لا ينحصر الإنجاز العلمي والطبي، في زراعة القلب الاصطناعي بجامعة النجاح في نابلس، الذي أجراه البروفيسور سليم حاج يحيى، بالإنجاز الشخصي، بل هو انجاز وطني فلسطيني من الدرجة الأولى، وهو ثمرة لجهودٍ مُشتركة- كما أشار لنا، خلال لقائنا به، في بُـكرا.

والبروفيسور سليم حاج يحيى، هو ابن مدينة الطيبة في المثلث الجنوبي، يعمل استشاري في جراحة وزراعة القلب والرئة، وعميد كلية الطب وعلوم الصحة في جامعة النجاح والمدير العام للمستشفى الجامعي بالجامعة في نابلس، الذي ذاع صيته، مؤخرًا، عندما انتشر فيديو تكريم ما يقارب 4000 طالب وطالبة من كلية الطب والصحة في جامعة النجاح في نابلس، بالإضافة إلى طاقم الأساتذة والمهنيين فيها، تقديرًا لهم على انجازه الطبي الأول في فلسطين والرابع على مستوى العالم العربي.

وعن هذا الإنجاز، استضاف الزميل غسان بصول البروفيسور سليم حاج يحيى، في مكاتب بُـكرا، وتحدثا عن الكثير من الأمور الطبية والانجاز الذي أبهر وأذهل طاقم مستشفى " هداسا" في القدس، حيث لخص لنا ردود فعلهم له بكلمة " سبقتونا"..!

الانجاز وطني.. ولولا دعم أهل الخيّر لما تمّ

وصف البروفيسور، حاج يحيى، هذا الإنجاز بالوطني الفلسطيني، من الدرجة الأولى، وليس فقط انجاز شخصي، مُشيرًا إلى أنه ثمرة لجهود مشتركة، أولاً في بناء صرحٍ طبي وعلمي، في المستشفى الجامعي وكلية الطب وعلوم الصحة.

وأكد بروفيسور حاج يحيى، أنه من أجل الوصول إلى هذه لانجاز المهم، تكاتفت الكثير من الأيدي الخيرّة من فلسطين الداخل والشتات، ومن العالم العربي والإسلامي، وخص بالذكر دول الخليج ولجنة الزكاة في نابلس ولجنة الوقف الخيري، وعلى رأسهم الحج عدلي يعيش والحج عبد الرحيم الحنبلي، بالإضافة إلى جهود جامعة النجاح، والدكتور رامي الحمد لله، رئيس الحكومة الذي له بصمات مهمة في بناء هذا الصرح الطبي والعلمي، الذي بدونهم لم يكن إمكانية لإتمام هذا الإنجاز، الذي يحتاج إلى التحدي والدقة، والذي قمنا بإنجازه كفريق طبي.

رغم كل التضييقات علينا كشعب لدينا كفاءات بشرية ناجحة...

وردًا على سؤالنا حول الكوادر الفلسطينية، أجاب أنها من بين الأفضل في العالم، وخاصة الفلسطينيين المتواجدين في الشتات، بين الدول الأوروبية والأمريكية، فكل ما ينقصنا هو الاستثمار بهذه الكفاءات والمهارات البشرية، والاعتماد عليها، إنه من السهل بناء المستشفيات، لكن ليس من السهل استقطاب هذه الكوادر، التي لولاها لما كنا سمعنا عن أي انجاز، وخاصة ما عملنا على تحقيقه.
وأكد مجددًا أن العامل البشري هو العنصر الهام والحيوي في كل مشروع، وخاصة الذي فيه تطور علمي وانجاز كبير وعظيم، وأن العنصر البشري في فلسطين لفخرٍ كبيرٍ لنا، لدينا أحسن الكفاءات الفلسطينية على مستوى العالم، وفي مجالات عدة، وليس فقط على المستوى الطبي، وهو أكثر شيء نمتاز به مقارنة بدول العالم.

واستشهد في حديثه إلى عملية قام بإجرائها قبل نحو 10 سنوات، التي وصفها بالمُعقدة، حيث أجريت في أعرق مستشفيات لندن، وكان هو الجراح الذي ترأس الطاقم المكوّن من 20 عضوًا، كانوا من جنسيات عربية مختلفة ومن جنسيات أجنبية مسلمة، مؤكدًا، الوحيد الذي كان إنجليزي هو المريض.

