تعود نهاية هذا الأسبوع الفنانة الحيفاوية سلوى نقّارة الى مسرح الميدان، لتطل علينا من جديد بمسرحيّتها "كابوتشينو في رام الله" التي لاقت رواجا ووقعا كبيرين في الماضي.. لتعرض من جديد على خشبة الميدان يوم الجمعة القادم في الثامنة والنصف مساء.

وتخبرنا نقّارة، والتي اختفت لوهلة عن المسرح العربي في البلاد، ما عدا مسرحية "قصة خريف" التي أنتجها مسرح الميدان قبل عامين، عن آخر أعمالها قائلة أنها عملت في السنوات الخمس الأخيرة في مسرح "أنسمبل هرتسليا" وأنتجت العديد من المسرحيات والأعمال والأدوار المهمة جدا.. واصفة العمل مع هذا المسرح العبري بأنه "كان عملا ممتعا جدا.. من المسرحيات التي أنتجناها، مسرحية "مطر اسود" التي تتحدث عن هول مأساة هيروشيما والقنبلة الذرية التي ضربت البلدة. ومسرحية "الخادمات" لجان جونيه وكان جميلة جدا، وكان آخر عمل "رجل وامرأة واحدة" المأخوذة عن قصص شعبية شرق أوسطية عربية وفارسية، والتي حوّلناها الى مسرح.. المتعة في هذا المسرح أنه فيه بحث وتحدي فنيين، فنحن نبحث عن مسرح يحاكي بلغة فنية بديلة أخرى مغايرة عن المسرح الكلاسيكي الاعتيادي. وهذا المسرح، علما أن المخرجة أوفيرا هنيغ – المعروفة والتي تعتبر من المخرجين الكبار في البلاد والعالم، تجد في هذا العمل متعة كبرى، تشعر بنفسك تعمل فنا يحمل مضامينا وعالما كاملا تثيره من خلال المسرح. لا يوجد فراغ، هناك فكر وفن وتساؤل، فأنت تعرض قضايا للمشاهد وتثير حوارا معه، ليس فقط على مستوى النص، وإنما أيضا على المستوى الفني"...

باتت كلمة "يساري" شتيمة"!

وتطلعنا نقّارة عن تجربة المسرح العبري المغاير والذي يرفض تقديم مسرحا اعتياديا خفيفا ومضحكا، يتناسب مع الجمهور الاسرائيلي الاعتيادي، والمعاناة في رفضها كممثلة ورفض بقية زملائها عرض أعمالهم في المستوطنات، فتقول: "وضعوا العديد من الأرجل لهذا المسرح.. فقد أقالوا مديرة المسرح (هينيغ) لأسباب سياسية بحتة، بعد أن وقّعنا على عريضة ضد العرض في المستوطنات في الضفة الغربية! وهذه رسالة كنا نرغب بتوصيلها كأفراد وليس فقط كمجموعة المسرح، ولذلك عملوا على إفشال هذا المشروع الذي أقمناه وتعبنا عليه وبنيناه بنفسنا... هنا استقلت من العمل في المسرح، لأنه لا يمكن أن أواصل العمل في هذا المسرح بعد أن عرقلوا عمله.. فهذا مسرح بجودة عالية، مسرح مغاير لا مثيل له في اسرائيل.. فباتت التهمة التي توّجه الينا، أن هذا مسرح "متعالي ومتكبر"، رغم أن هذا إجحاف بحق الثقافة والفن، أن كل يساري أو من يملك فكرا مغايرا عما هو مقبول في الرأي العام، ويعمل فنا آخر وغير اعتيادي، لدرجة باتت كلمة "يساري" شتيمة"!

وتضيف: "يتهمونك أنك متعالي ومتكبر ولا تعيش الواقع، لأنهم يعتبرون الواقع هو الواقع البسيط، والمسرحيات التافهة التي نراها في التلفزيون، وكأن هذا هو المستوى الحضاري اليوم في البلاد! يريدون المسرح الذي لا يطلب من المشاهد طاقة، ولا يطلب منه التفكير والشعور والتحليل والمناقشة والمساءلة.. هذا المسرح مرفوض وغير مرغوب به في اسرائيل"!!

