تحولت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، التي نظمها الحراك الشبابي والقوى والأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني نصرة للقدس والمسجد الاقصى، إلى مواجهات مع قوات الشرطة الإسرائيلية واغلاق شوارع رئيسية في البلاد كشارع وادي عارة وشارع عابر اسرائيل وغيرها،وشهدت غالبية المدن والقرى العربية وحتى المدن المختلطة مثل هذه المواجهات..والسؤال هل هي مواجهة عابرة أم انتفاضة ثالثة..عن هذا الموضوع تحدث مراسلنا الى عددٍ من الاكادميين العرب في الداخل الفلسطيني.

تنسيق امني مع اسرائيل في ظل المواجهات

وقال بروفيسور اسعد غانم المحاضر في العلوم السياسية بجامعة حيفا: في هذه المرحلة لا يمكن التأكيد ان كانت موجة الاحتجاجات الحالية هي موجة عابرة ام بداية لانتفاضة ثالثة، ويتعلق الامر بالايام والاسابيع القادمة وتطور الاحداث، لكن واضح من ناحية الدولة ان هناك تصعيد من على جانبي الخط الاخضر، وواضح بطبيعة الحال ان رئيس السلطة الفلسطينية لا يرغب بمواصلة الاحتجاجات والمواجهات والدليل ان التنسيق الامني مع اسرائيل ما زال قائما رغم كل المواجهات وسقوط الضحايا، من جهة اخرى لا يمكن ربط هذه الاحتجاجات فقط بالاقصى مع اهميته بطبيعة الحال، الاقصى مهم لكن هناك احتلال وما زالت اسرائيل جاثمة على صدور ابناء شعبنا في الاراضي المحتلة، واستمرار الاستيطان وصعود اليمين الى سدة الحكم ومحاولات تضييق حيز حرية الراي، لذلك هناك حالة من الغضب واعتقد ان الفرق بين انتفاضة 2000 واليوم هو ضئيل وقياداتنا لا دور لها في تركيب وترتيب الاوراق، والسؤال هل القيادة السياسة تفكر بشكل استراتيجي حول كيفية قيادة هذا النضال وما هي المطالب في ظل هذه الاحداث؟اعتقد ان القيادة في واد والشارع في واد، لذلك كان على هذه القيادة الجلوس معا والتفكير بشكل جدي والترفع عن حالة الانقسام ،علما ان الهم مشترك والعمل مشترك .

عمل ارتجالي

وتابع غانم: علينا ان نحضر لعمل احتجاجي سياسي يسمعه العالم والشارع اليهودي، ويتم تجنيد القوى العربية من خلال مظاهرة جدية بطرق سلمية كما حدث اثناء الاعتداء قبل الاخيرة على غزة،و هناك حاجة لترتيب امور اخرى على شاكلة تسيير حافلات من المدن والقرى العربية الى الاقصى حتى لو ادى ذلك لاختناقات مرورية، وهناك حاجة لتشكيل طواقم لمتابعة امور الجرحى والمعتقلين.

واسهب غانم: اعتقدنا ان تشكيل القائمة المشتركة سيؤدي الى تغيير لكن للاسف لم تشكل هذه القائمة لغاية الان رافعة للتغيير وكانت فقط ترتيب كراسي، والان هم في امتحان حقيقي امام يتعلق بحياة الناس وامان الناس،اما ما يحصل من العمل الارتجالي الذي لا يتم على اساس الظروف الحالية على الاقل من تشكيل طواقم لمتابعة الامور يشير الى ان شعبنا يدفع الثمن دون أي هدف.
 
