تحبس الدول الأوروبية أنفاسها، باريس لم تخرج من صدمتها بعد ، ليلة 13 من هذا الشهر كانت كابوساً خانقاً سرق من العاصمة الفرنسية رومانسيتها، فمن مدينة العطور انبعثت رائحة الموت، بعد هجمات إرهابية أوقعت130 قتيلاً و350 جريحاً .

بريطانيا دقت ناقوس الخطر، فالإرهاب أذاق عاصمتها طعم العلقم عام 2005، ولهذا تخشى من تكرار تلك التجربة المريرة. رئيس وزرائها ديفيد كاميرون كشف أمام مجلس العموم البريطاني استراتيجية جديدة لدحر الإرهاب عن دولته، وأكد زيادة الإنفاق في مجال مكافحته.

يؤرق التكفيريون أيضاً ليالي الأنس في فيينا، 85% من النمساويين يتوقعون هجمات إرهابية شبيهة بهجمات باريس، بحسب استطلاع للرأي، أما بلجيكا فتتأرجح على كفّ الإرهاب، شلل أصاب مرافقها العامة، وحوَّل عاصمتها بروكسل الى مدينة مُقفرة، إذ إن كل المعطيات الاستخباراية تقول إنها الهدف الثاني بعد جارتها الفرنسية، كما أن هجمات باريس جعلت أنظار المحققين الأوروبين شاخصة باتجاه حي مولنبيك البلجيكي، حيث تبدأ حكاية الإرهاب في أوروبا من هناك .
بعد كل حادث إرهابي في أوروبا، يبدأ البحث من حي مولنبيك عن أول ِالخيط ِ، فغالباً ما ارتبط َاسم هذا الحي الشعبي بعدد كبير من الهجمات الإرهابية في أوروبا، كما أن أكثر من 500 إرهابي بلجيكي التحقوا بالجماعات التكفيرية في سوريا والعراق خرجوا منه، 272 لايزالون هناك بينما عاد منهم إلى أوروبا نحو 130 إرهابياً، بحسب أرقام أجهزة الأمن البلجيكي.

حي مولنبيك سان جان الواقع غربي بروكسل، هو أفقر أحياء العاصمة البلجيكية، وأكثرها كثافة سكانية، يقطنه خليط من المهاجرين يبلغ عددهم قرابة 90 ألف نسمة، العدد الأكبر منهم ينحدر من أصول مغربية .

كثيرة هي الأسباب التي جعلت من هذا الحي الشعبي ملاذاً للتكفيريين، وتربة خصبة للإرهاب. الفقر والبطالة والجهل والتهميش وغياب العدالة الإجتماعية، جعلته جزيرة معزولة عن محيطه، كل هذه العوامل دفعت عمدة مولنبيك فرانسوا اسخيمانز إلى الاعتراف بتقاعس الحكومة البلجيكية تجاه سكان هذا الحي، وتركهم يتخبطون في مشاكلهم، ما جعلهم لقمة سائغة في فم الجماعات التكفيرية بحسب قوله .

التحقيقات كشفت أن أغلب منفذي هجمات باريس انطلقوا من هذا الحي. عبد الحميد أبا عود الانتحاري البلجيكي المغربي ولِد في مولنبيك، والتحق بصفوف الجماعات التكفيرية في سوريا عام 2014، وحُكم عليه غيابياً بالسجن لمدة 20 عاماً، لكنه تمكّن من العودة الى أوروبا والذهاب الى فرنسا من دون أن ترصده أجهزة الاستخبارات الأوروبية.

وفي هذا الحي أيضاً كان يعيش ابراهيم عبد السلام الفرنسي الذي فجّر نفسه في أحد مطاعم باريس، فيما البحث لا يزال جارياً عن أخيه صلاح عبد السلام الذي استأجر السيارتين اللتين استُعملتا في الهجمات، وتمكّن من الهرب من فرنسا الى بلجيكا، وهو أيضاً كان يعيش في حي مولنبيك مع شقيقه، كما أثبتت التحقيقات أن فرنسييْن من بين الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في باريس عاشا لفترة في الحي نفسه.

تاريخ الحي مع الإرهاب طويل، منذ عشرين عاماً احتضن مولنبيك عدداً من منفذي الهجمات، بدءاً بمنفذ اغتيال أحمد شاه مسعود في أفغانستان عام 2001، وأحد منفذي تفجيرات مدريد عام 2004، وصولاً إلى المتهم بالهجوم على متحف اليهود في بروكسل مهدي نموش عام 2014.
بلجيكا في مأزق إرهابي لا تُحسد عليه، وهي تُدرك ذلك جيداً، لكنها ترفض الاتهامات الأوروبية لها بالتقصير، عبء مولنبيك ما عاد يقع على كتفيها وحدها، بل تحمل معها كل دول الاتحاد وِزر تنامي الإرهاب في حي أصبح يُسمى "الرقّة الأوروبية ".

 

المصدر: الميادين

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]