بلغ عدد سكان قرية سحماتا المهجرة قبيل النكبة نحو 1200 نسمة، وعاش في البلدة من المسلمين والمسيحيين باحترام ومحبة متبادلة، وخير دليل على ذلك كنيستها ومسجدها اللذان تعانقا بجوار بعضهما كالتوأم ...

تقع قرية سحماتا على قمتي تلتين وترنو بعزة وشموخ الى مرجها في الجنوب وعلى ينابيع "القواطيع " في الغرب، وتطل على كروم التين والزيتون وصبرها المشهور، يمر بمحاذاتها طريق عام يربطها بمدينة صفد ومدينتي نهريا وعكا، تحدها قرية ترشيحا غربا، وكفر سميع والبقيعة جنوبا ،حرفيش شرقا وفسوطة شمالا .... وعلى اراضي سحماتا بنيت مستوطنتين وهما "حوسن وتسورئيل"

النكبة والتهجير


لم تسلم قرية سحماتا من شر اعدائها كسائر القرى الفلسطينية التي تم تدميرها وتهجير اهلها في عام النكبة ،فقد قامت الطائرات بقصف القرية ،ومن ثم دخلتها قوات الاحتلال الغازية في 29 تشرين الاول من عام 1948 ،ذعر اهالي البلدة من بطش القوات الغازية وقصفها العشوائي بالمدفعية ،وراح الاهالي يتراكضون بين الحواكير وكروم الزيتون للبحث عن ملجأ يأويهم من هول النيران ،وقد ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة في البلدة راح ضحيتها 16 شهيدا جراء القصف وإلقاء القنابل على البلدة الامنة ،ليس هذا فحسب فقد قامت القوات الغازية بعمليات اعدام في البلدة لترهيبهم وتهجيرهم لاحقا ،وجراء ذلك فقد نزح الاهالي عن القرية ،لكن البعض بقي متشبثا بأرضه رغم هول المجزرة والقتل ،ولجأوا ليختبئوا بين كروم الزيتون والكهوف المحاذية للبلدة ،وقد حاول البعض العودة الى البلدة بعد ان سكتت المدافع ،لكن الجيش الاسرائيلي اعترض طريقهم ومنعهم من ذلك ،وقد حولت النكبة التي طالت الشعب الفلسطيني معظم اهالي سحماتا الى لاجئين في المنافي والشتات ووصل عدد كبير منهم الى سوريا ولبنان والقلة الباقية اضحوا مهجرين في ارض الوطن يرقبون العودة في كل مطلع شمس ،لكن هيهات هيهات ..

قلعة الظاهر عمر


تزامنا مع ذكرى النكبة المرتقبة بعد ايام تجول مراسل "بكرا" بين سهول وهضاب البلدة وكرومها الخضراء اليانعة ليوثق بعدسته وبصوت الكاتب والمرشد السياحي نمر نمر حكاية ارض تبكي اهلها، حكاية كنيسة ومسجد التحما بعضهما ببعض ،حتى النكبة لتقوم القوات الغازية بهدم مسجدها واجزاء من كنيستها .. حتى قلعة الظاهر عمر الزيداني لم تسلم من غدر الايام وهدمت واندثرت بين اطلال البلدة المهدمة ...

تجولت برفقة نمر نمر حيث وطأت اقدامنا بركة واسعة فيقول نمر : هذه البركة هي "بركة الرحبة"، وكانت اعمق مما هي عليه الان، وكانت تستعمل للزراعة وسقي المواشي ،وعلى بعد عشرات الامتار توقفنا حيث قال نمر : ها هي اطلال قلعة الظاهر عمر الزيداني لم يبق منها شيئ ،وحتى مقبرتها الاسلامية المجاورة للقلعة هدموا العديد من شواهدها وسرقت احجارها على ايدي المستوطنين الجدد، ورغم محاولات المستوطن بإخفاء معالم البلدة العربية وزرع اشجار الصنوبر لطمس معالمها الا ان اشجار الزيتون المعمرة بقيت وارفة وخضراء بعد اكثر من 100 سنة من زرعها على ايدي اهلها الحقيقيين ،وكأنها زيتونها يقول سيعودون ولو بعد حين.

سحماتا أم "صح متى"


انتقلنا من حارة المسلمين في شرقي البلدة وهرولنا غربا الى حارة المسيحيين ،وتابع نمر حديثه قائلا :هناك رواية تقول ان اصل الكلمة سحماتا يعود الى عدة قرون خلت ويقال ان شخصا يدعى متى مرض وأنهكه المرض ،وعجز المطببون من علاجه ،فنقلوه الى تلة بجانب البلدة ،فيها هواء عليل ونقي وطبيعة خلابة وبعد فترة من الزمن شفي متى من مرضه فصارت الناس تقول "صح متى " صح متى ،ومع مرور الزمن تحولت الصاد الى سين فصارت سحماتا .

بلدة غنية بالزراعة

يتابع نمر :اشتهرت سحماتا قبل النكبة بكروم زيتونها بالإضافة الى اشجار السنديان والبطم والزعرور والتين والصبر ،فزاد طبيعتها جمالا ورونقا ،كانت سحماتا دوما بهجة للناظرين وبلسما لأهلها ،وكانت اراضي سحماتا الشاسعة مصدر رزق وغذاء لأهلها ،فكان اهالي سحماتا يزرعون القمح والعدس ،الفول والحلبة ،السمسم والدخان ،وفي الصيف انشغلوا بقطف ثمار التين والصبر من كرومها .

عائلة سمعان

وصلنا الى كنيسة سحماتا او ما تبقى منها ليقول نمر:شاهدوا معنا كيف تبدو الكنيسة عاجزة وقد تهدمت اركانها وكأني بها تبكي اهلها الذين "رحلوا".

ويؤكد نمر :السكان المسيحيون الذين عاشوا في سحماتا كانت نسبتهم من اهالي البلدة حوالي 10% ،وجميعهم من عائلة سمعان ،وهناك جمعية بإسم "ابناء سحماتا" ورئيسها وجيه سمعان في الـ 75 من عمره، وما زال اعزبا وكذلك شقيقه وشقيقته، ويعود السبب في عزوبيتهم لأنهم شعروا بمرارة الشتات والتهجير وأبوا الاقتران بشريكات حياة وفضلوا معيشة العزوبية ... خوفا من غدر الزمان .
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]