لقي قرار وزارة الداخلية بالإعلان عن بلدة عرابة البطوف كمدينة، تباينًا كبيرًا بالآراء ففي وقت عبر العديد من الأشخاص عن مباركاتهم وفرحهم بأن عرابة أصبحت "مدينة"، أظهر عدد من المختصين والشخصيات السياسية والاجتماعية امتعاضهم الشديد منذ هذا القرار مؤكدين أن الداخلية الإسرائيلية استطاعت من خلال هذا القرار استفزاز مشاعر فلسطينيو الـ48 في القرى والمدن العربية المختلفة من جديد، ووضعتهم امام تساؤلات محيرة، ما الهدف من هذا الإعلان.. وفيما اذا كان هذا الإعلان لصالح بلدة عرابة ام سيؤتي بنتائج عكسية حتما، الى جانب الدوامة التي وقع فيها المعظم خاصة هؤلاء الذين يعيشون في مدن كانت قرى في وقت سابق قبل الإعلان عنها كمدن رسمية "متطورة"، حيث عايشوا ولا زالوا يعايشون المشاكل التي تعاني منها مدنهم مثل انعدام الميزانيات، ونقص التطور الصناعي، وانعدام مساحات البناء، وانحصار الأراضي مقابل الازدياد المقلق في عدد السكان العرب في المدينة مما جعل الفرحة بتحول عرابة من قرية الى مدينة ناقصة حتما وحتى عادية جدا بل مقلقة أيضا...

رنا زهر: خسرنا القرية ولم نربح المدينة
الناشطة الاجتماعية والسياسية الدكتورة رنا زهر من الناصرة عقبت في هذا السياق قائلة: مبروك لعرابة قرار تحويلها لمدينة، منظمة بذلك إلى اخواتها الناصرة، أم الفحم، سخنين، شفاعمرو وغيرها من المدن الفلسطينية في الداخل، وأتمنی لعرابة ولباقي مدننا أن يصلن ولو للقليل مما تستحقوه من ميزانيات لتطوير بنی تحتية، ومناطق صناعية ومرافق اجتماعية ومؤسسات مدنية وغيرها من المعالم الحيوية لأي مدينة، فبالرغم كون الناصرة، علی سبيل المثال لا الحصر، مدينة منذ فترة طويلة، ورغم أن عدد سكانها في ازدياد ملحوظ، نرى أن مخزون الاراضي بانحصار مقلق، وامكانيات التطور الصناعي والتكنولوجي شبه معدومة ،مما يؤثر سلبا على وفرة فرص العمل، الذي بدوره يؤثر على المعطى الاقتصادي- الاجتماعي لأهل البلد والذي بدوره يؤثر؛ فيما يؤثر، على سلوكيات ابناء شعبنا، في ظل سياسات تمييز قومي غير مسبوق.

وتابعت: نعم، مجتمعنا يتحول رويدا رويدا من مجتمع قروي ريفي إلی مدني، ولكننا في الواقع خسرنا القرية ولم نربح المدينة. مع هذا؛ فشعبنا لا يملك ترف اليأس حتی. فالمطالبة بالحقوق الاساسية والمرافعة المهنية الصحيحة؛ والمثابرة والنفس الطويل وعدم تذويت "قلة الحيلة" من قبل بعض رؤساء بلديات الذين قد يتفوقوا علی اشد الوزراء يمينية في شرعنة التمييز وايجاد التبريرات له، هو المفتاح للنجاحات التي تكون عادة تراكمية وبطيئة. المسؤولية هنا هي جماعية؛ فاللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، بالتعاون مع اجسام مهنية ك"لجنة التخطيط البديل" أو "عدالة" و"مساواة" وغيرهم من مؤسسات المجتمع المدني ،وبالتعاون مع اعضاء البرلمان، تستطيع ان تقود نضالا عنيدا وعادلا من اجل تحصيل الحقوق، والميزانيات، لا التسميات.

