يُجسِّد الطفلان عماد (اسم مستعار) (3 سنوات) وشقيقه وليد (اسم مستعار) (سنة و8 أشهر)، إحدى أقسى القصص الحقيقية، التي يعيشُها الأهل والأطفال عندما يرسم القدر مسار حياتهم.

ففي إحدى بلداتنا العربية، تستذكر العائلة قصة ابنتها حينما شاءَ القدر أن تتزوج الوالدة (في العشرينات، الاسم محفوظ في ملف التحرير)، وتُنجب عماد ليتضّح للأطباء والعائلة أنّ عماد وُلد مع إصابةٍ بالكبد، لأسبابٍ وراثية (درجة ثالثة).

وكان على الطفل المولود أن ينمو مع المرض، والآلام، وزيارة المستشفيات، وامتصاص الأدوية في جسده الطري طوال الوقت، هو اليوم ابنُ ثلاث سنوات، يمشي ويلعب ويتكلم ويبتسم، غافلاً، لا يعلمُ أنّه ينتظر دوره لزرع قطعةٍ من الكبد في جسده الصغير بأسرعِ وقتٍ ممكن، وفي بيت جده، يُمضي وقتًا طويلاً في اللعب وحده، بعد أن كان يُسلّيه شقيقه وليد، الذي صارَ يتنقل مِن حضن امه إلى حضن جدته، لأنه لم يعد يستطيع أن يلهو في باحة البيت، كما كان يفعل قبل ثلاثة أشهر.

قصة وليد

كان وليد طفلاً عاديًا، باستثناء احتياجه لزرع كبد، بسبب المرض الوراثي الذي ألمّ به وبشقيقه عماد، وذات يومٍ زاد عليه ضيقُ التنفُس، فسافرَ الجدان إلى مستشفى رمبام، حيثُ ملفه الطبي هناك، وحين توجها للإسعاف الأولي، عند الساعة 12:00 صباحًا، طلب منهما الطاقم الانتظار، رغم أنّ حالته صعبة، تحتاجُ لأقصى سرعةٍ في العلاج، ظلّ الجدان ينتظران، ويخشيان أن يؤثِر ضيق التنفس على جسده الصغير، بسبب ما يعانيه من احتياجٍ للأمونيا (نقص البروتين الذي يؤدي لتسمم الجسم)- فخشيا أن يستفحل المرض عليه.

يقول جده أنّ الأطباء صاروا يتخبطون، بِما سيفعلونه، وأشار إليهم أنّ مشكلته الرئيسية هي "بنات أذنيه"، لكنهم قالوا "أنّ نقص الأمونيا هي المسبب الرئيس لهذه الأعراض المرضية التي يعاني منها الطفل وليد". بينما، يتألم الجد على حالة حفيده الصغير وهو يتلوى حتى الساعة التاسعة مساءً.

تضع العائلة في رأس سُلم أولوياتها متابعة حالة وليد التي تدهورت، وحولته مِن طفلٍ باسمٍ لافت للانتباه، إلى طفلٍ مسكين باكٍ طوال الليل والنهار، يتنقلُ مِن يدٍ إلى أخرى كالدميةِ غير المتحركة، بعد أن كان يتصرف بشكلٍ طبيعي.

الطفل وليد يتلقى اليوم طعامه وجُرعاتٍ مِن الأدوية الموصولة بجهاز (جورستروم) في بطنه، كما يُعالج بتمارين الهيموترابيا، التي أظهرت بعض التغييرات الإيجابية في حالته، فصار يُحرك رأسه وأطرافه، بعد أن كان عاجزًا عن الحركة، بدأ يتحسّن وضعه، الأمر الذي منحَ العائلة الأمل الكبير بإمكانية إجراء عملية زراعة الكبد.

عائلة الزوجة، التي تحتضنُ الطفلان والأم في بيتها، تُحاوِلُ أن توفِر الحُب والدفء لابنتهم وطفلاها، لكنّ الوجع كبير وحسرةٌ ممزوجة بالغضب تُرافق الجدين اللذين أمضيا أكثر من ثلاثة أشهر، وهما ينتقلان بسيارتهما مِن بلدتهما إلى مستشفى رمبام، لمتابعة حالة الطفل وليد، بينما تُضطر الوالدة في غالب الأحيان إلى البقاء مع وليد، لاحتياجه لها بسبب مرضه المزمن.

ويشعرُ الجد بغضبٍ كبير على طاقم الأطباء في المستشفى، الذين كادوا يضيّعون حياة حفيده، ورفع صوته ليقول لهم: إنها مشكلة "بنات الأذنين"، وليست مشكلة نقص الأمونيا، أجابه الطبيب المسؤول إنّ حفيدكم يعاني من نقص الأمونيا، لا أكثر، ودرجة حرارته وصلت الى 38. وظلّ الجد يُناقشهم: إنه يعاني من ضيق تنفُس، والطبيب يقول له: "دعك من هذا الكلام، يا جد!".

تقول والدة وليد: "ليتني لم أتركه مع أبي، ليتني رافقته إلى المستشفى، لأعرف ماذا فعلوا بِطفلي دون علمي، يسألوننا "هل كان يمشي؟!"، بعد أن مكث في المستشفى نحو اسبوعين وهو نائمٌ على ظهره، بلا حِراك، أصبح كُلُ من في البيت لا يعرفُ طعمَ النوم".

