عاد إليها بعد مرور عقود عن غيابه القسري عنها، وبعد ان استوطنه الاغتراب في خيام اللاجئين في لبنان، سوريا والشتات وهرب عبر قلمه ليكتب الشعر الشعبي، ويغنّيه على أمل العودة، ليصبح شاعر الثورة الفلسطينية ويغنّي للعيد الذي لا طعم له الا بعد تحقيق حلم العودة، ولتوتة الدار التي عاد اليها، وداره – في قرية الشجرة المهجّرة قضاء الناصرة ليحمل من خيراتها نبتة الشومر وحجر وحفنة تراب، ويجلس في فيّ شجرها وحجرها أمام ما تبقّى من آثار القرية المهدمة على رؤوس اصحابها عام 1948، عاد الى الشجرة المهجّرة وقد بلغ 84 عاما، ولو كان كسائح، لكنّه لم يجد توتة الدار، التي أوصاها بأن تبقى حمم على الغاصب الغدّار!.

بيت و- 44 درجة !

أبو عرب تجوّل في قرية الشجرة المهجّرة، لا يزال يذكر ان اربعة وأربعين هم عدد الدرجات الواتي يوصلن الى قعر البئر، ورغم ان عددا من المرافقين له في زيارته للشجرة وهم من القرية المهجّرة نفسها شككوا بهذا العدد، الا ان مراسلنا عدّ الدرجات ليتبيّن انهم 42 درجة، واثنتين اخريتين تكسّرتا وآثار وجودهما واضحة!. ومن ثم أكمل طريقه نحو وسط القرية، ولا يزال يذكر جيّدا تضاريس القرية ومكان البيوت التي هدّمت!.

لم أرَ توتة الدار. بهذه الكلمات افتتح حديثه لبكرا، قائلا: "يبدو انها ماتت"، قاطعه الحضور وردّوا عليه قائلين "لا تزال موجودة، أسفل القرية في مكان ما.." فقال لهم، "توتة الدار التي اعنيها هي عبارة عن شجرتي توت كانتا جنب البيت، والتوتة بياضية وأخرى حمراء، الشجرة البيضاء كان قطر دائرة الظلال المصطنع من حجم وضخامة الشجرة نحو ثلاثين مترا.. كانت تكفي البلد كلها ليجلسوا تحت ظلالها.. الشجرة غير موجودة.. ربما ماتت".

ويتابع حديثه قائلا: " عدت الى الشجرة، حيث رأيت موطن طفولتي، حيث ولدت وعشت وشربت من بئرها وأكلت من خيرات أرضها، وشاهدت بأم عيني آلام النكبة، وقصص التهجير، ومقاومة الاحتلال واليهود حيث دارت في قريتنا معارك ضد الاحتلال".

أهالي صفورية يهبون لنجدة أهالي الشجرة


وروى أبو عرب كل ما يتذكره من قصص نكبة ابناء شعبنا الفلسطيني، وتهجير أهالي قرية الشجرة، والمعارك الطاحنة التي دارت بين اهالي القرية واليهود عام 1948، فيقول: "هاجموا الشجرة في يوم واحد مع عرب الصفيح، بدأ القتال الساعة الثالثة والنصف استطاعوا خلالها اختراق الجبهة الغربية، وقع عدد من الشهداء والمقاتلين انسحبوا داخل القرية مع اسلحتهم، واذكر ان خلال هذا اليوم استشهد ثلاثة اشقاء من نفس العائلة، هم ابراهيم، خالد، وعبد الحليم محمد ذياب، أنا اختبأت في منطقة بيني شقّان مع شابين من القرية وكنا نحمل "بواريد" فيها خمسة طلقات من الرصاص فقط، جلسنا حتى جاءت النجدة من صفورية (قرية مهجّرة ايضا)، ضربوا قذيفة مدفعية فهرب اليهود، ومن ثم انهالوا عليهم بالرشاشات لتبدأ معركة من جديد، وقتل ايضا عدد من ابناء قرية الشجرة، نزلنا بين القمح ووجدنا جثث يهود سوفييت، حصيلة المعارك كانت مقتل نحو 45 يهوديا و 28 شهيدا من الشجرة".

تاريخ وشهادة ومستقبل

وعن قصة، ولده الشهيد (معن ابو عرب)، حيث استشهد ولده متأثرا بجراحه التي اصيب بها إثر معركة مع اليهود، قال أنه جلس مع حزب الله لمساعدته بالعثور على قبر ابنه معن الذي استشهد خلال نكبة شعبنا الفلسطيني، وساعده حزب الله بالعثور على قبر ابنه وبمرافقة تلفزيون المنار وعسكريين داخل الحدود ليقابل قبر ابنه الشهيد معن.

وبعد مرور سنوات طويلة على نكبة شعبنا الفلسطيني، أكد ابو عرب في حديثه لـ "بكرا" "أن دماء شهداء فلسطين لم تذهب سدى رغم قسوة الظروف ورغم الظلم العربي الذي نعيشه ورغم كل شيء، دماء شعبنا لم تذهب سدى. هذا الشعب الحي، مصائب كبيرة ضربته ولو كان على أي شعب اخر لهلك وانتهى، لكن الشعب الفلسطيني كل مرة يزداد قوة وصلابة وتمسكا بحقه". مضيفا: " هنا انقل وصيّتي لمن بعدي، وأقول وصيتي التمسك بالحق والارض ولا يقبلوا باي ثمن لمقايضة الارض".

وردّا على مشروع استحقاق ايلول الذي بادر له الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال: "قلت في إخدى اغنياتي "شو هالدولة الي ما لها حدود واستقلالها بالوعودة وما فيها عسكر وجنود الا جندي وصفارة وهوّر يا بو الهوّارة..".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]