قالت محافظة بنك اسرائيل في المؤتمر الصحفي الذي عقد في بنك اسرائيل، إنّ اللجنة النقديّة قرّرت الاستمرار في السياسات النقديّة التوسعيّة والابقاء على الفائدة بمستوى 0.1%. وكان قسم الأبحاث في بنك اسرائيل قد نشر التوقعات الاقتصاديّة العامّة المحتلنة، والتي شملت للمرّة الأولى أيضاً التوقعات للعام 2018.

وتطرقت المحافظة إلى موضوع التضخم الاقتصادي، قائلة "في المرّة السابقة التي التقينا بها هنا، كانت مستويات التضخم الاقتصادي منخفضة جدّاً، ووفق تقييماتنا، كنا قد توقعنا أن يتواصل التحسن في الاقتصاد الحقيقي خلال الربع الثالث من العام 2016، واتضح أنّ هذا كان صحيحاً من خلال المعطيات التي نشرت مؤخراً. الانتخابات الأمريكيّة كانت عاملاً مجهولاً جوهريّاً بالنسبة لنا، ولغاية الآن هنالك تقديرات مختلفة بشأن أبعاد نتائج الانتخابات على المستويين المتوسط والبعيد، علماً أنّ الأبعاد على الأسواق الماليّة على المستوى القصير قد اتضحت".
وتشير صورة الوضع إلى أنّ الجهاز الاقتصادي ينمو بوتيرة جيّدة، وسوق العمل يثبت مدى قوته، كما أنّ مستوى التضخم مستمر في كونه منخفض جدّاً.

وبدأت تتلاشى، في الأشهر الأخيرة، التأثيرات المباشرة لتخفيضات الأسعار الاداريّة وخفض أسعار الطاقة على التضخم الاقتصادي، وبدأت ترتفع الوتيرة السنويّة للتضخم بصورة بطيئة، رغم أنّ هذا الارتفاع توقف في مؤشر نوفمبر. وبالرّغم من أنّ التأثير المباشر لأسعار الطاقة على المؤشر خلال السنة الأخيرة كان معدوم، كما أنّ تأثير تخفيضات الأسعار الاداريّة قد استنفدت تقريباً، الا أنّ الزيادات في الأجور لم تؤدي لغاية الآن إلى ارتفاع في التضخم. ومن المحتمل أن يكون انخفاض أسعار البضائع الذي جرى حتى نهاية العام 2015 لا يزال يمكّن المصنعين من استيعاب الزيادة في الأجور، لكن في الشهور الأخيرة عادت أسعار البضائع لترتفع ومن المحتمل أن تكون العمليات الهيكليّة لزيادة المنافسة، وربما أيضاً الانكشاف على الاستيراد الشخصي من خلال الانترنت، تعيق هي أيضاً ارتفاع الأسعار في هذه المرحلة. وفي أيّ حال، من الواضح أنّ التضخم الذي لا يزال منخفض، لا ينبع من انخفاض في الطلب، بما أنّه بالتوازي مع ذلك، هنالك ارتفاع جيّد في الاستهلاك الشخصي وسوق العمل يقترب من مستوى تشغيل كامل وهنالك زيادة في الأجور.
وكما ذكر آنفاً، فانّه في الربع الثالث من العام 2016 استمر النشاط الاقتصادي بالنمو بوتيرة جيّدة، وتظهر المؤشرات أنّ الجهاز الاقتصادي استمر في النمو بوتيرة جيّدة أيضاً خلال الربع الأخير من العام، بمساندة السياسات النقديّة التوسعيّة. وارتكز النمو خلال العام 2016 بالأساس على الاستهلاك الشخصي والاستثمار. وقد تأثر الاستهلاك من الوتيرة العالية للزيادة في التشغيل والأجور، بالاضافة إلى الفائدة المنخفضة. ويشار إلى أنّ الاستثمار الآخذ بالنمو من شأنه زيادة الطاقة الانتاجيّة المستقبليّة لقطاع الأعمال.