تضيف: "لاحقًا أخذناه إلى شنايدر، لنستشير طبيبًا مختصًا عن حالته، طالبناه بإجراء الفحوصات اللازمة، وأعلمتُ الطبيبة المختصة في رمبام، بذلك، وانتظرنا في باحة المستشفى، كان الموعد في العاشرة صباحًا، لكن الطبيب لم يصل، وفي الرابعة عصرًا، اعتذر الطاقم الطبي باسم الطبيب، بذريعة أنّ "ملف الطفل في مستشفى رمبام"، أثارني هذا الاعتذار المتأخِر، والانتظار الطويل، والطفلُ بيْنَ يديْ، وشقيقه عماد يحتاجُني في البيت، أبلغتهم أننا نريدُ إجراء فحصٍ للمخ والأعصاب، فقالوا لا نستطيع، من شدة غضبي، قلتُ "لن أذهب بعد اليوم إلى أيِ مستشفى".

لاحقًا، قام جد وليد بزيارة الطبيب المختص في مستشفى الخضيرة، وحين أُعطي الطفل علاجًا لنقص الأوكسجين، صار يتنفس بصورةٍ أفضل.
وكلما تحدث الجد عما جرى، بدا ناقمًا على الأطباء بسبب الحالة التي وصل اليها حفيده، قائلاً: "أخشى أنّ الأطباء شكوا إبرةً في ظهرِ طفلنا قبل أن يُصابَ بجلطةٍ في الدماغ".

وللأم قالت الطبيبة المسؤولة عن ملف الطفلين، في المستشفى أنّ "وليد "تعرّض لإصابةٍ صعبة جدًا، واحتمالُ عودته لحالته الطبيعية لا تزيد عن نسبة الـ 1%، ومرضه الوراثي سببًا في تدهور حالته الصحية!!".

الجدة، التي قضت أيامًا طوال مع حفيدها في المستشفى، ساهرةً بقربه، استفزها -الطبيب المسؤول الذي راقبَ حالة حفيدها، عندما فقد القدرة على الحركة: إذ وقف أمامها دون أي شعورٍ بالذنب، تمنّت ساعتها لو استطاعت أن تنطق بكلمة أو تصرُخ، كي تهدئ مِن القهر والحزن في قلبها الموجوع".

قصة عماد

تنتظر العائلة الصغيرة نسبيًا، الجدان، والأم وشقيقتها وشقيقها على "أحرِ مِن الجمر"، الموعد الأكيد لإجراء عملية زرع قطعة كبد، ستُأخذ مِن العم وتُزرع في جسدِ عماد، النحيل، ليلمع بريقُ الحياة في عينيه. وفي كُلِ مَرّة تحلُمُ العائلة أنّ الموعِدَ باتَ قريبًا، تُفاجئ بأنّ تغييرًا طارئً قد جرى، فقبل ثمانية أشهر، كان الموعد مُحددًا، وفجأة اتصلت إدارة المستشفى، لتعُلن أنّ طفلةً تمرُ بمرحلةٍ خطرة وسوف تُمنح حق الأولوية، فوافقت العائلة، وبعدها أجروا عمليتين لطفلين يبلغان مِن الوزن 4 و6 كيلو غرام، بينما كبُر عماد قليلاً، وصارَ وزنه 14 كيلو، فاعتذرت إدارة المستشفى، معللةً السبب أنّ أقصى حد لوزن الطفل هو 10 كيلو غرام، وفوق ذلك تكون العملية مُعقّدة!، اقترح الجد أن يُشارك أحد الأطباء من مستشفى (ايخيلوف) بروفيسور مختص بالأوعية الدموية، يرافق الطاقم الطبي في (شنايدر)، أثناء العملية، فوافقوا فورًا وتحّدد الزمان والمكان، لكنّ عائلة الطفل عماد شعرت بقلق، وخافت أن تخسر الطفل، أخافهم إلحاح المستشفى على إجراء العملية بعد مُماطلة، معلّلين السرعة الفُجائية أنّ "الطفل في جميع الأحوال قد يحيا أو يُفارق الحياة". فتراجعت عن إجراء العملية. ولمّا أبدت الوالدة عجزًا عن السفر إلى بلجيكا، لإجراء العملية هُناك، حيثُ ستُضطر لمرافقة ابنها (المتبرّع له)، وشقيقها (المُتبرِع)، ووالدها، الذي سيتابع حالة ابنه، الأمر الذي قد يضيّع حياة الطفل الشقيق وليد، إذا ما تركوه خلفهم، فهو يمرُ بمرحلةٍ مرضية مستعصية، وقد يُنقذوا حياة عماد، ويخسروا الطفل الصغير، لذا تنازلت العائلة عن السفر، بانتظار موعدٍ آخر لإجراء عملية في البلاد، لا تكلفهم حياة أحد أبنائهم.

تقول الأم: "شاءَ القدر أن يُصاب الطفلان بمرضٍ مُزمِن، ما كانا ليهربان مِنه، فهو يُصيبُ المواليد الذكور، وها أنا أعيشُ قلقًا مستمرًا، وخوفًا مِن المجتمع الذي لا يَرحَم، الذي ينتظر متابعة ما سيجري مع امرأة حكم عليها القدر بالطلاق، والعيشِ مَع أطفالٍ يذبلون أمام عينيها، بينما ينتظرُ العالم قصة فشلٍ، "يلوكون تفاصيلها، كُلّ يومٍ"، ولا يعلمون كم هي الحياةُ قاسية.. لا ترحم النساء".


تعقيب ادارة كلاليت :

كلاليت ستعمل كل ما بوسعها على مساعدة العائلة في جانبين، الإسهام في الاستمرار بتسهيل الحصول على الأدوية الخاصة (غير الموجودة في سلة الادويه) وتقديم ادوار العملية الجراحية الواجب إجراؤها.

تعقيب النائب د. عفو اغبارية:

نحنُ ننتظر الحصول على كافة الأوراق الطبية اللازمة للإطلاع على مرض الطفليْن، وسنتابع الموضوع حتى النهاية، ونبذل كل جهده لتقديم كل ما تحتاجه العائلة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]