على موائد الإفطار الرمضانية يجلس أهالي المعتقلين السياسيين في سجون السلطة الفلسطينية، يحدقون النظر ببعضهم، ويتساءلون على ماذا يفطر أبناؤهم في سجون الأجهزة الأمنية؟.

وعلاوة على ذلك، فقد خلت حلقات السمر من والد الأسرة أو معيلها، كما أن الزوجات والأولاد لم يحفلوا بسعادة الشهر وعدم مشاطرة آبائهم لهم لكافة جوانب الحياة الرمضانية من طعام وشراب وتسوق وزينه.

ومع استمرار أجهزة أمن الضفة في انتزاع السعادة من قلوب الصغار، فهي لا تزال تزرع الحزن والبؤس في قلوب الكبار، بالتوازي مع استمرار الاحتلال باعتقال آلاف المواطنين وحرمانهم لسنوات طوال.

وتعتقل الأجهزة الأمنية في سجونها 40 معتقلا سياسياً في جميع محافظات الضفة الغربية، جميعهم اعتقلوا على خلفية مقاومة الاحتلال والانتماء لتنظيمات فلسطينية، وذلك بحسب بيان لجنة أهالي المعتقلين السياسيين.

ولا يزال يقبع في سجون السلطة معتقلون مضى على اعتقالهم تسعة أعوام مثل أمين القوقا وجاد حميدان وكلاهما من مدينة نابلس، والمعتقل صالح ربيع من مدينة رام الله.

على طاولة الإفطار

في بلدة سلواد شرق رام الله، تجلس والدة المعتقل لدى جهاز الأمن الوقائي معاذ حامد 27 عاما على طاولة الإفطار تستذكر نجلها الذي غاب عنها في اليوم الرابع من رمضان الماضي.

وبهمس تقول حامد: "معاذ عند السلطة محبوس، ونعمان الأصغر في الإداري عند اليهود، لا أولاد ذكور عندي سواهم، رمضان هذه السنة أصوم وأفطر بدونهم".

وتضيف حامد لوكالة "صفا" "اليهود أعداؤنا وكل العالم يعلم أنهم من احتلونا، وكل الشعب الفلسطيني دخل سجونهم، لكن لماذا تعتقل السلطة ابني معاذ، مع أننا أبناء دين واحد ونعيش مع بعضنا؟".

ومع أن الاحتلال فجر منزل أسرة حامد في شهر آذار الماضي، فهي لا تزال تصر على أن الاحتلال هو العدو الأوحد للشعب الفلسطيني، وأن وحدة هذا الشعب لا تتحقق إلا بإطلاق سراح المعتقلين لدى الأجهزة وأن يلتم الشمل الفلسطيني على قضيته الواحدة.

لكن حامد تقول إنها تحس بغصة كلما اقتربت ساعة الإفطار والالتفاف حول المائدة، حين تلتفت من حولها ولم تجد أبنائها يشاطرونها جلسة الإفطار.

ولم تعد حامد تقوى على التقاط الكلمات لشدة حزنها على فراق أبنائها سوى قولها: "دعائي في هذا الشهر الله يرضى عليكم يا أولادي وترجعه سالمين غانمين".

حرمان

تختلف حكايات أهالي المعتقلين السياسيين عن بعضها، لكنها تتفق على الحرمان الذي حرم العائلات فلذات أكبادها، وألقى بها بين جدران الزنازين.

المعتقل أحمد الشبراوي (30 عاما) من بلدة سلواد، ذاق أصناف الحرمان في سجنه، فيما ذاقته أسرته الصغيرة من الخارج، ووقفت بلا معيل أمام احتياجات شهر رمضان، وكأن الشهر بعيد عنها.

ويقول همام شقيق الشبراوي لوكالة "صفا" إن جهاز الوقائي الذي يعتقل أحمد في مقره الرئيس منذ عام كامل، لا يزال يحرمنا من زيارته، وينغص علينا في كل مرة نتوجه فيها للزيارة، متذرعا بأن زيارته تحتاج إلى تنسيق مع الاحتلال، حتى وهو معتقل عندهم".

ويضيف أن زوجته وطفليه لم يذوقوا طعم السعادة منذ اعتقاله، حتى أن الأيام الرمضانية تمر كالأيام العادية أو أشد قصوة لضيق حال أسرته التي بقيت بلا معيل، لأن المعمل الذي كان ُيشغّله أحمد توقف بالكامل، وصرت أنفق على والدي وأسرتي وأسرة أحمد".

وبكل آسى يقول همام: "إن حياتنا أشبه ما تكون بالنحت في الصخور لغياب أحمد والفراغ الذي أوجده في البيت وضيق العيش الذي حل بحالنا، عدا عن مقارعة الوقائي لنا عند ذهابنا لرؤيته، كما أنه لا يحظى بالمعاملة الحسنة في سجنه".

ويطلق همام صرخة يدعو فيها الأجهزة الأمنية إلى الإفراج عن شقيقه وكافة المعتقلين السياسيين، لما يحل من مصائب لأهالي المعتقلين وخصوصاً في شهر رمضان، كما لو أنهم عاشوا أيتاماً بلا آباء.

ويدعو أبناء الشعب الفلسطيني إلى الوقوف عند معاناة المعتقلين وأهاليهم وعدم تركهم فريسة لأجهزة أمنية لا تعرف الرحمة والرأفة بالأطفال والنساء، وتركهم يجابهون الهموم والأحزان، في أيام أحوج ما يكون فيه بين أسرهم وفي أحضان عائلاتهم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]