توفي مساء اليوم السبت 15/6/2013، في مدينة حيفا، جميل شومر عن عمر ناهز الـ (85) عاما، حيث دفن في مقبرة "كفار سمير" وتزامن يوم الجمعة الأخير الـ 40 ليوم وفاته.

جميل شومر الملقب بـ "ظريف حيفا" من مواليد 18/10/1928. عمل موظفا في الضريبة لمدة 44 عاما. رافق الكثير من الفنانين الكبار في شبابه وتولى عرافة الحفلات. عمل سنوات عديدة في الإذاعة في "ستوديو رقم واحد" بإدارة زكي مختار وفي برنامج "سهرة الشهر" مع المطربين المحليين. ظهر كصاحب ابتسامة وأحب الضحك والغناء.. بدأ بالترتيل في الكنيسة منذ جيل (14) أحب الغناء والنشيد واعتبر من كبار المرتلين في الكنيسة قضى (50) عاما من النشاط الكنسي لخدمة الكنيسة وقد منحه بابا الفاتيكان وسام تكريم، تقديرا لخدمة الحبر والكنيسة ومساعدة الكهنة في اجتماعاتهم وصلواتهم في الكنيسة. 

في التقرير التالي يتحدث عنه أعز 5أصدقاء له، فما يقولون عنه.

عبّود: خفيف الظّل ودمث الأخلاق

في حديث لنا مع كايد عبّود (أبو الياس)، قال: «معرفتي بالمرحوم تعود إلى الخمسينيّات، كنت ما شابًا في مقتبل العمر حينها، أهوى الفنون على أشكالها، خاصّة مجال التّمثيل والمسرح والغناء وخصوصًا التّراتيل الكنسيّة. أذكر جيّدًا نادي «الإخاء المسيحيّ» الّذي كان يترأسه المرحوم سعيد سويد، والمرحوم جميل شومر (سكرتيرًا للنّادي)، حيث نشط هذا النّادي في المجالات الاجتماعيّة والتربويّة والتّثقيفيّة والترفيهيّة وملأ فراغًا كبيرًا في مجتمعنا.

وأضاف: وقد كان لنادي «الإخاء المسيحيّ» فريق لكرة القدم، برز من نجومه: بولس لطيف وصبحي عفارة وآخرون. في حينه، تألّق الفريق وتفوّق على فرق كرة ومنهم فريقي «هپوعيل» و«مكابي».

واستطرد عبّود بالقول: لقد قمنا ضمن النّادي بعرض المسرحيّات في الخمسينيّات من القرن الماضي، أذكر منها مسرحيّة من إخراج طيّب الذكر المرحوم أبو الياس مطر، ومن تمثيل شباب وصبايا النّادي، وعلى رأسهم المرحوم جميل شومر، وماجد محيشيم خوري وشقيقتي سعاد عبّود، كما حالفني الحظّ أن أقوم بدور تمثيليّ في مسرحيّة «عواطف البنين». كما شاركت في جوقة الترانيم الكنسيّة التّابعة لكنيسة الروم الكاثوليك، بقيادة المرحوم الياس نجم والمرنّم الأوّل المرحوم جميل شومر، إضافة إلى بعض الأخوة أصحاب الأصوات الجميلة، أذكر منهم فؤاد بحّوث والياس هلون.

وعن جميل شومر حدّثنا عبّود قائلًا: لقد كان جميل شومر ركنًا أساسيّـًا في الجوقة ومرجعيّة في أصول التّراتيل بألحانها المختلفة. كنت أرى فيه مثالًا يُحتذي به للأداء السّليم، الّذي يرتكز على التّقوى والخدمة والعطاء والتّسبيح. ما من لقاء كان يتواجد به جميل إلّا وكان يسوده الجوّ الأخويّ الحميم.. أين تواجد حضرت كلمة ظريف، وهكذا اكتسب جميل صفة «ظريف حيفا» على وزن اللّقب الّذي كان يحمله ظريف لبنان، نجيب حنكش جميل.

