لقد تعِبنا الصّيف الماضي من التنقّل من عُرسٍ لآخر كالرّحالة خلال موسم الأعراس... كما تعِبَت أيدينا من التصفيق الحار... انهارت أقدامنا من كثرة الرّقص على إيقاعات الموسيقى الصاخبة، واليوم نَجِد أنفسنا نرقصُ رقصًا آليًّا، دون أي جهدٍ يُذكَر... فكل العبء يقع على السيّارة، وبدأت أجسادنا تتمايل معها كالسكارى يُمنى ويُسرى خلال قيادتنا لها!!

اعتقدنا أن هزّة أرضيّة خفيفة ضربت المدينة، فتبيّن لنا أنها المطبّات والحُفَر المنتشرة في كل زقاقٍ ومقطع شارعٍ، بسبب قيام مقاولي البلديّة بعمليات صيانة للبنية التحتيّة دون إعادة تعبيد الشارع فورًا، يبدو أنها تريد خَلق بيئة عمليّة على مدار السّنة، هكذا أصبحت سياراتنا تتراقص يوميًّا على الاهتزازات البلديّة، حتّى تزعزعت هياكلها... وتمزّقت إطاراتها... ترنّح مجال رؤية السائقين.

أعمال الترميم التي يقوم بها مقاولو البلدية في الأحياء، حوّلت قسمًا من الشوارع الرّئيسيّة والفرعيّة إلى طُرُقات وعريّة للأسف الشّديد، غطّت السيّارات بالغُبار والأوساخ، كأنّنا نعيش في منطقة رمليّة، فلم يبقَ أمامنا سوى أن نشتري مجنزرات عسكريّة نسير بها في فوق الشّوارع، لنتفادى أي أذى جسيم يحصل في أجهزة السيّارات! إدارة البلدية لم يعُد يهمها معاناة النّاس، لدرجة أنّهم يتجنّبون السّير على الأقدام... كما لا تأبه للمعاقين إذا تعثّروا ووقعوا أرضًا، أو تضرّروا جسديًا، فإدارة البلديّة تُخلي نفسها من أي مسئوليّة!!

التغيير الوحيد الذي بدأنا نشعُر به هو في السيّارة التي نقودها، فإنّها ستتحوّل قريبًا إلى خردة حديديّة، قِطَعها الدّاخليّة البلاستيكيّة تكاد أن تتفكّك، تحتاج لصيانة دائمة، كُلّما تسير بضعة أمتار، تصادفُ تلةٍ صغيرة أو حُفرة صغيرة أو كبيرة، نسمع صريرًا داخليًّا وزقزقة غريبة، نخال وجود عصفورٍ عالقٍ داخل السيّارة، يعني أصبحت الشوارع "منطقة منكوبة مغلقة".

يجب ألاّ ننسى أن بعض هذه الشوارع سُمّيَت على أسماء شخصيّات تاريخيّة، كان لها في الماضي فضل كبير في بناء مدينة شفاعمرو المتحضّرة والمتطوّرة، دونًا عن كل البلاد، ومع إبقاء الشّوارع بهذا المنظر الكارثي، فهذا لا يليق أبدًا بتاريخ هذه الأسماء، وبصراحة يضُر باسم هذه المدينة، كما يُعيق باستمرارية تحديث بُنيتها المتآكلة منذُ عُقود من الزّمن.

في بعض شوارع الأحياء نسمع عن سائق سيّارة خلال سيره "بأمان" على الشّارع، وقع دولاب سيّارته في جورة مفتوحة، فتضرّرت ضررًا كبيرًا، ويستغيث هذا السّائق بالمسئولين في البلديّة، وهنا تدخُل ليس عملية إنقاذ السيّارة، بل تدخُل عملية البيروقراطيّة المقيتة، فكل مسئولٍ يجلس في مكتبه، يرفُض الرّد على استغاثة المواطن، إذًا عملية إنقاذ السيارة "كارثةً طبيعيّةً" وليس إهمالاً بلديًّا! وعَلِق المواطن بين مطرقة "الإدارة السّليمة" وسندان التقاعس، فجعلت السيّارات تتراقص على الشوارع، والسّائق تتراقص أعصابه المتوتّرة، متحسّرًا لاقتنائه السيارة!!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]