ليس أسهل في أيامنا من تحميل الجريمة مفرداتها التي تكفي لوحدها للخروج بأية نتيجة تريد، خلال دقائق، ولأن المسألة لا تخضع لأية تحقيقا أو غوص في العمق، ولأن شبكات التواصل جاهزة لنقل أي كلمة، فلا تحتاج أكثر من "دشداشة" و"لحية طويلة" لشخص قادم من "دولة قريبة"، ليصبح الموت على قد الحال، ليس ملطخا بالدماء فحسب، بل بكل أنواع الكلام الذي أصبح مؤخراً لا يحتاج إلى أكثر من بعض مصطلحات جاهزة من قاموس بُنِيَ بعناية فائقة لا يحتاج إلى طول تفكير وعناية بحث، ما زال المعني يرتدي "دشداشة" وله"لحية طويلة" وقدم من بلد مجاور.

اعترف أولا ورغم متابعتي المضنية للعالم العربي في السنوات الأخيرة، الواسعة والعميقة، أنني سمعت لأول مرة بإسم ناهض حتر قبل أيام، في يوم إغتياله، ولا أدري أن كانت المسألة نابعة من قلة دراية وقراءة أو من عقم ثقافي، لكن سأعترف أيضا إني لم أندم ، رغم توصيف البعض بأنه "مفكر عميق" ومميز" ،أما توصيفه ب "شهيد الكلمة والموقف"،فهذه مسألة سأتركها لأصحابها ولله في خلقه شؤون.

سأختار العودة مرة أخرى لذات "الدشداشة " و "اللحية" التي إختار الإعلام أن يختار من قاموسه لوصف الرجل الذي إغتال حتر،وبكونه قادم من "دولة مجاورة" ، ويكون حتر من أنصار النظام السوري ، فإن المسألة تتخذ سياقا مختلفا، مع الهمز والرمز في ذكر هويته الدينية وبأنه نصراني، فإن حالة القتل تصبح على خلفية مختلفة للغاية، وليس على رسم كاريكاتير يمس بالذات الإلهية، وتدخل مسألة المس بالذات الإلهية تقف مقابل الممانعة والمحور الأمريكي، تضيع المسألة في سياق مقايضة كاذبة ،وتختفي من التفاصيل مثلاً فاشية حتر وموقفه من الفلسطينيين في الأردن، بالضبط كما اختفى حصار غزة من حسابات نظام السيسي في مصر، ومثله جرائم وإبادة النظام السوري لمخيم اليرموك.

السهولة في إستعمال مصطلحات

فما زالت داعش حاضرة ، وصارت جحافلها "في كل مكان"، فالمسألة لا تحتاج الى أكثر من "دشداشة" و"لحية" و"دولة مجاورة" لتصبح كل الأشياء الأخرى هامشية، تحقير الذات الإلهية التي صارت جزء من منظومة "حق التعبير"وحرق حلب بقنابل روسية الصنع والفعل، وتشريد ثلث دولة، والتجويع والحصار ، كل هذه تسقط عندما تحضر "لحية"و"دشداشة" ، هي بالضبط مثل الأشرطة الدموية التي يتخللها حفل من الذبح والإبادة التي يتداولها الناس عبر شبكات التواصل.

لن أدخل في أفلام الدعدعشة التي لها وظيفة واحدة تبرير حجم الجريمة التي يرتكبها نظام الموت بالشراكة مع روسيا وأمريكا وإيران وحزب الله، ولكن مرة واحدة بودي أن أعرف ،هل موت الشعب السوري وإبادته وتشريده هي مسألة غير مهمة إلى هذا الحد، عندما يكون بفعل النظام ومن حوله ومعه؟، وهل لا يستحق الشعب السوري الذي يموت بقنابل إبادة روسية بيان شجب وإستنكار وتنديد وتحذير كما حتر؟

هذا سؤال أخلاقي في الدرجة الاولى، لا يمكن الهروب منه حتى لو تم استعمال كل مصطلحات التدعيش والمقاومة والممانعة ، وهو بالضبط مثل إهانة الذات الإلهية وهو أمر لا يخص"الإخوانجية الداعشية "،كما يصف البعض الحالة بخبث وتضليل وكذب.

ثم نريد أن نعرف وبوضوح وبدون تحايل على الحالة، هل إهانة الذات الإلهية تقع ضمن "حرية التعبير عن الرأي"؟

وهل يعتقد من يختبئ خلف المصلحات أنه بالإمكان فعل ذلك دون أن يكون ملزما بتفسير ذلك ،لأن الناس لم "يفهموا" مقصود حتر ؟

لماذا عندنا لا يفهم الناس المقصود، مع أنه كان واضح لملايين ولم يفهموه ويفسروه إلا في سياق "إهانة الذات الالهية"؟

نؤكد أن القتل مرفوض، ولكن أيضا لن نسمح بإهانة والمس بأي رمز مقدس، فكيف إذا كان الأمر يخص المولى عز وجل؟

من يريد أن يحبس الحالة ب"دشداشة" و"لحية"بإمكانه أن يفعل ذلك، من يعتقد أنه بايت استحضار مصطلحات من قاموس بني بعناية فائقة يرميها في وجوهنا في كل مرة أيضا بإمكانه أن يفعل، من يرغب بالإستمرار بالإختباء خلف "مقاطع "مؤثرة إجرامية لداعش فلن نمنعه، حتى وإن صفق للطيارين الروس وهم يدمرون بلاده بعد شرب كأس من الفوتكا ، بالشراكة مع داعش، فليصفق .

لكن في ذات الوقت حتى وإن بدت الأمور بالنسبة له هامشية وبسيطة ،مثل تحقير الذات الإلهية،لأنها لا تعتبر بالنسبة له هامة، بالنسبة لنا من لا يهمه تحقير الذات الإلهية، فلن يهمه حرق حلب، ولا ذبح الأبرياء بالسكين، ولا طيار روسي يحرق بلاده ويصفق له.

بالنسبة لنا الأمر واضح للغاية، المقاوم والمناضل الحقيقي لا يقف إلى جانب من يحقر الذات الإلهية، بالنسبة لنا الله أولا وقبل كل شئ، هذه مسألة قد لا تكون واضحة ومفهومه بالنسبة لهؤلاء،

فهل يترك الإنسان مولاه؟، الله مولانا ولا مولى غيره لنا، وهذه الأخيرة عقيدة وسياسة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]