وجّه بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني، أمس، نداءً إلى شعب أفريقيا الوسطى، معتبراً أنّ الأزمة التي تمر بها البلاد ليست «دينية». ورأى البابا أن «أزمة أفريقيا الوسطى ليست أزمةً بين الأديان، لأنّ شعبها، من مسيحيين ومسلمين، لديهما تقليد عريق في التعايش السلمي، وينبغي المحافظة عليه». ولفت البابا، إلى أنه «عبر تكريس هذا التقليد، فإن بإمكان سكّان أفريقيا الوسطى، أن يكونوا نموذجاً يُحتذى به من قبل بقية البلدان الأفريقية».

وأضاف أن «عليهم أن يشدّوا على أيدي بعضهم للتغلّب على الانقسام والكراهية والعنف، وتكريس أنفسهم للتحضير لانتخابات تكون عادلة ومفيدة». ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية، في الشهر الجاري، إذا عاد الهدوء إلى البلاد. وتأتي زيارة البابا لأفريقيا الوسطى بعد تجدّد العنف الطائفي هناك، على خلفية مقتل شاب مسلم يوم عيد الأضحى الماضي، وأدت إلى اندلاع حوادث انتقام بين المسلمين والمسيحيين.

وفي ثاني أيام زيارته لأفريقيا الوسطى، وصل البابا، صباح أمس، إلى المسجد الكبير في حي «BK5»، في بانغي، آخر أحياء المسلمين، في العاصمة الأفريقية. وكان في استقباله الإمام نهادي تيجاني وعمدة الدائرة الثالثة في العاصمة، بالا دودو، بحضور وفود كاثوليكية وبروتستانتية ومسلمة. فيما تجمعت حشود لاستقباله في محيط المسجد وسط انتشار أمني كثيف لقوات «الأمم المتحدة». ورغم أن المراسم لم تتخطّ نصف ساعة، إلا أنها انطوت على رمزية كبرى، واعتبرت إشارة قوية من أجل بناء الثقة وتعزيز المصالحة بين مختلف الطوائف، وذلك مع إعلان البابا أن «زيارته سيشوبها الفشل لو أنه ألغى لقاءه مع المسلمين».

وحذّر البابا من «انتخاب رئيس يخدم مصالح طائفة على حساب أخرى»، مشدّداً على ضرورة التعايش «السلمي بين المسلمين والمسيحيين». وتحدّث البابا باللغة الإيطالية، وترجم حديثه كاهن برفقته إلى لغة «السونغو» المحلية.

ورأى البابا، في اليوم الأول من زيارته الأولى لأفريقيا الوسطى، أن «طريق خلاص هذا البلد يكمن في احترام شعاره الجمهوري، الوحدة والكرامة والعمل». وأضاف، في خطابٍ ألقاه في قصر النهضة «القصر الرئاسي»، في العاصمة، بحضور القوى السياسية في البلاد، أنّ «شعار جمهورية أفريقيا الوسطى، يعبّر عن اهتمامات وتطلّعات كلّ المواطنين، وبالتالي، فهو يشكّل بوصلة ثابتة بالنسبة إلى السلطات التي تقود هذا البلد». وأعرب عن قناعته بأنّ «حلول المشاكل التي تواجهها أفريقيا الوسطى تكمن في احترام شعارها الجمهوري»، لافتاً إلى أنه «يكفي إعادة الاعتبار إلى هذا الشعار من أجل الحصول على مفاتيح التسامح والغفران والسلام». وختم البابا خطابه، بصفته «رسولاً للسلام»، قائلاً إنّ «الوحدة هي القيمة الأساسية لانسجام الشعب».

ووصل البابا، صبيحة أول من أمس، الأحد، إلى العاصمة بانغي، في إطار جولته الأفريقية، الأولى من نوعها أيضاً، منذ توليه منصبه، في آذار2013. وكان قد استهل جولته الأربعاء الماضي، بزيارة لكينيا، قبل أن يتوجه الجمعة، إلى أوغندا، ومن ثم إلى أفريقيا الوسطى.
بدورها، دعت الرئيسة الانتقالية لأفريقيا الوسطى، كاترين سامبا بانزا، في كلمتها الترحيبية بالبابا، مواطنيها إلى «طلب الغفران»، متّخذة من نفسها مثالاً على ذلك، قائلةً: «طلبتُ الصفح باسم جميع القادة المتعاقبين على هذا البلد».

وسيختم البابا زيارته بآخر قدّاس له على أرض أفريقية، اليوم، في ستاد بارتيليمي بوغاندا الرياضي، الذي يحمل اسم سياسي وكاهن كاثوليكي من أفريقيا الوسطى. ويعتبر بوغاندا، «أبا الوطن»، وقد توفي عام 1960 بعيد إعلان استقلال البلاد، والذي أسهم فيه بصفته كأول رئيسٍ لها. ومن المتوقع أن يوجّه البابا نداءً أخيراً إلى شعب أفريقيا الوسطى لحضّهم على الخروج من أزمتهم العسكرية والسياسية والأخلاقية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]