عمار أبو قنديل: عرابة مدينة في الضرائب وقرية في الخدمات!!

بدوره الناشط الاجتماعي والاكاديمي عمار أبو قنديل قال: لا يمكن الحديث عن " مدينة " بدون الحديث عن ما تملكه هذه المدينة, وقبل الحديث والفرح بالتسميات علينا ان نجيب على بعض الأسئلة الجوهرية، هل تمتلك عرابة ادنى مقومات المدينة ؟ هل هذا ما كان ينقص عرابة للنهوض والتقدم ؟

وتابع: إن المقوم الوحيد للمدينة الذي يتواجد في عرابة وحقيقة في غيرها من مدن الداخل الفلسطيني هو عدد السكان بالمقابل هناك شح في المرافق الاجتماعية والمسطحات السكنية والمكاتب الحكومية والمراكز التجارية والمباني الطبية وذلك دون الحديث عن ابسط الخدمات من شوارع وصرف صحي وحدائق, طبعًا تقع مسؤولية ذلك في الأساس على عاتق مؤسسات دولة الاحتلال وسياساتها الممنهجة في التضييق والتهميش الموجه ضد السكان العرب في الداخل الفلسطيني كل ذلك الى جانب الفساد والإهمال التراكمي الذي خلفته المجالس في سنوات سابقة
وأضاف قائلا: مدينة او قرية ذلك لا يُنقص عرابة شيئًا من تاريخها النضالي كأحد ركائز مثلث يوم الأرض ولا يقلل من دورها الطلائعي لتخريج الشابات والشباب المتميز, لكن على اهالي عرابة وقيادات المجلس المحلي وشبابها في الأخص أن يسألوا أنفسهم هل حقًا هذا ما ينقص عرابة وأهلها ؟ ام انه ذر رماد في أعين السكان وحبوب تخدير للتغطية على الترهل التنظيمي والخدماتي الذي يجتاح عرابة, فالمطالبة الحقيقية يجب أن تكون بتوفير خدمات كحق وليس منه تشمل مقومات المدينة المعتمدة محليًا وعالميًا من ميزانيات ومسطحات سكنية ومشاريع تنموية ومناطق صناعية قبل التهليل بالتسميات التي لا تفيد ولا تسمن فتتحول عرابة لمدينة في الضرائب وقرية في الخدمات.

واختتم: عرابة هي مدينة بأهلها الكبار وشبابها الوطني المتنور المليء بالطاقات والقدرات الذي يستحق مشاريع يستثمر بها نفسه ويعود على ذلك بالفائدة لأهل بلده ومجتمع وشعبه من دون الغرق بين الأطراف والمصالح السياسية المحلية التي تصور الأمر كإنجاز والبعض قال وصرح انه الإنجاز الأهم للمجلس عبر التاريخ وكأن المؤسسة الإسرائيلية حقًا تعتني بمواطنيها , للتذكير فقط البارحة " أهدت " الوزارة عرابة لقب المدينة وفي نفس اليوم أمرت بهدم قرية " ام الحيران " في النقب كجزء من منطق العصا والجزرة.

د. حنا سويد: ان يكون اللقب عن استحقاق مثل خدمات على مستوى متقدم، مداخيل وايرادات للسلطة المحلية من صناعة وتجارة بشكل متميز

اما عضو الكنيست السابق، الدكتور حنا سويد رئيس المركز العربي للتخطيط البديل فأعطى رأيه المهني معقبا لـ"بـُكرا": ابارك لعرابة اللقب الجديد، وبما يتعلق بموضوع مسطحات البناء والمساحات اللازمة لتطور البلدة باعتقادي ان النتيجة ستكون عكسية لأنه من المتبع ان كثافة البناء في المدن هي اعلى من كثافة البناء في القرى، عندما تكون كثافة البناء اعلى معناه او نمط البناء سيكون متعدد الطوابق وبكثافة اعلى وهذا يبطل مطالبة السلطة المحلية بتوسيع مسطح البناء على اعتبار ان مساحة اقل يجب ان تتسع لأكثر من الأبنية او المواطنين.