وأضاف: كان جميل شومر ملمّـًا بعدّة لغات، كان صاحب ثقافة عالية، وأكثر ما تميّز به هو خفّة الظّل ودماثة الأخلاق وروح الدّعابة والنّكتة التي تفيض من نبع لا ينضب من النّكات على مختلف أنواعها ومعانيها وعبرها.. بوفاة جميل افتقدنا ركنًا من أركان الجوقة الحيفاويّة، ومن أركان مجتمعنا الحيفاويّ عامّةً.

واختتم كايد عبّود حديثه قائلًا، لقد كان لجميل شومر عدد من الأصدقاء المقرّبين، أذكر منهم: سعيد بولس (أبو عفيف)، سعيد سويد (زميله في ضريبة الدّخل)، سعيد الياس أبو خضرة، حسن قرمان، سعدي قرمان، سامي قرمان، جورج طبراني، سليم فريوات وغيرهم.. وغيرهم.

نخلة: كان يتكلّم باسم الشّعب

أمّا صديقه ميشيل نخلة، فقال لصحيفة «حيفا»: أنا من مواليد النّاصرة، أقيم في حيفا منذ الستينيّات، عملت في التجارة.. معرفتي بجميل معرفة صداقة، كما تربطني به علاقة قربى.. تابعت مسيرته منذ كان شابًا ونجمًا ساطعًا مع القلائل من العرب في البلاد، وخاصّة في مدينة حيفا. برز في المجتمع الحيفاويّ، وخصوصًا بين المتعلّمين والمثقّفين. كان من القلائل الّذين يتقنون عدّة لغات، وخاصّةً الإنچليزيّة، حيث عمل موظّفًا في ضريبة الدّخل أيّام الانتداب البريطانيّ، وواصل عمله بعد قيام الدولة فافتتح له مكتبًا خاصّـًا بإدارة الحسابات.

وأضاف نخلة: كان جميل شومر نجمًا إذاعيّـًا من الطّراز الأوّل، وصاحب صوت عذب ورخيم. كان محبوبًا جدًا، وعمل كثيرًا في الحقل الاجتماعيّ في الخمسينيّات. أسّس مع مجموعة من الشّباب الحيفاوييّن نادي «الإخاء المسيحيّ»، حيث برز هذا النّادي من خلال فريق كرة القدم الّذي حقّق إنجازات مشرّفة للمجتمع العربي. توطّدت علاقتي بجميل شومر، فتعاونا لإقامة مؤسّسة «البيت المسيحيّ»، حيث كانت حيفا تفتقر إلى مؤسّسات اجتماعيّة في حينه، وعملنا في تطوير العديد من المشاريع الشبابيّة العلميّة والثّقافيّة، وكان له الفضل الكبير في ذلك.

وأكمل نخلة حديثه قائلًا: كان جميل شومر من السّباقين في عرافة الحفلات وإدارة الجلسات. بيته كان مفتوحًا رغم أنّه عاش أعزبَ مع أخيه چابي، فكان يرحّب بالضّيوف ويستقبلهم، كما كان يطيب له أن يشارك النّاس أفراحهم وأتراحهم. وما ميّز شومر أنّه لم ينقطع عن الصّلاة في الكنيسة، كان مرنّمًا صاحب صوت شجيّ، قاد فرقة المرنّمين في المناسبات الكبرى، وخصوصًا في فترة الفصح، حيث كان يتقن الموسيقى البيزنطيّة - وقلّما مَن يتقنها مثله - بقي أعزبَ لأسبابه الخاصّة، ولم يبح سبب ذلك لأحد.. رحل وذهب سرّه معه.

واستطرد نخلة حديثه بالقول: تألمّنا كثيرًا لفراقه، زارني قبل ليلة من سقوطه في المنزل، قبل أن يصبح طريح الفراش.. ورغم ما حدث معه لم تفارقه روح الدعابة حتّى وهو على كرسي العجلات، فكان يستقبلني ببسمة وقبلة ونكتة. وكان قد أصدر كتاب «طرائف شومريّة» وزّع في حيفا والجليل.

