إنتظر العالم مساء أمس ما سيقوله جون كيري، وزير خارجية أميركا عن ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ما جاء على لسان عميد السلك الديبلوماسي الأميركي الراحل بعد أيام من موقع المسؤولية لم يفاجىء أي فلسطيني او أي مراقب للملف الفلسطيني الإسرائيلي.

في مؤتمره الصحفي أمس الاربعاء توقف كيري مطولا امام عدم إستخدام إدارته لحق النقض (الفيتو) ضد القرار 2334، مبينا ان الإدارات الأميركية المتعاقبة إلتزمت بالقانون الدولي، وبالقرار 242، الذي يؤكد على ان الاراضي الفلسطينية، التي تسيطر عليها إسرائيل بعد هزيمة حزيران 1967، هي اراضي محتلة بما فيها القدس الشرقية. ولم تقبل اي إدارة الموقف الإسرائيلي، الداعي لغير ذلك وبالتالي رفض وزير الخارجية الأميركي الرؤية والإجراءات والإنتهاكات الإسرائيلية في القدس.

لكن الوزير المغادر جانب الصواب حين ساوى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تعطيل عملية السلام. وهو يعلم علم اليقين أن حليفتهم الإستراتيجية، هي التي تعطل تقدم عملية السلام. وتجاهل عن سابق عمد وتصميم دور إدارته والإدارات المتعاقبة في التغطية على إنتهاكات إسرائيل وجرائمها، وهو ما عنى الصمت على دورها (إسرائيل) التخريبي في ضرب ركائز عملية التسوية السياسية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

وعلى صعيد النقاط الست، التي إعتبرها اساس لبناء قواعد السلام وحل الدولتين، أصاب واخطأ رئيس الديبلوماسية الأميركية، ففي البند الأول اصاب فيما يتعلق إيجاد حدود آمنة بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية على حدود الرابع من حزيران عام 67 وإستنادا إلى القرار الدولي 242؛ ثانيا تطبيق قرار التقسيم الأممي 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947، الداعي لإقامة دولتين فلسطينية عربية وأخرى إسرائيلية، وإستخدم تعبير "الدولة اليهودية"، وهو التعبير الذي تضمنه فعلا القرار 181. لكن السيد كيري تناسى ان القرار الأممي أعطى الدولة الفلسطينية 42.88% من مساحة فلسطين التاريخية. ورغم الغبن، الذي تضمنه آنذاك القرار الأممي بشأن مساحة الدولة الفلسطينية بالنسبة للدولة المارقة، التي أقامها الغرب الاوروبي الأستعماري آنذاك على حساب نكبة الشعب العربي الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ 1948، حيث منح إسرائيل 56.72%، مع ذلك يمكن للقيادة الفلسطينية أن تقبل بصيغة القرار في حال تم التنفيذ الحرفي للقرار الأممي من حيث المساحة والقرارات الأممية الأخرى المرتبطة به، ومنها القرار الدولي المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين تحت الرقم 194 في العام 1948 إلى ديارهم، التي طردوا منها، والذي ربط بين عودتهم (اللاجئين) إلى ديارهم مقابل الإعتراف بدولة إسرائيل. ولكن لن يعترف الفلسطينيون ب"يهودية" إسرائيل؛ ثالثا بالنسبة لموضوع اللاجئين الفلسطينيين، القرار 194 ينص على التعويض والعودة، وليس فقط التعويض. حتى ان السيد كيري لم يشر لعودة اللاجئين للدولة الفلسطينية، وطالب بايجاد أماكن لإقامتهم الدائمة، وهذا ايضا يتناقض حتى مع مواقف الإدارات الأميركية بما فيها إدارته نفسها. وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، هو حق مقدس لا يقبل القسمة على أي تنازل عنه من قبل القيادة والشعب العربي الفلسطيني؛ رابعا رغم ان كيري أكد على ان القدس الشرقية محتلة عام 1967، غير انه عاد وإستخدم المفهوم المبهم والملتبس بشأنها، عندما طالب بأن تكون القدس "عاصمة للدولتين ومفتوحة". وهذا يتناقض مع الرؤية الوطنية الفلسطينية، فالقيادة والشعب الفلسطيني يقبلون بوصول كل اتباع الديانات السماوية للإماكن المقدسة، ولكن القدس الشرقية بكامل حدودها، هي عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية، ولا تنازل عن ذلك؛ خامسا أمن إسرائيل ليس فوق وعلى حساب أمن الدولة الفلسطينية المنشودة. ولا يجوز منح إمتيازات لإسرائيل الإستعمارية على حساب مصالح وأمن فلسطين المستقلة ودول وشعوب الأمة العربية.

بالتأكيد ما جاء في المؤتمر الصحفي لجون كيري لن يعجب الإسرائيليين وخاصة اقطاب الإئتلاف الحاكم، وجاء اول رد فعل من بينت المستعمر، وزير التعليم، حيث رد بشكل فج على الوزير الأميركي وإدارته بالقول : إن خطاب كيري، خطاب هزيل وكاذب، ولن يؤثر على أحد". وأضاف " إن إدارة اوباما الفاشلة وأفكارها ستدفن مع الذين يكرهون إسرائيل" وتابع بشكل وقح يقول " لن نقيم دولة فلسطينية إرهابية في قلب إسرائيل." وهو ما يعكس الجنون الإستعماري المنفلت من عقاله، وليؤكد ان خيار حكومة الإئتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو، هو مواصلة الإستيطان الإستعماري ونسف خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. وقادم الأيام سيحمل الكثير من ردود الفعل الإستعمارية الإسرائيلية، وهو ما يؤكد ان دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ليست دولة سلام، انما هي دولة إستعمار وحرب. ومع ذلك الدولة الفلسطينية ستجد طريقها للحياة، رغما عن نتنياهو وبينت وليبرمان وشاكيد وريغف وغيرهم من القتلة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]