أكره أن أُستعمل كممثلة عربية – تحت شعار التعايش!

وتقول نقّارة في رد على سؤال حول كونها ممثلة عربية في مسرح عبري، والانتقادات التي تعرضت لها، أن وجدوها كعربية في هذا المسرح أثار تعليقات الكثر، مشيرة الى أن الصحافة الاسرائيلية كتبت عن المسرح أنهم "ناس لا تؤمن باسرائيل كدولة صهيونية" مضيفة: "هاجمونا كثيرا... فقدمت استقالتي لأنه لا يمكنني العمل بهذا الشكل! اليوم أنا موجودة في موقع أريد أن أعمل مسرحا أؤمن به، وأن أطرح القضايا التي أؤمن بها! وليس أنني أريد أن أعمل فقط لأعمل"!!

وعن سبب نجاح التواصل بين نقّارة وبين المخرجة هينيج، تقول نقّارة "انني أكره أن أستعمل كممثلة عربية، وهناك العديد من المسارح اليوم التي تستغل الممثل العربي، ويحملونه كشعار للتعايش العربي – اليهودي، وهذا أمر أرفضه رفضا باتا، ولا أقبل به! لست شعارا للتعايش! انا ممثلة عربية نعم، فلسطينية نعم، ولكن هذا لا يقلل من قيمتي الفنية! هذا الدافع الذي آتي منه، هذه حضارتي، هذا فكري وخيالي، هذه الصورة التي أقدمها عن المجتمع العربي، وكل هذه الامور أحضرها كممثلة بالادوار التي أقدمها، ولكن لا ألعب دور التعايش في البلاد!!! لأنه أصلا يوجد تعايش كهذا"!!

رفض العرض في المستوطنات... وإقالة المخرجة!!

وتتابع حديثها قائلة: "إحدى الأمور الواضحة هي أنه لا يوجد ذكر لهذه الفوارق، عرب ويهود، هذا الامر ليس مطروحا أصلا بيننا، وهذا ما شدنّي للتعامل معها.. وقمنا في جولة عروض في سويسرا، ولم تُذكر قضية عربي - يهودي بتاتا، بل يذكر أننا فنانون جئنا لنقدم المسرح فقط! صحيح اننا مربوطون بالواقع وكل يعيش واقعه، ولكننا نعمل مسرحا مميزا! وقد وقف السفير الإسرائيلي في سويسرا في إحدى العروض، ولم نكن على علم بوجوده هناك، فتفاجأنا بوقوفه على المنصة وإعلانه أن هذا المسرح "مثال للتعايش"، رغم أننا لا نتعامل أبدا مع وزارة الخارجية الاسرائيلية، فصعدت المخرجة وردت عليه بالقول أننا لا نمثل اسرائيل ولا نمثل التعايش في اسرائيل، لأنه أصلا غير موجود.. بل أنهم يحاربونا في اسرائيل بسبب موقفنا السياسي ضد العرض في المستوطنات"!!

وتؤكد نقارة: "أنا أصلا لا أقبل العمل مع أي مسرح الا اذا وقّعت على تعهد بعدم دخول المستوطنات، ولكن لا يوجد أي مدير مسرح عبري يقبل بذلك، لأنهم أصلا مهددون بأنه اذا قبلوا بذلك، وضموا فنانة مثلي، ستقطع عنهم الوزارة الميزانيات! الحرب علينا واضحة، ويأتي هذا السفير ويتباهى بنا؟؟؟ وبعدها أقالوا المخرجة، وشوّهوا سمعتنا"...

منعوني من دخول القاعة لأني شاركت بمظاهرة المقاطعة!