وفي مجال التصدير، هنالك اتجاهين منفصلين قائمين، فتصدير الخدمات عاد للنمو بوتيرة جيّدة، في حين أنّ تصدير البضائع الذي تعزّز خلال الربع الثاني من العام 2016 عاد للتقلص خلال الربع الثالث، وعلى مر الوقت يستمر الجمود في مجال تصدير البضائع، على خلفيّة الضعف في التجارة العالميّة وارتفاع القيمة الفعليّة للشيكل. وتجدر الاشارة إلى أنّ قطاعات التصدير هي محركات الانتاج للجهاز الاقتصادي الاسرائيلي، وقدرة قطاع التصدير على الانتعاش من شأنها أن تمكّن الجهاز الاقتصادي من الاستمتاع بنمو صحي أكثر على مدار الوقت. الميزانيّة التي صودق عليها في الأسبوع الماضي لمدّة سنتين، موجهة لعجز أعلى من هذا العام، لذلك فانّ هذه الميزانيّة ستدعم النمو على المدى القصير.

ويذكر أنّ الاقتصاد العالمي يواصل النمو بوتيرة معتدلة، علماً أنّ الكتل الرئيسيّة تتحرك باتجاهات متعاكسة. ففي الولايات المتحدة طرأ تحسن في النمو في النصف الثاني من العام 2016، وسوق العمل هناك بوضع جيّد ومستوى التضخم يقترب من المستوى المستهدف. وبعد مفاجأة نتائج الانتخابات، فانّ التطورات في الأسواق منذ الانتخابات لم تكن هي نفسها كما قدّرت مسبقاً، وهي تنعكس حاليًّا في الارتفاع في العائدات، ارتفاع مؤشرات الأسهم وتعزيز كبير للدولار. كل هذا مكّن البنك الاحتياطي الفدرالي، كما هو متوقع، من رفع الفائدة بربع نقطة مئويّة وقد ألمح إلى أنّ الفائدة ستكون مستقبلاً أعلى بقليل مما قدّر لغاية الان. بالمقابل، في أوروبا، الانتعاش بطيء، والاقتصاد معرّض لمخاطر سياسيّة غير قليلة. واليورو يواصل تراجعه بشكل كبير. ويتأثر الاقتصاد الاسرائيلي بشكل كبير بالتطورات سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويؤثر التراجع في أوروبا وتراجع اليورو سلبًا على تصدير البضائع لكون أوروبا وجهة رئيسيّة للتصدير الاسرائيلي، وبالمقابل استمرار الانتعاش في الولايات المتحدة هو بمثابة بشرى سارّة للاقتصاد العالمي عامةً والاقتصاد الاسرائيلي خاصةً. لكن في دول مختلفة حول العالم، يتم اتخاذ اجراءات من شأنها زيادة القيود على التجارة العالميّة، ومن المتوقع أن تلحق هذه الاجراءات الضرر للاقتصاد العالمي، وبالذات الأجهزة الاقتصاديّة الصغيرة والمفتوحة كالاقتصاد الاسرائيلي.
ويتواصل ارتفاع قيمة سعر الصرف الفعليّ، والذي بلغ في السنة الأخيرة أكثر من 5%. وقد تحرّك الشيكل في السنة الأخيرة بتقلب مقابل الدولار، رغم تعزيز قيمة الدولار في العالم، ووفق التقديرات فانّ الفجوة في الفوائد والتي من المتوقع أن تتسع بين الدولار والشيكل، من شأنها أن تؤدي إلى تراجع الشيكل مقابل الدولار. وبالمقابل فانّ تراجع اليورو والجنيه الاسترليني وعملات أضافيّة أقل أهميّة بالنسبة للتجارة الاسرائيليّة، انعكس على سعر صرف الشيكل مقابل هذه العملات، الأمر الذي يفسر حقيقة أنّ آداء الاقتصاد الاسرائيلي أفضل بكثير من الأجهزة الاقتصاديّة الأخرى، كما يفسّر التوسع النقدي الشرس الذي تنتهجه قسم من البنوك المركزيّة. وفي جميع الأحوال فانّ ارتفاع قيمة العملة يشكل صعوبة أمام التصدير الاسرائيلي.
ويشار إلى أنّ سياسات بنك اسرائيل في سوق العملة الأجنبيّة غير موجهة للعمل ضد القوى الأساسيّة، لكنّها تعدّل قوّة ارتفاع قيمة العملة وتعمل على كسب الوقت لصالح المصدرين لاجراء التعديلات بما يتلاءم مع التغييرات بعيدة المدى في أسواق التصدير والتي تنعكس أحيانًا بصورة سريعة على أسواق العملة. هذه السياسات تساند انتعاش التصدير، وهي جزء لا يتجزأ من السياسات النقديّة.
في سوق الاسكان أيضاً يلاحظ اتجاهات متعاكسة. فمن ناحية، وتيرة بدء البناء عادت للارتفاع، وفي السنة الأخيرة تمّ تسجيل، وفق المعطيات المحتلنة، أكثر من 50 الف بداية بناء، وعدد الشقق غير المباعة هو في مستويات قياسيّة، الا أنّ عدد الصفقات سجّل انخفاضًا، بالذات صفقات المستثمرين. وقد أدّى ارتفاع الفائدة على القروض العقاريّة إلى انخفاض معتدل لكن متواصل في الوتيرة الشهريّة للقروض العقاريّة الجديدة. ومن المتوقع أن يؤدي كل هذا إلى اعتدال الأسعار، لكن حاليًّا الأسعار مستمرة في الارتفاع بوتيرة سريعة نسبيًّا. وحقيقة أنّ مدّة البناء تطول وأنّ معطيات انهاء البناء لا تتوافق مع معطيات بدء البناء، تثير القلق، وعلى الحكومة مواصلة العمل بشكل مكثف لزيادة العرض.

