على غير عادتي، وبعيدًا عن كلّ الضوضاء الإعلاميّة لآخر المستجدّات الإخباريّة؛ بعيدًا عن معركة الأمعاء الخاوية، بعيدًا عن چلعاد شاليط، بعيدًا عن تحرير أسرانا الفِلَسطينيّين، وبعيدًا/قريبًا، قريبًا/بعيدًا.. وكنوعٍ من الاستراحة، قضيت وقتي، متنقّلًا بين قاعة عرض وأخرى، من فيلم إلى آخر، في مِهْرَجان الأفلام الدوليّ في حيفا.

لم أفكّر في الأمر كثيرًا، فاتّخذت قرارًا بأن أمضيَ نهاية الأسبوع المنصرم والأيّام الأولى من هذا الأسبوع، في أحضان مِهْرَجان الأفلام الدوليّ؛ نافضًا عنّي الأخبار، "شالِحًا" (راميًا) جانبًا ضغوط العمل، لاهثًا وراء شغفي وحبّي للأفلام، وخصوصًا تلك المُشارِكة في مِهْرَجانات دوليّة.

كنت قد خطّطت - بدايةً - أن أكتب تعليقًا أو نقدًا - حسَب وجهة نظري الشخصيّة، وخبرتي المتواضعة بالنقد السينمائيّ - لفيلم أو اثنين أو ربّما أكثر؛ لكن بعد مشاهدتي لكمّ كبير من الأفلام المُشاركة في المِهْرَجان، صعّبت على نفسي مهمّة الاختيار، فوجدت تلخيصًا لفيلمَيِ الافتتاح والاختتام، عوّضاني - في لحظة كسل منّي (أقرّ وأعترف) - عن الخوض في تحليل إضافيّ لفيلم أو أكثر.

لقد افتتح فيلم "משחקי שלטון" – The Ides of March (مسيرات السلطة) مِهْرَجان الأفلام الدوليّ في حيفا، يوم الخميس المنصرم (2011/10/13)، وهو الفيلم ذاته الّذي افتتح مِهْرَجان "ڤنيتسيا" (البندقيّة) الدوليّ للأفلام 2011.

وقد جاء عن ملخّص الفيلم، ما يلي:

"مسيرات السلطة" - فيلم من إنتاج وسيناريو وتمثيل وإخراج الفنّان المُبدع، الممثّل الأمريكيّ جورج كلوني. فالأيام الأخيرة من التنافس المسبَّق في انتخابات رئيس الولايات الأمريكيّة المتّحدة، هي الخلفيّة لفيلم جورج كلوني المثير. حيث إنّ المنسّق الإعلاميّ للحملة الانتخابيّة (الممثّل ريان چولسينچ)، يجد نفسه متورّطًا في فضيحة سياسيّة تهدّد مستقبل مرشّحه، والّذي يعمل لصالحه، (الممثّل جورج كلوني)، فيجد نفسه في قلب قضيّة معقّدة ومركّبة، تشمل الجنس، الطمع، الأمانة، الخيانة، والانتقام.

أكثر من أيّ ممثّل أمريكيّ آخر، يتمتّع جورج كلوني بحُضور - "كاريزما"، يذكّرنا بزمن "هوليوود" الذهبيّ؛ ويُضاف إلى ذلك قوّة الشخصيّة وعمقها وتركيبتها المعقّدة، ليعلو بتجسيده شخصيّة المرشّح السياسيّ درجة أخرى في مسيرته وسيرته التمثيليّتيْن.

لكّن كلوني، والّذي أثبت قدراته التمثيليّة البارعة، لا يكتفي بذلك، بل يفاجِئُنا، ويثبت لنا أنّه كاتب سيناريو ومخرج بارع، أيضًا؛ ليضيف بذلك بصمةً له في عالم السينما، مثيرة ومنوّعة؛ إضافةً إلى ذلك، فقد تميّز بالدور الّذي لعبه في هذا الفيلم.

"مسيرات السلطة" مليء بمفاهيم مثيرة تجاه جهاز السلطة والطبيعة البشريّة، والمغزى من وراء هذا الفيلم كبير، وكبير جدًّا، يتعدّى حيّز الزمان والمكان الّذي يدور في فلكه الفيلم.