وتحدثنا نقّارة عن نهفة حدثت معها عندما شاركت في جولة عروض مع مسرح أنسمبل هرتسليا في سويسرا، فتقول: "كانت هناك مجموعات المقاطعة الفلسطينية، التي تدعو للمقاطعة الثقافية والأكاديمية على اسرائيل.. ليلة قبل العرض، أقيمت ندوة حول المقاطعة، ونعم شاركت به، وقلنا لهم أننا مع المقاطعة وأننا أصلا محاربون داخل اسرائيل لكوننا مجموعة مسرحية تقاطع المستوطنات! تصادقنا معهم، ودعونا في اليوم التالي للمظاهرة قبالة القاعة التي سنعرض فيها، وفعلا في اليوم التالي شاركت في هذه المظاهرة! وبعد المظاهرة، كان يجب أن أعود للعرض، وما ان حاولت دخول القاعة أستوقفني رجال الأمن ومنعوني من الدخول لأنني من "المقاطعة"! ظنا منهم أنني ارهابية أو تخريبية أو ما شابه (ضاحكة)، فشرحت لهم أنني من طاقم المسرحية وأنني شاركت في المظاهرة لكوني أدعم موقفهم.. فأظهرت لهم جواز سفري، وطالبتتهم بإظهار بطاقات تعريفهم، فتبيّني لي انهم من الأمن، وكان أحدهم يتحدث في السماعة مع شخص ما، والذي على ما يبدو قال له عدم إدخالي.. وشرحت لهم أنني جزء من طاقم المسرحية، ولكني أوافق المتظاهرين بموقفهم! هنا طالبته بإستعادة جواز سفري، وانتشلته من يده وقلت له: "قل للمخرجة أن سلوى نقّارة غادرت المكان"! وبعد دقائق اتصلت بي المخرجة، فقلت لها: "سئمتكم أنا عائدة الى المنزل"، ولكنها هدأت من روعي، وفي نهاية الأمر دخلت القاعة وعرضنا المسرحية وكانت ناجحة.. هذه الأمور والمواقف هي جزء من عملنا، خاصة المسارح الاسرائيلية، رغم أن هذا المسرح مميزا"...

الجمهور العربي لا يعي ما يعانيه الفلسطيني في الضفة الغربية..

وعن عودتها للمسرح العربي، وتحديدا الى خشبة مسرح الميدان، بعد أن كانت قد شاركت في مسرحية "قصة خريف" التي أنتجها مسرح الميدان، هذه المرة لتعرض "كابوتشينو في رام الله" من جديد، تقول نقّارة: ""كابوتشينو في رام الله" عرضت بالعبرية في بداية القرن الحالي، وبعدها ترجمتها للعربية، ولكن للأسف اتضح لي أن جمهورنا العربي ليس أفضل من اليهودي، فهو أيضا لا يعي ما يحدث في الضفة الغربية وما يعبره شقيقه الفلسطيني من مشقات ومعاناة على الحواجز، والجدار، وإنعدام حرية التنقل والتصرف، والاقامة والتصاريح وما الى ذلك... للأسف الشديد ردة الجمهور كانت أنه على ما يبدو لا يعرف ما فيه الكفاية عما يحدث هناك"..

وتسترسل في حديثها بشغف عن هذه المسرحية التي تعلقت بها كثيرا واحبت عرضها على المسارح قائلة: "في المسرح تمر بمشاعر وبتجارب أعمق من مجرد خبر قرأته في الصحيفة، بل تشعر بالمعاناة التي يعيشها هذا الشاب في محاولة لعبور الحاجز، تعيش هذا الدور بكل جوارحك!! وهذه المسرحية مأخوذة عن كتاب "بين حماتي وشارون" للكاتبة الفلسطينية سعاد العامري، والذي كتبته خلال الاجتياح الاسرائيلي لرام الله والضفة الغربية، فوجدت نفسها خلال تلك الفترة تجلس امام الحاسوب وتكتب ما تشعر به وما يحدث معها، خصوصا وان زوجها كان في الخارج، فوجدت نفسها مع حماتها في المنزل، تكتب عن التواصل وعن المعاناة على الحواجز وعن حياتها اليومية وعن الحصار الموجودة به، وحظر التجوّل في تلك الفترة، والذي اعادها الى الاصطدام مع الجيش الاسرائيلي في الحواجز وغير ذلك"...