غزة تدرك ان حكومة اسرائيل تحاول اختزال مازقها السياسي وجرها الى مواجهة عسكرية

بدوره فقد قال د. عادل مناع الباحث في معهد فان لير والمؤرخ في تاريخ الشرق الاوسط: اعتقد انها موجة جديدة عابرة من العنف وهي نابعة من الياس من الاوضاع العامة، اليأس من الحياة تحت الاحتلال، وفي الداخل عدم رؤية افق وامل لمستقبل افضل مع حكومة تتبع سياسات عنصرية وتمييزية ضدنا كأقلية عربية في هذه البلاد، ومن الجانب الاخر تعب ويأس من السلطة الفلسطينية التي لا تخدمهم اصلا ولا تمنحهم أي امل لمستقبل جديد، لذلك يبدو ان شعبنا الفلسطيني يمر بحالة من الاحباط واليأس من السلطة الفلسطينية واسرائيل على حد سواء، لكن شعبنا الفلسطيني يأخذ بعين الاعتبار ما يجري في العالم العربي وهم غير املين طبعا ان تنجر السلطة الفلسطينية الى مواجهة مع اسرائيل، ل اكثر من ذلك حتى حماس والجهاد الاسلامي في غزة لا نوايا لديهم لمواجهة عسكرية مع اسرائيل رغم الضحايا في اليومين الاخيرين، وهم يدركون ان اسرائيل ستعمل جاهدة الى نقل ازمتها واختزال مأزقها السياسي الى مواجهة عسكرية مع غزة يسقط المئات او الالف من الضحايا الغزيين وبعدها تهدأ الامور لفترة معينة.

الاقصى أقدس ما تبقى للفلسطينيين من عمارة وتاريخ

وتابع مناع:اعتقد ان الشيخ رائد صلاح يتحدث عن ان الاقصى في خطر منذ اكثر من عقدين، والحركة الاسلامية فعلت من الاقصى علما لها، وتقيم المهرجانات في ام الفحم، وهذا ليس بجديد، ولا يمكن بطبيعة الحال التقليل من اهمية ما يحدث في الاقصى وخاصة اقتحامات المستوطنين واليمين المتطرف ، لذلك اعتقد ان الاقصى اصبح علما يثير الناس في الشارع حتى غير المتدينين منهم ،لذلك اضحى الاقصى رمزًا لما تبقى من فلسطين التي تضيع بشكل تدريجي ودائم، واسرائيل تقتحم ما تبقى من فلسطين في كل مكان في الاراضي المحتلة، ومن ناحية فعلية تقضي على الحلم الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة وانهاء الاحتلال.

وتابع مناع: عندما تتزامن الاعياد اليهودية ، وحينما تحاول المجموعات المتطرفة اقتحام الاقصى ،عندها يثار موضوع الاقصى من جديد ،عندها يشتعل الفتيل من جديد، وهذا هو الشعور الديني والرمزي، والاقصى اقدس ما تبقى للفلسطينيين من ناحية عمارة وتاريخ وهذا ما يثير الناس للمواجهة والتضحية ، والكل يذكر ابو خضير والحرب على غزة وقد خرجت المظاهرات والاحتجاجات ولم يكن للأقصى علاقة بذلك، لذلك الاسباب المباشرة مختلفة لكن السبب الحقيقي هو انه بعد 48 سنة من الاحتلال والاستيطان واغلاف الافق امام اي حل سياسي يجعل اليأس والاحباط سيد الموقف لابناء شعبنا .

عدم العودة الى اكتوبر 2000

وعن تعاطي القيادة السياسية في الداخل مع الاحداث ختم مناع: لست متابعا لما تقوم به لجنة المتابعة والنواب العرب لكن بالمجمل اعتقد ان لجنة المتابعة واعضاء الكنيست العرب يتواجدون بين المطرقة والسدان، فالفلسطينيون في الداخل غير راضين عن سياسة نتنياهو تجاه الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة وكذلك على سياسات الحكومة تجاه الداخل الفلسطيني التي تتميز بالعنصرية،وفي نفس الوقت يتملكهم الشعور الوطني والقومي والتضامن مع ابناء شعبنا في الاراضي المحتلة وخاصة في موضوع الاقصى، والداخل الفلسطيني لديه ما يخسره بعكس الاراضي المحتلة ،لذلك تحاول القيادة في الداخل ان تراوح بين شعور الشارع في التعبير عن نقمتها تجاه نتنياهو وبين عدم العودة الى اكتوبر 2000.

