانت تنتقل بالوراثة من سلطان إلى آخر.

وهي حاليا موجودة في سراي سلاطين بني عثمان في استنبول في إحدى الغرف التي يطلق عليها الغرفة المقدسة، وهي تضم كل آثار الرسول عليه السلام.

ولقد دأب السلطان عبد الحميد الثاني على توزيع بعض الشعرات النبوية على بعض البلدان الإسلامية، وكان له في ذلك غايات وأهداف تتمثل في كسب ود الناس ومحبتهم وثباتهم على الولاء له وللسلطنة.

وقد اعتاد النابلسيون أن يخرجوا زكاة أموالهم في هذا الشهر الفضيل، وذلك أسوة بكثير من المسلمين في كثير من الأقطار الإسلامية.

واستعدادا للعيد الصغير"عيد الفطر السعيد"، كانت هناك عادة درج عليها النابلسيون في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، تتمثل في إحضار سعف النخيل الذي يستورد من مدينة أريحا بغية تزيين قبور موتاهم بها.

إنها عادات وتقاليد حرص النابلسيون على الاحتفاظ بها، وبرغم التطور الحداثي، والتغير الاجتماعي إلا أن هذه العادات والتقاليد ما زالت قائمة، وهي بحد ذاتها تضيف جوا مميزا وخاصا بالشهر الفضيل. وقد اكتسب النابلسيون كثيرا منها إبان الحكم الفاطمي لمدينتهم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]