ويذكر أنّ التوقعات الاقتصاديّة العامّة التي عرضها قسم الأبحاث على اللجنة النقديّة، تمثّل تقييمًا أكثر تفاؤلا بالنسبة لمؤشر النمو في العام 2016. ووفق التقديرات فانّ النمو في الجهاز الاقتصادي، بلغ 3.5% خلال العام 2016، ومن المتوقع أن يبلغ النمو في العام 2017 3.2% وفي العام 2018 3.1%. ويقّدر قسم الأبحاث أن تبدأ الفائدة بالارتفاع بوتيرة بطيئة في نهاية العام 2017. ووفق التقديرات، فانّ التضخم الاقتصادي من المتوقع أن يبلغ الحد الأدنى للمستوى المستهدف خلال ما يقارب العام.
وخلصت محافظة بنك اسرائيل إلى أنّ النشاط الاقتصادي في اسرائيل يترسخ وسوق العمل يستمر في اثبات مدى قوته، في حين أنّ التضخم أقل بكثير من المستوى المستهدف. كما أنّ التغيرات السياسيّة في دول مختلفة في العالم تواصل فرض عدم اليقين فيما يخص التطورات المرتقبة في الاقتصاد العالمي. إضافةً إلى تعميق الانفصال في السياسات النقديّة ما بين الولايات المتحدة والأجهزة الاقتصاديّة المركزيّة الأخرى. وعلى ضوء ذلك، يستمر الارتفاع في قيمة سعر الصرف الفعلي. وتتضح الصورة أنّه من ناحية النشاط الحقيقي فانّ دورة الأعمال التجاريّة في الجهاز الاقتصادي الاسرائيلي تشبه تلك التي في الاقتصاد الامريكي، وبالمقابل التضخم في اسرائيل يشبه ذلك الذي في أوروبا. وتجدر الاشارة إلى أنّ السياسات النقديّة لبنك اسرائيل لا تتعقب بالضرورة ما يجري في الجهاز الاقتصادي هذا أو ذاك، وانّما تتحدّد بالاعتماد على تحليل كافة التطورات وتأثيرها على الجهاز الاقتصادي الاسرائيلي والأسواق الماليّة في اسرائيل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]