الكذبة الذّاتيّة التي تعيشها أغلبيّة الإسرائيليين، تمكِّنهم من أن يختلقوا لأنفسهم حُجّة عقيمة وباطلة، على أساس هذا الواقع الخيالي الذي الذي بنوه لأنفسهم. بالاعتماد على هذه الكذبة، فإن إسرائيل تسيطر على مواطنيها فقط، وأغلبيتهم يهود طبعا، بينما ملايين رعاياها الآخرين الذين يعيشون تحت سيطرتها على الأقل، كباقي مواطنيها وربما أكثر، لا أحد يدخلهم في عداده، هباء هم.

يمكن أن نتناقش بهدوء وبأسلوب حضاري فقط، فيما إذا كانت إسرائيل حقا دولة يهوديّة وديمقراطيّة، هذا نقاش ممتع وحضاري لكن تعترضه مشكلة واحدة: إنه منذ زمن طويل لم يعُد موضوعيّتا. دولة نصف رعاياها ليسوا من اليهود، لا يمكن أن تكون يهوديّة. وإذا كانت مُصمّمة على أن تكون يهوديّة فلن تكون ديمقراطيّة. دولة نصف رعاياها تقريبا محرومون من حقوقهم لا يمكن أن تكون ديمقراطيّة. دولة لا تنوي تغيير حدود سيطرتها أو طَابِع نظامها، لذلك مُجرّد النقاش جزء من احتيال كبير للإبقاء على هذا الوضع والإحساس بعدم وجوده وإلى الأبد.

يعيش تحت سيطرة إسرائيل شعبان متساويان بالعدد، حوالي 6.3 مليون يهودي. وحوالي 6.3 مليون عربي.النصف بالنصف. هذه نتيجة 50 سنة لدولة ذات قوميتين، ليست يهودية ولا ديمقراطيّة. 1.8 مليون من مواطنيها العرب، أضف إليهم 2.7 مليون من رعاياها الفلسطينيين يعيشون تحت سيطرتها المباشرة في الضفة الغربيّة، وحوالي 1.8 مليون من السكان يعيشون تحت سيطرتها غير المباشرة في قطاع غزّة. مصير هؤلاء الرعايا، بدءا من تسجيل ميلادهم وحتى العُمْلة المُتداولة في ألويتهم، بما في ذلك أغلبية حقوقهم تقررها إسرائيل، هم جزء من الدولة.

تحاول إسرائيل التنصل من رعاياها الفلسطينيين، ولكن عندما يكون مريحا لها تغزو بيوتهم ليلا، وأحيانا تدّعي أنهم ليسوا تحت سيطرتها. لا يمكن الإمساك بالعصا من طرفيها، ولا يمكن الادعاء أن الفلسطينيين ليسوا جزءا لا يتجزأ من إسرائيل الكبرى، مُحْتَلّون ومسلوبو الحقوق، لكنهم جزء لا يتجزأ، مُجرد أن هذا الواقع قد فُرِض عليهم بالقوِة العسكرية، وأنّهم ليسوا جزءا من الديمقراطيّة الجزئيّة في إسرائيل، لا تجعلهم غير تابعين. المستوطنون اليهود في الأراضي المُحْتلّة جزء من دولة إسرائيل، وجيرانهم الفلسطينيون لا؟ لا يمكن ذلك، هكذا أرادت إسرائيل، وهكذا أرادت حكوماتها، وأغلبيّة سكانها.

عندما يتباهى غادي طاوب*ويدّعي أن إسرائيل يهوديّة وديمقراطيّة ("هآرتس" 8/24 ) ينطلق بادعائه من أن العرب "أقليّة" وأن دولتهم المستنيرة تعاملهم بموجب ميثاق الاتحاد الأوروبي لحماية الأقليّات، قد يبدو ذلك جميلا، لكنه لا يمتّ للحقيقة أو الواقع.

أقليّات؟ 5.5 من الشعب السويدي يعيشون في فنلندا، 10% مسلمون في فرنسا أو 450 الفا من الأبروجينيليزيين ** -- هؤلاء يُعْتبرون أقليّة. لكن نصف السكان لا يُعْتبر "أقليّة". يُعتبر العرب أقليّة على أساس العرض المزوّر الذي يتجاهل حقيقة وجود أغلبيتهم. كمشاهدة عرض تلفزيوني يقيس راحة اليهود من خلال زيارة بيوت المسنين. طاوب يُحْصي جزءا صغيرا من الأقليّة لأن هذا مريح له، الفلسطينيون ليسوا أقليّة، هم نصف السكان، ليسوا مهاجرين جُدُدا، إنما أبناء البلاد.

تعُدّهُم تصفيا غرينفيلد كما يعُدُّهم طاوب، وهكذا يمكنها أن تشدو بأغنية لليهوديّة - الديمقراطية ("هآرتس" 12.8)، واستطاع روني شوكن أن يوضّح بواسطة استعراض مضامين الدولة كما هي، أنها ليست يهوديّة، ولا ديمقراطيّة (هآرتس 19.8).
في حمى الحديث عن حلّ الدولتين، وعشيّة زحزحة النقاش عن القضية الأساسّية -- الحقوق في الدولة ذات القوميتين والذي جرى منذ زمن – كان يجب الامتناع عن الحديث عن الفلسطينيين كأقليّة. مَنْ كان يريدهم أقليّة كان يجب أن ينسحب من الأراضي المحتلّة، والامتناع عن الحديث عن أغلبيّة يهوديّة. لا يمكن حلّ ما هو مستحيل، حتى مع ألف مقال يجمِّلنا عن هذه اليهوديّة الديمقراطيّة.

----------------------------------------------------
*- كاتب ومحاضر إسرائيلي – المترجم
** السكان الأصليون في استراليا

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]