وتابع : فيما يتعلق بالميزانيات لا أتوقع ان يكون هناك تغيير، بل المتبع انه في المدن مدخولات السلطة المحلية الذاتية من المصالح ومن المصانع والمصالح التجارية يجب ان تكون بنسبة مرتفعة اكثر مما سيحتم على السلطة المحلية ان ترفع من تسعيرة الأرنونا والضرائب على المصالح التجارية والصناعية مما سيثقل على كاهل المواطنين.

وأضاف لـ"بـُكرا": انا لا اعارض او أرفض الإعلان عن عرابة كمدينة، ولكنني انبه الى الجوانب التي قد تكون فيها حمل إضافي واثقال كاهل المواطنين بمتطلبات إضافية لم تكن سابقا، لا توجد مدن عربية بالمعنى الحقيقي بل هناك "ميغا قرى" حتى الناصرة التي تحوي 80 الف مواطن الا ان نمط العلاقات في الناصرة هو نمط جماهيري اهلي، بمعنى ان الجميع يعلم الجميع ونمط البناء هو ذاتي، ما عدا الأجزاء مثل شنلر وغيرها ولكن اغلب الاحياء الأخرى ما زالت قروية والامر أيضا ينطبق على باقي المدن العربية ما عدا سخنين، لأنها تحوي مساحات تستعمل لمصالح تجارية وتعود بأموال أرنونا على السلطات المحلية هي اقل بكثير من المعدل العام الموجود في البلاد لأنها تتميز بوجود نسبة عالية من المساحات المخصصة للمصالح التجارية بشكل ملحوظ وفوق المعدل الموجود بشكل عام.

وأشار قائلا: باعتقادي العامل الأساسي الذي لعب دوره في هذا الموضوع هو عدد السكان لأنه البلدات المرشحة ان تكون مدن أيضا هي كفركنا والمغار لأنها أصبحت من ناحية عدد السكان فيها اكثر من 20 الف بشكل واضح، يجب النظر كيف يتم استيعاب اعلان وزارة الداخلية عن بلدات معينة كمدن حيث يعتبر انجاز للبلدة نفسها، حيث ان الحكومة والداخلية تعرض ذلك على انه استجابة لمطالب واحقاق حقوق ومساواة المواطنين العرب، في حين ان وضعية البلدات العربية هي وضعية مجالس محلية وليست مدن.

واختتم منوها لـ"بـُكرا": الانطباع السائد هو ان الإعلان عن مدينة هو حدث إيجابي في تاريخ البلد وهذا صحيح جزئيا يجب ان يعبئ بمضمون اقتصادي اجتماعي يؤكد الجهة الإيجابية في الإعلان عن بلدة معينة كمدينة، لا يكفي اللقب يجب ان يكون اللقب عن استحقاق مثل خدمات على مستوى متقدم، مداخيل وايرادات للسلطة المحلية من صناعة وتجارة بشكل متميز، وان تكون هناك خدمات للجمهور، مثل مكتبة عامة، ومسارح، ودور سينما ومتاحف، ومعارض وكليات، وشبكة طرق متقدمة ومتطورة ونظام لإيقاف السيارات وخدمات صحية مشابهة للمستشفى، وغالبية المدن العربية تفتقر لذلك وليست عرابة فقط، لذلك لا يجب ان ننغر ونؤخذ بالإعلان عن عرابة كمدينة ولكن ان تكون هناك استحقاقات لهذا الإعلان وفي نهاية الامر انا ابارك لعرابة ومجلسها المحلي بالإعلان عن المدينة وآمل جدا ان يكون هناك نشاط عمل حقيقي من اجل ان يتم تعبئة الحيز المسمى بالمدينة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]