عشر سنوات عجاف تمر على أم ناصر أبو حميد ذات الظهر الذي لا ينحي والبسمة التي لا تختفي، بعد أن عانقت روح ابنها الشهيد عبد المنعم السماء، وأصدرت محكمة الاحتلال الإسرائيلي قرارها بسلب أبنائها الأربعة منها إلى الأبد، وراء قضبان سجن عسقلان، يحلمون بالحرية وحياة كريمة.
فالابن الأكبر ناصر حكم بسبعة مؤيدات وعشرين سنة، وشريف بخمس مؤبدات، ومحمد مؤبدين وثلاثين سنة، ونصر خمس مؤبدات، أحكام اضطهادية أصدرها الاحتلال غافلا عن أن عمر الفلسطيني يتضاعف بالسجن وتتجذر خلاله وطنيته وانتماءه ويكبر حلمه بنيل الحرية وتحقيق دولته المستقلة.
وفي حديث لـ"بكرا" تعانقت أسماء الأسرى الأربعة لتحسبهم روح واحدة تقاسمتها أربعة أجساد، فتقول أم ناصر :" اشتاق لهم كثير في كل ساعة وفي كل لحظة وفي كل ثانية، فهم لا يبرحون ذاكرتي أبدا"، مضيفة :" رغم الألم والفراق أنا فخورة بأبنائي وأرفع دائما رأسي عاليا بهم".

يوم الأسير يمر وام ناصر تعاني المر...
فها هو يوم الأسير يمر على أم ناصر تلك الفلسطينية التي عانت الأمرين تحت وطأة الاحتلال، وحرمت أبسط حقوقها معانقة أبنائها مر الكرام، دون أن يحقق التغير الذي بدأت به الأمريكيات عام 1857وحققته عام 1908، محسنة من خلاله ظروف عملها وحياتها.
ففي مخيم الأمعري وسط مدينة البيرة، لم يبق من ذكرى الأبناء الخمسة سوى صور عانقت جدران منزل عائلة أبو حميد الذي استقرت به بعدما هجرت للمرة الأولى عام 1948 من الجليل إلى غزة، والمرة الثانية من غزة إلى مدينة البيرة، وصدىً يردد همساتهم ويروي تفاصيل حياتهم الإنسانية البسيطة التي تأبى الذاكرة نسيانها.
وتقول أم ناصر بغصة :" الآن أعيش أنا ووالدهم الضرير لوحدنا، اختفت ضحكاتهم، ولا يوجد من يطرق الباب ويطمئن علينا".
وتتابع :" وقع اعتقالهم كان صعب كثير على كأم ولكني صبرت، فأنا أعلم أن النضال في سبيل استرجاع الوطن ثمنه الشهادة أو السجن".
وعلى الرغم من الأحكام العالية التي أصدرت بحق أبناء أبو حميد يبقى الأمل في قلب أم ناصر بلقاء أبنائها من جديد، فهي كانت ومازالت ترفض اعتقالهم في سجون الاحتلال، وكيف لها ذلك وهي على يقين أنه لا يحق لأحد أن يسلب أبناءها من بين أذرعها، فتعلق أم ناصر :" غيابهم شكل فراغا كبيرا، أتمعن دائما بصورهم المعلقة هنا وهناك، وانتظر يوميا عودتهم إلى المنزل". متابعة :" ناصر ونصر ومحمد وشريف هم حياتي، هم هوائي الذي أتنفسه، هم النور الذي أراه".
وتقول ام ناصر :" بعد اعتقالهم لم اشعر بأي فرحة واختفت السعادة والراحة من قلبي، فلا يوجد أي إنسان يعوضني عن فراقهم، فلا أستمتع ببهجة الأعياد والمناسبات التي تمر علي كباقي الأيام".
وأضافت:" ربي يصبرني دائما على فراقهم، وأنا أعلم كم يعانون هم أيضا وأذكرهم بكلمات أخيهم الشهيد عبد المنعم :حر أنا رغم القيود بمعصمي... أحيا عزيزا لا أذل لمجرمي .... فإن مت فميتتي بكرامتي وإن قتلت فالمسك يعبق من دمي".
ثلاثة عشر عاما ولم يجتمع افراد عائلة أبو حميد في بيت واح، واقع مرير تعيشه الحاجة "ام ناصر" وهي التي باتت وحيدة تعيل زوجها الضرير الذي فقد بصره على اثر هدم الجيش الاسرائيلي لمنزل العائلة، الان تكافح وتعمل في بقالة صغيرة بالقرب من منزل ابنها ناصر الذي تسكن فيه حالياً.
وعند حديثنا معها حول صفقات تبادل الاسرى والافراجات المرتقبة لم تستطع ان توقف دمعها الذي انهمر كمطر كانون الثاني، وتقول: "أصلي دائما كي تتضمن اي صفقة احد ابنائي وبخاصة انهم محكومون احكاما عالية".
فيما لم تتردد الحاجة "ام ناصر" في مناشدة الرئيس محمود عباس وكافة المسؤولين بمساعدتها في تكملة بناء بيتها على قطعة الارض التي منحتها اياها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، بالقرب من مخيم الامعري، وبخاصة انها هي المعيل الوحيد للعائلة ولابناء ابنها المعتقل ناصر.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]