هذا الأمر، جعلني أفكر أكثر أننا نملك كفاءات عربية، بإمكانها القيام بأهم الانجازات الطبية، في أكبر مستشفيات لندن.

مُشيرًا، المشكلة ليست فينا، بل هي المؤسسات الحكومية، الدول والأنظمة. قناعتي هي أننا الأفضل على مستوى العالم، وهذه واحدة من الأمور التي أربي فيها طلابي " آمنوا بأنفسكم".

الطاقم الطبي فلسطيني 100%.. والعملية هي الأولى من نوعها في فلسطين

وعن الطاقم الطبي في النجاح، أشار، أنه فلسطيني 100%، وجميع الأطباء المشاركين تدربوا خلال فترة قصيرة نسبيًا، وتحت أصعب الظروف، من أجل إنجاز هذه العملية، وهذا ما منح العملية لذّة النجاح، أنها أنجزتْ تحت أقهر الظروف، التي لا تشبه أي مستشفى آخر أجريت فيه، كل المعدات متوفرة ومتواجدة، لكنه في مستشفى النجاح، دخل إلى أدق التفاصيل (" طعم الانجاز في فلسطين له رونق ونكهة خاصة وتختلف طعمة الانجاز في أي بلد ثانٍ")- كما قال.

أول علمية قلب في الكويت.. والأبحاث في الدول العربية تصل إلى 0%

أجرى بروفيسور سليم حاج يحيى، أربع عمليات زراعة قلب اصطناعي، في أربع دولة عربية، الأولى في الكويت، والأولى في سلطنة عُمان، حيث تم تكريمه من قبل السُلطان قابوس وابنة عمه، وفي لبنان، حيث تم تكريمه أيضًا من قبل الجامعة الأمريكية، وفي فلسطين حيث كرمه طلابه في جامعة النجاح.

وعن استثمار الأموال لدعم الأبحاث العلمية والطبية، قال: البحث العلمي في الدول العربية، جدًا ضعيف، وإذا قارنا ذلك مع إسرائيل، فهي تستثمر نحو (3.5%) من ميزانياتها للبحث العلمي، بالمقابل، بعض الدول العربية خصصت ما يقارب (1%) من ميزانياتها، وأخرى تصل نسبة الاستثمار إلى نحو (0%).

وتابع: لكن يجب النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، اليوم يوجد وعي في الخليج لأهمية البحث العلمي، إذ يعملوا على استقطاب طاقات عربية وأجنبية من أجل تطوير البنية التحتية للبحث العلمي.

فمن خلال منصبي عميدًا لكلية الطب في جامعة النجاح، ركزت عليها بداية طريقي في أعمال كلية الطب وعلوم الصحة في الجامعة، وهي نقل كلية الطب نقلة نوعية من تعليم طلاب طب، إلى كلية تقدم البحث العلمي، لأنه عن طريق البحث العلمي تكون سباق في الانجاز.

توفير طواقم وموارد لدعم الانجازات

وفي سياق الحديث عن توفير طواقم وموارد لدعم الانجازات، قال: يجب صقل شخصية الأطباء والطلاب على طبيعة البحث العلمي وأهميته، والتركيز على مسألة أن الطبيب، حتى يكون مميزًا وناجحًا عليه النجاح في الطب السريري، وثانيًا يكون لديه مزايا بحثية أكاديمية، وخاصة مع إدخال التكنولوجيا وربطها مع الطب.

القلب الاصطناعي..

ووضح البروفيسور حاج يحيى، خلال اللقاء، بشكل مبسط، عن عمل القلب الاصطناعي، واصفًا إياه، بالمضخة الذكية، التي تضخ الدم بطريقة مختلفة كليًا عن القلب الطبيعي، وهو مبني من مادة التيتانيوم، فيها مجال مغناطيسي تحتوي على مروحة تشبه المروحة الخاصة بالطائرة، التي تدور بسرعة هائلة نحو (10) آلاف دورة في الدقيقة، والتي عن طريقها يتم ضخ الدم للقلب، مشيرًا إلى أن القلب الاصطناعي هو صناعة أمريكية، وكان شريكًا في تطويره قبل 10 سنوات في تطبيقه علميًا، وفحصه وملاءمته لبشرة الإنسان، وتطبيقها على الإنسان.

المريض صاحب القلب الاصطناعي.. شكل من أشكال الشتات الفلسطيني. 