وقد تميّز مِهْرَجان هذا العام بمشاركة 150 فيلمًا، دوليًّا ومحلّيًّا، من أكثر من 40 دولة مُشارِكة، بينها أفلام هامّة بارزة ومميّزة، شاركت في مسابقات دوليّة رسميّة ومِهْرَجانات أفلام دوليّة رائدة.

وقد تمّ هذا العام - في الافتتاح الرسميّ للمِهْرَجان - تكريم الفنّان والممثّل والمخرج آسي ديّان؛ لما قدّمه للسينما الإسرائيليّة، ولمساهمته في رفع مكانتها. كما تمّ، يوم الاثنين الأخير، نصب ثلاث نجمات لثلاثة نجوم (ممثّلين)، في جادّة نجوم السينما الإسرائيليّة في ساحة الـ"أوديتوريوم"، هم: كيرن مور، منشّيه نوي، وساسون چباي.. لِتَنضاف إلى عشرات النجمات الموجودة على أرض الساحة، ومن بينها ثلاث نجمات لثلاثة نجوم عرب: مكرم خوري، يوسف أبو وردة، وسليم ضو.

هذا وقد كان للسينما الروسيّة والپولونيّة حضور خاصّ هذا العام، إضافة إلى السينما الآسيويّة وجنوب الأمريكيّة وغيرها. وقد حضر المِهْرَجان عدد كبير من الزائرين من حيفا وخارجها، من البلاد والخارج، ومن محبّي السينما والنقّاد والصِّحافيّين، فكانت قاعات العرض على مدار أيام المِهْرَجان مكتظّة جدًّا.

وقد وصل مِهْرَجان الأفلام الدوليّ الـ 27 في حيفا، أيضًا، وفد كبير من صنّاع السينما العالميّة، من ممثّلين ومنتِجين ومخرجين، صِحافيّين دوليّين، وممثّلي شبكات تلفزَة، وشاركوا في فعّاليّات وندوات وعروض خاصّة. من بينهم: المخرج البريطانيّ، جون مادن ("شكسپير العاشق" و"جلالة الملكة، السيّدة براون")؛ المخرج الروسيّ، سارچيي بودروف؛ الممثّل الفرنسيّ، أندريه فيلمس؛ المخرجة الإيطاليّة، كرستينا كومانتشيني؛ المخرج الإيرلنديّ، جون مايكل ماكدونا؛ الفنّان والمخرج البريطانيّ، دانيال مالوي؛ الموثّق (ديكومنتاري) البريطانيّ، جيس بنستوك؛ المنتج الإيطاليّ، ريكاردو توتشي؛ وغيرهم الكثير.

لم استغلّ الفرصة لإجراء لقاءات صِحافيّة مع كبار الفنّانين والمخرجين الّذين صادفتهم؛ لأنّني أصرَرْت على أن أكون في فرصة (إجازة)، احتجت إليها كثيرًا. ربّما فقدت فرصة اللّقاء الصِّحافيّ، لكنّني لم أفقد، طبعًا، فرصتي في التمتّع إلى أبعد الحدود.. ألم أقُل لكم إننّي كنت بعيدًا/قريبًا، قريبًا/بعيدًا مِنَ الأحداث، داخل الإعلام السينمائيّ وخارجه، في آنٍ معًا!

وما بين البريطانيّ؛ والإيطاليّ؛ والفرنسيّ؛ والألمانيّ؛ والإسپانيّ؛ والبلجيكيّ؛ والپولونيّ؛ والهولنديّ؛ والنمساويّ؛ والسويديّ؛ والروسيّ؛ واليابانيّ؛ والصينيّ؛ والكوريّ؛ والأرجنتينيّ؛ والأمريكيّ؛ والإسرائيليّ؛ والإيرانيّ؛ قضيت أسبوعي.. "مسافرًا" عبر الأفلام من عالم إلى آخر، متعرّفًا عبرها حضاراتٍ وتقاليدَ ولغاتٍ، وإلى شعوب مختلفة.. "عائشًا" الحبّ، الكراهيَة، الحزن، الفرح، الجنس، التنسّك، الولادة، الموت، المرض، الإخلاص، الخيانة، الغدر، الوطنيّة، الفقر، الغنى، التألّم، الجوع، العنف، القتل، وحالات كثيرة أخرى.

