لم يشكّل الحشد الذي اصطف أمام الباب الرئيسي لقاعة "الأوديتوريوم" في حيفا ، أي مفاجأة لنا ، فقد كنا نتوقع سلفًا ، وخلال سفرنا من الناصرة إلى مكان الحفل الخاص بدلال أبو آمنة، أنها، نقصد دلال، ستنجح دون شك في استقطاب المئات خلال الكونسيرت الأول لأغنياتها الخاصة..

دلال التي عودتنا اتقان اللون الكلثومي بشكل شهد لها الكثيرون ببراعة اتقانه ، تألقت أيضًا خلال حرفيتها في أداء اللون "الدلالي" ، ان صح التعبير، خلال أمسيتها "عن بلدي احكيلي" التي ذهب ريعها لدعم مدرسة "حوار" الحيفاويّة.

دخلت دلال ، بدلال..! ، وسط تصفيق حار من الحاضرين ، مرتدية فستانًا أبيضًا مزركشًا بالذهبي عند خصره وبأكمام واسعة تُشعرك ، إن أطلقت عنانك قليلاً ، بأن لابنة الناصرة قدرة مؤكدة على التحليق..! ، وكم ستكون ابتسامتك عريضة عندما تُيقن أن خيالك لم يخذلك بهذا الشأن ، وأن دلال تمكنت فعلاً من التحليق منذ صدحت بأول "آه..." في أغنيتها "صليتُ يا بلد السلام" التي كتب كلماتها يوسف نخلة ولحنها مارون أشقر بإبداع واضح ، فالأغنية كانت أشيه بترنيمة تنقلك فورًا إلى مكان ما لا تعرفه يقع ، بالتأكيد ، بين السماء وفلسطين ..

في اغنيتها الثانية تغزلت بجبال بلادنا خلال أغنية لا تقل جمالاً عن الأولى إنما بإيقاعات راقصة أكثر ، أبدعها كلمة ولحنًا مارون أشقر مرّة أخرى.., ، تلتها أغنية "بلادي" التي كتبها عصام عبّاسي ولحنها حبيب حنا شحادة ، لتكرم العملاق سيد درويش بغدها بأدائها الشعبي المتقن لأغنية "الحلوة دي"...

البيت في معلول .. أجمل أغنيات الحفل ، وأقساها...!

صمتت دلال لدقائق معدودات أمام تصفيق محبيها الحاضرين لتشدو للناصرة ، من حيفا ، "أنـاصرتي..." ، كلمات نزيه فاهوم وألحان كارون أشقر ، "هالبيت في معلول" كانت الأغنية الأكثر اختزالاً لوجعنا الفلسطيني ، فالأغنية التي أبدعها سيمون عيلوطي وصبحي خميس ، عبرت دون شك عن حنين كل ذاكرة فلسطينية حاضرة لجأت لدلال لتسمع صوت الوطن الحلم ممزوجًا ببُحة صوتها..!

العودة .. كلمات حنّا أبو حنّا ، كانت القصيدة التالية في برنامج الحفل ، وتطرقت القصيدة إلى رسم لوحة التهجير الفلسطيني عام النكبة بحرفية وجمال... ، تبعتها "أحبّك .. يا قُدسُ" كتب كلماتها هارون هاشم رشيد والألحان تولاها عبد العزيز ناصر ، القصيدة-الأغنية ، بدت وكأنها قصيدة غزلية بين عاشقين أحدهما "القدس" وقد أدتها دلال بإحساس آسر لا يمكن الاختلاف على جماله وقد أكد الحاضرون هذا الأمر بتصفيقهم المشبع بالحماسة بعد انتهاء الأغنية..

لا مفر من أن نعود "على بلد المحبوب" ونستمع لكوكب الشرق بصوت دلال..!

من غير المعقول ، أن تستمع لابنة الناصرة في كونسيرت دون أن تعتريك حالة من نشوة الطرب وتطلب دون وعي منك ، أن تستمع لأغنية "كلثومية" ، ودلال كانت على دراية تامة بهذا الشأن ، كما يبدو ، فقدمت دون انتظار طلب رسمي من أحد ، أغنية "على بلد المحبوب" لأم كلثوم ، بأداء طربي بارع لا يشبه إلا ... دلال!

"يلّا معي.." ، كلمات بطرس خوري وألحانه ، كانت دعوة للحياة بأسلوب يذكرنا باللون الغنائي الذي اعتدناه من شحرورة لبنان "صباح" ، وقد قدمت ابنة الناصرة ، هذه الأغنية بابتسامة وكأنها تدعو كل فرد منّا نحن الحاضرين ، اننضم اليها طربًا ، حتى إنها صرخت أكثر من مرة خلال غنائها هذه الأغنية قائلة:"يللا,,,!"

دلال تميّزت بحق خلال الكونسيرت الأول الخاص يأغنياتها وأثبتت دون جهد أنها موهية فنية قادرة أن تخلع "جلباب" أم كلثوم وتحلّق وحدها .. تمامًا كما قعلت الليلة في حيفا..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]