تشكل صناعة الأحذية في الخليل، واحدة من أهم الروافد الاقتصادية لمدينة شكلت على الدوام رافعة للاقتصاد الوطني الذي يجهد في مجابهة "عولمة" وسطوة السوق، وأكثر من ذلك، التبعية لدولة محتلة تقبض على مفاصل الحياة الفلسطينية في كل مجالاتها، لا سيما الاقتصادية منها والسياسية.

ولعل ورش صناعة الأحذية التقليدية واليدوية، وكذلك المصانع الكبرى المنتشرة في أحياء مدينة الخليل، تواصل انتاج بضاعة "ذائعة الصيت" بمواصفات عالمية، رغم إغراق التجار للأسواق بالأحذية الصينية ذات المواصفات المتدنية والأسعار المغرية.. في خطوة تحمل مخاطر حقيقية تفضي الى القضاء على صناعة، كانت ولا زالت، تحتل موقع الصناعة الأولى في الخليل.

كما وتجابه هذه الصناعة، بفعل عوامل مختلفة وظروف موضوعية قائمة، استغلال التجار الاسرائيليين الذين يقدرون جودة هذه الصناعة..

الحج عبد السميع أبو رموز(54عاما) صاحب ورشة لتصنيع الأحذية، يعمل في هذه الصناعة منذ كان طفلاً لم يتجاوز 12 عاماً، شرح التطورات التي مرت على صناعة الأحذية بالخليل، مؤكدا على أن هذه الصناعة كانت قديما تتم بشكل يدوي، غير ان تطورات تكنولوجية هائلة دخلت على هذه الصناعة، مستمدة من الدول المتقدمة، وقال: هذه الصناعة المحلية تأخرت كثيرا عن السابق من حيث الإنتاج، ومن الصعب أن تعود كما كانت، وان استمراريتها "على المحك" ومرهونة بالدعم والمساندة من الجهات المختصة، عبر اقرار وتفعيل سلسلة من القوانين التي تشكل حماية للصناعة الوطنية.

الإنتاج انخفض إلى الثلث

وأضاف "ننتج بالأسبوع حاليا 30 زوجا، أما في السابق فقد كنا ننتج اكثر من 100 زوج من الأحذية.. وكانت المرابح خيالية ".

وكانت المواد الخام، بحسب ابو رموز، في سنوات بعيدة مضت، تستورد من العراق، والأردن، وسوريا، بالإضافة إلى الجلود المحلية التي كانت تصنع من جلود الحيوانات كالأغنام والأبقار بعد مرورها على مصانع قائمة على دباغة الجلود.

وتابع "أنا لم أورث هذه المهنة عن أجدادي.. لكنني امتهنتها لعشقي لها، وقمت بتوريثها لأولادي، وهذه الصناعة كانت مهمة قديما وكانت ممتازة من ناحية مادية وراتبها أفضل من راتب المهندس والطبيب، ولكن اليوم تغيرت الأحوال.."، محملا اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة بين السلطة الوطنية واسرائيل، والاستيراد غير المقنن، المسؤولية عن ما حل بصناعة الأحذية في مدينة الخليل وفلسطين من تراجع ومخاطر تنذر باندثارها".

ويؤكد أبو رموز على أن إنهاء البطالة في المدينة مرهون بإيقاف استيراد الأحذية.. مبينا أن مشغله كان ينتج 25 طقما وكل طقم ينتج حوالي 300 زوج من الأحذية، وكان يعمل بمشغله حوالي 40 عاملا، أما الآن فهو يعمل بخمسة عمال هم من أبنائه وأقاربه.

وأشار الى ان مشغله الآن يعمل لصالح تاجر يهودي وفقا للطلبية ونوعها وموديلها، مبينا أن الحذاء الخليلي يضاهي الحذاء الايطالي من حيث الجودة والمتانة، وقال: نحن نضع على المنتج اسم الشركة وصناعة الخليل، والتاجر يضع اسمه على المنتج، فالاسم هو الذي يسوق المنتج ويبيعه على أساس "صنع بإسرائيل" بسعر عال.

أبو رموز يشرع طريقة تصنيع الأحذية

من جانبه، شرح دياب عبد السميع أبو رموز، كيف يتم تصنيع الحذاء من البداية حتى النهاية ، وقال: نستورد الخام من إسرائيل التي تستورد بعض المواد من ايطاليا، ويتم التصنيع هنا من الألف إلى الياء، حيث يتم العمل بعدة مراحل أولها التفصيل، ثم التنبيت ، والسحب، وأخيرا اضافة اللمسات الأخيرة على الحذاء أو ما يسمى "بالتفنيش" ووضعها بصناديق التصدير، مشيرا الى أن هناك مصمما في المشغل يعمل على تصميم أي شكل مطلوب، فيما تؤخذ بعض التصاميم عن موديلات ايطالية عبر "النت"، مع التركيز على موديلين أو ثلاثة حسب الموسم والطلب.

واعتبر أن سنة ألفين كانت السنة الذهبية لصناعة الأحذية الخليلية، وان عام 2001 كان بداية هذا التراجع حتى وصلت إلى هذا الحد من التدهور، حيث تشهد هذه الصناعة في الوقت الراهن أسوأ أيامها لأسباب تتعلق بارتفاع سعر التكلفة، وإغراق الاسواق بالأحذية الصينية وغيرها. مبينا أن الصناعة المحلية لا تستطيع منافسة المستورد الذي يباع ب 30 شيكلا في حين تكلفة إنتاج المحلي 70 شيكلا.

وأوضح أن التاجر الإسرائيلي يستورد الحذاء الخليلي بثمن 100 شيقل للزوج الواحد، ويبيعه بـ 350 إلى 400 شيقلا في الأسواق الإسرائيلية.

وشدد أبو رموز على أنه في حال تم إيقاف استيراد الأحذية من الصين، فان المشاغل والمصانع المحلية تستطيع سد حاجة السوق.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]