وعن الانجاز الطبي الذي نفتخر به كفلسطينيين، قال: الهدف منه، ليس فقط الانجاز، وليس فقط السبق العلمي أو الصحافي، إنما الهدف منه إنقاذ حياة مريض. لقد كان في انتظار عملية القلب الاصطناعي مريضين اثنين، (17,16) المريض (17) عامًا توفيّ قبل تجهيز العلمية والتحضير لها للأسف.

وأكد مجددًا، الطب في الأول هو الإنسانية، احترام الإنسان، والإنسانية في الطب، ومن ثم يأتي الإنجاز، يجب النظر إلى الطب من الجانب الروحاني وليس من الجانب المادي، فإذا كنت طبيبًا ناجحًا، ( " المال بركض وراك")، لا يجب على الطبيب السعي وراء الماديات، يجب الفصل بين الطب والمادة، بالإضافة إلى أهمية تواضع الطبيب في التعامل مع المريض، مشبهًا المريض بالشمس والبقية يدورون من حوله.
ردود أفعال من خبراء إسرائيليين حول نجاح العملية.. " حكولنا سبقتونا"... وتابع: " هذا كان أروع ما سمعته، من بروفيسور ومن إسرائيل".
وأكد: " أنا على معرفة ودراية، أننا نسبقهم، طبيًا، لكن ما كان ينقص، هو اعترافهم هم بذلك، فعلى الرغم من كل التسهيلات والموارد المتوفرة لهم والدعم، لدينا خبرة تسبقهم، وبإمكاننا أكثر، لولا التسهيلات وتوفر الموارد".

فلو قارنا مثلاً حالنا مع قسم جراحة القلب في هداسا، أكثر من 70% من العمليات المعقدة، التي نجريها مستشفى نابلس نجريها بالمثل كما نجريها في لندن، أو نيويورك، وهذا ما لا يتم إجراؤه في إسرائيل.

مفصلاً: عملية القلب الاصطناعي، لا يتم إجراؤها في إسرائيل، عمليات ثقب المفتاح كذلك، وعمليات تمزق الشريان الأبهر أيضًا، وهذه حقيقة علمية ولا يمكن أن يتجادل بها، نحن في بلد تحت الاحتلال، ومستشفى هداسا عمره 100 عام، ونحن عمرنا سنتين، أنجزنا كل هذا الانجاز، والسبب لا يعود فقط لوجود جراحٍ بارع، إنما السبب هو تكاتف الأيدي في هذه المؤسسة، من الكوادر الطبية، والأيادي الخيّرة والداعمين، الذين بدعمهم عملنا وأنجزنا المستحيل.

عن صحة الشاب الذي أجريت له عملية الزرع

وعن صحة الشاب الذي أجريت له العملية، قال: أنه يتأكد دائمًا على صحته، وهي رائعة، حيث بدأ بممارسة الرياضة، وهو من سكان بيت لحم، ومواليد الخليل وهو من مهجري قرية قضاء اللد،- حتى المريض هو شكل من أشكال الشتات الفلسطيني.

رد فعل الطلاب وتكريمه

واحتفاءً في هذا الإنجاز، قام نحو 4000 طالب وطالبة، بالاحتفاء وتكريم بروفيسور سليم حاج يحيى، على هذا الانجاز العلمي، الذي اعتبره ونعتبره نحن أيضًا فخرًا علميًا ووطنيًا، داخل مبنى كلية الطب، التي لم تتسع لأكثر من (2000) طالب قاموا باستقباله، وغمروه بحبهم وتقديرهم له، وعلق بروفيسور حاج يحيى أن هذا التكريم فقط يزيده فقط إصرارًا على السعي أكثر نحو العلم.

كما وأشاد بروفيسور حاج يحيى بطلاب الجامعة، وخاصة طلاب كلية الطب وعلوم الصحة، من بين الأفضل في العالم، وذلك من تجربته في التدريس والتعامل مع طلاب الجامعات الأوروبية، فحسب قوله، الطلاب الفلسطينيون، هم من الأكثر ذكاءً وجدارة وكفاءة من أي طالب أوروبي يعرفه.

واختتم حديثه: انحني احترامًا إلى أهلهم، فرغم حياتهم القاسية، والظروف القاهرة التي يعيشها معظم الفلسطينيين، وخاصة المادية إلا أنهم يرون واجبًا في تعليم أبنائهم، حبهم لأولادهم يدفعهم للوصول إلى النجاح وتحقيق المزيد من الإنجازات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]