حان الوقت للتخلص من دور الضحية!

وتواصل: "جمالية النص أن الكاتبة تملك روح النكتة، وتملك ظلا خفيفا، فتعرض الأمور بطريقة ساخرة، وللأسف الشديد في الأدب الفلسطيني نتخذ لنفسنا دوما دور الضحية، ونتحدث عن الضحية، ولكل ادب مكانه، ولكن برأيي هذه مرحلة يجب أن نتخطاها... فعلينا أن نعرف ليس فقط كيف نبكي على مآسينا، وانما أيضا كيف نضحك عليها ونسخر من أنفسنا، كي نعرف كيف نستمر بالحياة ونواصل حب الحياة.. فنحن نعيش نضالات يومية، ونتغلب وننتقل للنضالات الأخرى، وعلينا أن نعرف كيف نواصل الايمان بعزم وإصرار، وهذا إحدى الأمور التي جذبتني في هذا الكتاب.. أكثر ما سحرني في هذا الكتاب هو أنها لا تتنازل عن الحياة! أنه يجب أن نبقى متمسكين بالحياة، لأننا نعرف كم يحاولون إحباط عزيمتنا. فشعرت بحاجة شخصية كسلوى أن أنتج هذا العمل على حسابي الخاص، لأن هذه الكاتبة عرفت أن توصل الرسالة التي أرغب بايصالها، فأنا لست بكاتبة.. وأشكر كل من ساهم في انتاج هذا العمل، نعمة زكنون، ريمون حداد، وغيرهم الذين تعاونوا معي في هذا المشروع من منطلق الايمان بمبادئ ورسالة هذا العمل... عندما نتحدث عن نص مسرحي، نحن لا نتعامل بالمسرح فقط، بل نحن نحضر حالة انسانية عميقة ونتعامل معها ونعرض ما تمر به من تجارب، والمهم هو بأي حالات انسانية تتعامل"...

وتضيف نقّارة: "لدي العديد من العروض في الخارج، والآن سأعيد عرض كابوتشينو في رام الله، وقد منحت مسرح الميدان هذا العمل، هذا العام، لأنه لم أعد أملك الوقت لتنسيق العروض له، هم تبنوا العرض، ومشكورين على هذه الخطوة، لتنسيق العروض والترتيبات اللازمة.. وأنا أحب مسرح الميدان وأحب التعامل معه"...

مسرح في برلين... وبحث مسرحي جديد

وتؤكد نقّارة أن العمل القادم الذي ستقدمه سيكون في برلين، فتقول: "لدي عقد هذا العام مع مسرح الشاونبل في برلين، وهو أحد أهم المسارح في أوروبا، ولدينا مشروع مشترك لانتاج مسرحية مع ممثلين ألمان، متعددة اللغات، خصوصا أن المسرح الأوروبي، والألماني بشكل خاص بات متعدد اللغات. إنه لأمر غريب ما يحدث هناك... فالمسرح الألماني يعمل تراكيب جديدة، أوروبا انفتحت على كل الثقافات، ففي أوروبا تجد بشرا من كل الألوان والأنواع والثقافات، وهذا أمر جميل وساحر، ويبدو أن الأمر وصل أيضا للمسرح الألماني، في محاولة لايجاد التعابير المسرحية له.. والأمر لا يتعلق فقط بالثقافات المتعددة في المسرح الأوروبي، وانما بتركيبة المسرحيات، فغالبية المسرح الأوروبي لم يعد يتعامل مع النص الكلاسيكي، ليس مسرحيات كاملة، بل يقصقصون المسرحيات، فيتعاملون مع نصوص من أربع مسرحيات لتشيخوف على سبيل المثال، لينتجوا منها عملا مسرحيا كاملا! فالبحث المسرحي اليوم: لنجد معادلات جديدة!! والمسرح الألماني هو أحد المسارح الريادية في هذا المشروع، المسرح الجديد، الفكر الجديد المنفتح الذي يبحث عن أمورا ومواضيع جديدة ملائمة للعصر الذي نعيش به"!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]