وأضاف: كان جميل شومر يحب الكيف والطّرب والسّهر وتدخين السيچار.. كان نجمًا تلفزيونيّـًا وإذاعيّـًا، محررًا متطوّعًا في عدّة مجلات اجتماعيّة، كان يتكلّم باسم الشّعب. لم يعمل شيئًا لذاته بل لمجتمعه. كان مكتبه مفتوحًا للجميع، كان كريمًا معطاءً، وما قدّمه من هدايا ومساعدات يقدّر بمبالغ طائلة..

وعن تقليد جميل شومر الوسام البابويّ حدّثنا نخلة قائلًا: عندما استلم جميل الوسام البابويّ كنت حينها رئيسًا للبيت المسيحي. الوسام البابوي الذي حصل عليه يعتبر من أعلى الرتب الكنسيّة لإنسان مارس عملًا مميّزًا خدم فيه الكنيسة. منذ كان شابًا وسكرتيرًا للجمعيّة الخيريّة كان يعمل بصمت ويقدم الدّعم للعائلات المستورة. وفي البلاد هناك أربعة أشخاص حصلوا على هذا الوسام، فكان يعتزّ به كثيرًا.

واختتم نخلة حديثه قائلًا: كنّا نبحث عن مناسبة لنقيم له حفلة تكريم، جاء أخيه من تركيا وأخته من لبنان حيث كان يشعر هنا وسط أهله.. رافقته أربعين عامًا، سافرنا معًا وشاركنا بمؤتمرات عديدة في البلاد والخارج في شتّى المواضيع، ورافقنا في أوّل رحلة لمصر والأردن، حيث كان يحب الالتقاء بعائلته في قبرص وبأخيه في فرنسا.

لكل إنسان فلسفة في الحياة، فالبعض كان همّه جمع المال، ولكن هم جميل شومر كان إسعاد الآخرين وجمع النكات.

مزّاوي: رمزًا للإنسان المثقّف والمتعلّم.. رمزًا للحياة

وقال صديقه إدوار مزّاوي : تربطني بجميل صلة قربى، فاذكر جميل منذ كنت طفلًا، حيث ربطته علاقة وطيدة مع الوالد. رافق والدي منذ زواجه وبقي على علاقة متينه به طوال سنوات حياته رغم أن الوالد يكبره سنًا. لجميل شومر وأصدقائه كان هناك مركز على الخارطة الحيفاويّة في الخمسينيّات، إذ تمركزت في حيفا القنصليّات الأمريكيّة والفرنسيّة والإيطاليّة، وفي الأعياد والاحتفالات كان من مجموعة

وجهاء حيفا البارزة الّذين يزورون القنصليّات في الأعياد والمناسبات.

وأضاف: رأيت بجميل شومر رمزًا للإنسان المثقّف والمتعلّم، يجيد عدّة لغات، سريع البديهة وخفيف الظّل، صاحب نكتة ومحبّـًا للحياة. كنت أتساءل كيف له أن ينهي حياته وحيدًا من دون أهل حوله، ولكن أصدقاءَه رافقوه واهتموا بالبقاء إلى جانبه.

وبحسرة، قال مزّاوي: لقد اشتهرت جادة الكرمل («بن غوريون» اليوم) منذ أيّام فلسطين بمقاهيها وفنادقها وباراتها في قلب الكولونيّة الألمانية، حيث سهر وغنّى ورقص واحتفل جميل وأصدقاؤه، وها نحن اليوم نجلس مع ما تبقّى من أصدقائه في فندق الكولونيّة الألمانيّة لترتيب مراسيم الأربعين لرحيله!

واختتم حديثه بالقول: خسرنا شخصيّة حيفاويّة كنّا نعتز بها. كان شخصيّة بارزة في كلّ محضر، كان متكلّمًا، ويترك انطباعًا باهرًا أينما حلّ، مثقّفًا يتقن عدّة لغات. كنت الجأ إليه ليكتب لي جملةً ما أو تهنئة أو أيّ كلمة رسميّة، حيث كان دائمًا يكتب الجملة المناسبة للشّخص المناسب، وقد امتاز بتعابيره المميّزة والمعبّرة.