السلطة الفلسطينية مقاول تشغيل لجزء كبير من الشعب الفلسطيني في الضفة

د. محمود يزبك الباحث في تاريخ الشرق الاوسط قال: اعتقد ان الظروف غير مهيئة لاحداث انتفاضة كما شهدناها في الماضي، وفي الداخل الفلسطيني الاوضاع مختلفة عنها في الضفة الغربية، فوجود السلطة الفلسطينية والخطط الاسرائيلية بمجملها ادى الى تفتيت الاراضي الفلسطينية مما يسهل الاستيلاء وايقاف أي عمل كبير مشترك في الضفة الغربية،م ن جانب اخر هناك اعداد كبيرة وهائلة متعلقة حياتها بالسلطة الفلسطينية، فالسلطة اصبحت مقاول تشغيل كبير وتشغل ما نسبته اكثر من 30-40% من مواطني الاراضي المحتلة، لذلك تستطيع السلطة ان تضغط على سكان الضفة الغربية بعدم الخروج الى الشوارع، بالمقابل السلطة الفلسطينية ومن يرأسها لديهم ايدولوجية ان انتفاضة جديدة مضرة بالمصلحة الفلسطينية،وبما ان هذا الاعتقاد هو السائد لدى السلطة فلا يمكن ان يكون أي دعم من رموز السلطة لانتفاضة او مواجهة مع اسرائيل،وعلى العكس هناك تنسيق امني واضح حتى في ظل المواجهات في الايام الاخيرة،لذلك التفتيت الجغرافي من ناحية والضغط الاقتصادي وسياسة السلطة من ناحية اخرى تؤدي الى عدم النضوج للخروج ومواجهة اسرائيل .

التخوف من تجربة الحرم الابراهيمي

وتابع يزبك: بما ان الضفة الغربية مفصولة بشكل تام عن القدس وسكان الضفة لا يستطيعون مشاهدة ما يجري في القدس وداخل الاقصى، لذلك الاقصى ملتحم اكثر مع سكان الداخل الفلسطيني وانت ترى ان عملية الاحتجاج من بدايتها خلال السنة الاخيرة كانت من الداخل الفلسطيني، والحركة الاسلامية الشمالية اتفقنا معها او لم نتفق معها كانت العامل الاساسي في كشف المخططات الاسرائيلية التي تجري يوميا في باحات الاقصى، لذلك تجد ان هناك التحام ما بين الداخل الفلسطيني والقدس والاقصى، وكل ذلك ينبع من التخوف من تجربة الماضي في الحرم الابراهيمي ،لذلك ترى الناس يخرجون الى الشوارع من اجل الاحتجاج، ويبقى السؤال هل الظروف مواتية وتسمح لنا اكثر من ما رأيناه الان او في اكتوبر 2000 ، اعتقد ان امكانيات الاحتجاج محدودة ولن ترتق او تتسع رقعتها الى ما كانت عليه في اكتوبر 2000 ،وكل ذلك بسبب التركيبة الاجتماعية وارتباطاتنا بشكل كامل وخاصة في قضية المعيشة مع المجتمع الاسرائيلي.

وتابع يزبك: لكن لا يمكن التنبؤ في نهاية المطاف وكل ذلك مرتبط بحدث كبير ربما يفجر الاوضاع الى انتفاضة ،وتصور لو استشهدت الفتاة اسراء عابد ،هذا الامر كان سيغير الاجواء الى منزلق خطير .

الاحزاب السياسية في الداخل لا تدرك مأزق الجماهير العربية

وعن تعاطي القيادة السياسية في الاحداث ختم يزبك: برز بشكل واضح ضعف القيادة العربية في الاحداث،و شهدنا المظاهرات الانفرادية لكل فريق بدل ان تلتحم كل القوى السياسية معا، وهذا يدل على عدم فهم ما تمر به الجماهير العربية في هذه الايام، وهذا المشهد سيزيد من تفتيت الشارع ويخلق ازمة ثقة بين الشارع والقيادة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]