إعتاد أهل بلدي الشفاعمريين الخيرين أن يرددوا عبارة "بلدنا بعدها بألف خير"، لدى سماعهم أو تناقلهم خبر وقوع حادث عنف في احدى القرى، أو جريمة قتل في احدى المدن العربية بالطبع. يقولون ويرددون هذه العبارة دون أن يهتموا فعلا بسبر أغوار انتشار العنف وتغلغله داخل مجتمعنا العربي، بما فيه الشفاعمري، وذلك لأن شفاعمرو ما زالت تنعم بهدوء وأمن أكثر من غيرها من البلدات، وربما كان هذا أحد الأسباب التي جلبت الينا الهجرة الكبيرة من البلدات العربية المجاورة.

لكن لو تمعنا التفكير وراجعنا ما يجري في شفاعمرو بتعمق بسيط، لأدركنا أن ترديدنا لتلك العبارة ما هو إلا هروب من معالجة المشكلة. شفاعمرو لا تختلف عن غيرها من البلدات العربية سواء بالتركيبة الاجتماعية أو العقلية القبلية التي عادت لتسود مجتمعنا وتحكم سلوكياته للأسف. فالهدوء الذي تنعم به شفاعمرو ما هو الا "هدوء مشوب بالحذر"، وصحافتنا المحلية لا تخلو اسبوعيا من أخبار العنف والاعتداء والقتل، والشرطة نشرت مؤخرا معطيات مقلقة عن كميات ونوعيات الأسلحة التي ضبطتها في عدة قرى ومدن ومنها شفاعمرو. وأعضاء البلدية يستصرخون الادارة والادارة تطالب المسؤولين، الجميع يستنكر والبعض يستغل هذا الموضوع للمناكفة السياسية المحلية، وكأن الموضوع يحتمل "العبث" السياسي واللغو الكلامي.

هل حقا شفاعمرو أفضل من غيرها؟ هل نسينا الجريمة المروعة الأخيرة التي وقعت فيها في أول أيار الماضي، وراحت ضحيتها المرحومة ميرفت أبو جليل، حيث وصف شقيقها الحادث بقوله لوسائل الاعلام " قاتل شقيقتي، معروف الهويّة، إنّه مجرم، وكل ما حصل أنه اقتحم المنزل لسرقة جهاز إكس بوكس، ولكنّ شقيقتي استفاقت وواجهته، فرد بطعنها وقتلها ذبحًا من عنقها، ومن ثمّ استفاق إبنها الذي تلقى من اللص لكمة على أسنانه وطُعن بيده، ليفرّ بعدها المشتبه مع الجهاز الذي سرقه، وترك المرحومة غارقة بدمائها"، هل نسينا تلك الجريمة النكراء التي هوت مدينتنا وعكّرت هدوءها؟!

وهناك حوادث اطلاق نار على محال تجارية وبيوت في أحياء مختلفة من مدينتنا شفاعمرو. وفي الآونة الأخيرة تعرضت منازل أبناء المرحوم نمر جريس (البعناوي) الى عمليات اطلاق نار كثيف خلال أسبوعين، وخاصة منزل المهندس والمربي نعمة وشقيقه المهندس أسعد، دون أن يحرك أحد ساكنا.

هذا البيت الشفاعمري الطيب، المعروف بأخلاقه وحسن التربية التي سادته وتسوده، هذا البيت الذي بناه ورعاه المرحوم نمر ( أبو نعمة) الذي أدار حسابات بلدية شفاعمرو بكل أمانة وشفافية على مدار عشرات السنين، هذا البيت الذي نشأ فيه وخرج منه أفضل المهندسين في شفاعمرو والشباب المهذبين المعطائين، هذا البيت الذي منه خرج المهندس والمربي نعمة جريس، الذي علم أجيالا في المدرسة الثانوية البلدية على مدار أربعين عاما ونيف، وكذلك شقيقته المربية انعام، وبعده الرياضي ومدرس التربية البدنية الأستاذ جريس جريس، البيت الذي نشأ فيه المهندسون كليم وأسعد وسمير يتعرض لاطلاق نار وتهديد بالقتل، ولا تكون ردة فعل جدية واحدة على ذلك.

صحيح أن الجمهور الشفاعمري، على اختلاف وتعدد مستوياته ومركباته، يرفض هذه الأساليب ويمقتها، ويقف وقفة وجدانية الى جانب أهل البيت، لكن تلك الوقفة ليست كافية في هذه الظروف وأمام هذه التحديات. هل يعقل أن تختبيء الأغلبية الخيرة والطيبة من أبناء بلدتنا وتنزوي داخل البيوت، وتترك لقلة من الزعران والعابثين أن يسودوا ويحكموا في شوارعنا وأحيائنا وبيوتنا؟ أن يتحكموا في ساعات تنقلنا وساعات احتجازنا داخل البيوت؟ علينا عدم الانتظار أكثر، وعلى كل العناصر والهيئات، بل كل الناس والأهالي أن يتحركوا، أن ينظموا أنفسهم، أن يفرضوا هيبتهم، لأنه ما حك جلدك مثل ظفرك.

(شفاعمرو- الجليل) 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]