أبو خضرة: لم تهمّه الأموال

أمّا صديقه سعيد إلياس أبو خضرة، فقال: أنا من مواليد عام 1930، أعرف عائلة شومر منذ الأيام الدراسيّة، جميل شومر كان رفيق عمري، تعرّفت عليه قبل أكثر من 65 عامًا. قضينا جميع المناسبات السّعيدة والحزينة معًا.. امتاز جميل شومر بمرحه، قلم أره يومًا واحدًا غاضبًا، اهتمّ بوالدته واعتنى بها ورعاها حتّى وفاتها، كان يغلق مكتبه باكرًا كي لا يُبقي والدته لوحدها في البيت.. كان يمكنه أن يكون مليونيرًا ولكنه لم يهتم بالأموال بتاتًا، بل اهتم بالغير وبالإنسان.. خدوم، معطاء، صاحب روح دعابة وقلب طيّب، إنسان لم تفارق الابتسامة وجهه.

وعن حادثة جرت معهم في اليونان، حدّثنا أبو خضرة قائلًا: أذكر في إحدى رحلاتنا إلى أثينا (1984)، مررت أنا وجميل بجانب كنيسة صغيرة، فكانت هناك امرأة تقوم بتنظف الكنيسة، فطلب منها أن ندخل للصلاة.. فصلّى ورتّل باللّغة اليونانيّة، وكلّ مَن مرّ بجانب الكنيسة وسمع صوته دخلها؛ فامتلأت الكنيسة بالنّاس الّتي دخلت وصلّت وأضاءت الشّموع وتبرّعت بالأموال للكنيسة..

شحادة: جميل شومر عرّفني على أصدقاء كثر

وحدّثنا صديقه ألفرد شحادة (أبو هاني)، قائلًا: ولدت في حيفا عام 1937، وعرفت جميل من نادي «الإخاء المسيحي» قبل أكثر من 40 عامًا، حيث كانت حفلات النّادي تقام في «شط العزازية»، التّابع لعائلة الخيّاط، وكان جميل شومر في حينه يقدّم البرامج. عمل جميل في ضريبة الدّخل، ثم افتتح له مكتبًا خاصّـًا لضريبة الدخل، حيث كان هذا المكتب مركزًا اجتماعيّـًا ثقافيّـًا وترفيهيّـًا لمجموعة من وجهاء حيفا آنذاك؛ أقيم على قطعة أرض تابعة لرعيّة الروم الكاثوليك، وقد ساعدته بتوسيع المكتب وترميمه، وأذكر أنّ مواد البناء جلبها له إبراهيم شلهوب، والجميع شارك وساعد في تقديم العون لجميل شومر. وعندها تعرّفت على صديقه سامي قرمان والّذي أصبحت لاحقًا صديقًا له.

وأضاف: تعرّفت على الكثير من الأصدقاء وعلى عائلة قرمان من خلال جميل شومر. كان جميل إنسانًا طيّبًا محبّـًا مساعدًا، كان مكتبه مفتوحًا للقاصي والداني، وكان الكثيرون من ذوي الاحتياحات الخاصّة والمشاكل الاجتماعيّة والماديّة يستعينون به، وكان يقدّم لهم المشورة والخدمة دون مقابل.

واختتم حديثه بالقول: بعد التّقاعد تطوّعت في مؤسّسة التّأمين الوطنيّ، وفي جمعيّة رابطة المحبّة، وفي «بيت النّعمة» وتبنّيت بعض المسنين لتقديم المساعدة لهم؛ فدأبت على زيارة جميل شومر في بيت العجزة لتقديم المعونة له وإعلامه بحقوقه كوني متطوّعًا في التّأمين الوطني. لقد رافقته حتّى آخر أيّامه وبقيت إلى جانبه، فهذا الّذي خدم وساعد الجميع أقلّ ما يستحقّه منّا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]