شاهدت أفلامًا كثيرة - كما ذكرت آنفًا - تنوّعت ما بين المسرحيّ (الدراميّ) والحركيّ (الأكشن) والسّاخر (الكوميديّ) والمأساويّ (التراجيديّ) والتوثيقيّ، وغيرها.. لتؤكّد لي الأفلام، مجدّدًا، أنّ كلًّا منّا يعيش فيلمًا قصيرًا أو طويلًا، يحوي العناصر السينمائيّة جميعها، من التراجيديّ وحتّى الكوميديّ، من الأكشن وحتّى الدراميّ. فحياة الإنسان متنوّعة كتنوّع الأفلام؛ وبما أنّنا نعيش فيلمًا، فلِمَ لا نعيشه كنجوم لامعة تعمل من أجل الوطن والأرض والإنسان، تترك أثرها وتحصد احترام ومحبّة المحيطين والمقرّبين، كالأفلام المميّزة التي تترك أثرها في المشاهد، وتحصد - بدورها - التقدير والجوائز ثمن نجاحها.

مضطرًّا قطعت فرصتي، وفرصتي لمشاهدة بقيّة الأفلام المشاركة في اليومين الأخيرين من هذا الأسبوع في المِهْرَجان، للعودة إلى العمل، لأعود اليوم - وليومين إضافيّين - للانخراط، مجدّدًا، في المِهْرَجان، ومشاهدة الفيلم الخاتم له.

وسيختم المِهْرَجان، يوم غد، السبت، فيلم أمريكيّ، أيضًا، للمخرج ستيڤن سودبرچ، بعُنوان "התפשטות" - Contagion (الانتشار/التفشّي)؛ وقد شارك كذلك في مِهْرَجان "ڤنيتسيا" (البندقيّة) الدوليّ 2011.

وجاء عن ملخّص الفيلم:

"الانتشار" - فيلم الخيال العلميّ والإثارة الرهيبة، من بطولة النجم، ماط ديمون. إحدى المسافرات تمدّ يدها باتّجاه قصعة (جاط) تسالٍ موجودة على أحد "البارات" في مطار يعجّ بالمسافرين، قبل أن تناول النادل بطاقة اعتمادها. تبدأ بجلسة عمل، مصافحةً الموجودين. أحدهم يسعل في حافلة مكتظّة بالمسافرين. لمسة واحدة.. لحظة واحدة.. وعدوى!

يقدّم لنا المخرج الأمريكيّ، ستيڤن سودبرچ، فيلم إثارة عالميًّا مع طاقم من أفضل ممثّلي "هوليوود". وتجري أحداث الفيلم في عالم تنتشر فيه عبر الهواء جرثومة - "ڤيروس" فتّاكة تقتل خلال أيّام، فقط. تنتشر العدوى بشكل سريع جدًّا بين الناس، ويجد المجتمع الطبّيّ العالميّ نفسه أمام صراع مع جرثومة - "ڤيروس"، وخصوصًا أمام صراع مع الوقت، في محاولة لإيقاف الزمن، لهدف الوصول إلى دواء شافٍ، يوقف انتشار المرض، يقضي على الجرثومة - الـ"ڤيروس"، ويمنع الفوضى والرعب الّلذين يعمّان بين الناس وينتشران بينهم كسرعة انتشار الجرثومة - الـ"ڤيروس". وكلّما ازداد عدد ضحايا الجرثومة - الـ"ڤيروس"، وفي محاولة الصراع الفرديّ على البقاء، يبدأ المجتمع بالانحلال والتفكّك. فيلم مثير فعلًا!
هناك أفلام عديدة لم تتسنّ لي رؤيتها خلال مشاركتها في المِهْرَجان، أذكر منها - على سبيل المثال لا الحصر - الفيلم الفرنسيّ "השתול" - L'infiltre' (المزروع) من بطولة الفنّان الحيفاويّ سليم ضو، إلى جانب أفلام أخرى. على أمل أن أشاهدها في دور العرض السينمائيّة، قريبًا.
وما بين فيلم وآخر، "أعود" لأعيش فيلمي، كما يعيشه كلّ واحد منّا.

ملاحظة: هناك فرق شاسع ما بين أن يعيش الواحد منّا فيلمه، وأن يعيش في فيلم، وما أكثر هؤلاء!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]