ضمن سلسلة الندوات التي ينظمها مركز "إعلام" لمناقشة التقرير الاستراتيجي مع عددٍ متنوّع من شرائح المجتمع مما يتيح المجال للتعمق في مسالة التحديات التي يوجهها مجتمعنا وسبل الحل لها، نُظمت هذا الأسبوع وبالتعاون مع قسم العلوم السياسيّة في جامعة بير زيت ندوة تم من خلالها مناقشة التقرير الذي بدء العمل عليه قبل 5 سنوات من قبل مجموعة من الاكاديميين والقياديين الاجتماعيين والثقافيين في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.

ويسعى التقرير للمساهمة في الجهود الرامية لتحسين ظروف العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل، عبر تفكير استراتيجي ينطلق من وضعهم الحالي صوب تطلعاتهم المستقبلية، كشرط أساسي للعمل على تحقيق أهدافهم، كما ويقوم بتفكيك التعقيد القائم بنظام حياة السكان العرب ووضع سيناريوهات مستقبلية محتملة، مع تحديد التدابير المطلوبة لضمان تحقيق النتائج المواتية ودرء ما هو غير مرغوب منها.

وجاءت الندوة تحت عنوان "السيناريوهات المستقبلية الممكنة والتحديات التي تواجه فلسطيني الـ1948" حيث شارك بها كل من؛ د. عبد الرحمن الحاج إبراهيم رئيس دائرة العلوم السياسيّة في بير زيت، بروفسور أمل جمّال مدير مركز "إعلام"، الناشطة النسوية سماح سلايمة اغبارية، بروفسور عزيز حيدر المحاضر في الجامعة العبرية، وأدارها المحاضر في مجال العلوم السياسيّة في جامعة بير زيت د. أحمد حمد.

وبدأت الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ د. أحمد حمد من قسم العلوم السياسية في جامعة بير زيت والذي رحب الحضور مؤكدًا على أهمية الندوة للحفاظ على التواصل الفلسطيني-فلسطيني متطرقًا إلى التقرير الاستراتيجي، حيث أشار إلى أنّه بدء العمل على التقرير منذ 5 سنوات ويأتي استكمالا للجهود التي بدأت بالعمل على التصورات المستقبلية، على الرغم من التصورات تحدثت عن "الموجود" دون "المنشود"، إلا أن التقرير يأتي استئنافا لهذه المسيرة والتشخيص مع إمكانية خلق خطة عمل استراتيجية للتحديات التي تواجه فلسطيني الـ 48.

عن التقرير الاستراتيجي

بدوره، أكد برفسور أمل جمّال على ما جاء في كلمة د. حمد مشيرًا إلى أنّ "إعلام" تعمل منذ 5 سنوات مع مجموعة التفكير الاستراتيجي من أجل صياغة مستند يعمل على تشخيص الوضع ويطرح السيناريوهات المحتملة ويهيئ الأرض لإمكانية بناء خطة عمل استراتيجية لمواجهة التحديات التي يواجها فلسطينيو الـ 48.

وقال بروفسور جمّال على أنّ التقرير يعمل على البحث على القواسم المشتركة في مجتمعنا ويستند على فرضية التهميش المزدوج، فمجتمعنا في الـ 48 مهمش على المستوى الإسرائيلي وايضًا على المستوى الفلسطيني.

وأكد بروفسور جمّال أنّ هذا التهميش برز أكثر بعد اتفاقات أوسلو واخفاقها مما يستدعي تعريف جديد لآفاق الوجود الفلسطيني في الـ48، فمن جهة بقي فلسطينيو الـ 48 تحت شرعية وسيادة إسرائيلية وسقف مواطنتهم بذلك إسرائيلية فيما بقي انتمائهم فلسطيني إلا أنّ الجانب الفلسطيني لم يأخذهم في الحسبان من ضمن اعتباراته.

وقال بروفسور جمّال أنّ التصورات المستقبلية السابقة خلقت ارتجاجات في المجتمع الإسرائيلي، فتعريف الـ 48 لمواطنتهم وهويتهم واختلافها عن التعريف الإسرائيلي أحدثت ذلك، خاصة وأن إسرائيل ترفض الاعتراف بأصلانية المجتمع الفلسطيني ونحن نرفض الاعتراف بيهودية الدولة لما يحمل ذلك من تداعيات سياسية وتاريخية وأهمها طمس ومحو روايتنا وتاريخنا.

وأضاف بروفسور جمّال أنّ التقرير المشار اليه يطرح عدد من السيناريوهات ووضع فلسطيني الـ 48 داخل هذه السيناريوهات، منها احتمالية إقامة الدولتين لشعبين وهي إمكانية تضعف في الآونة الأخيرة مع تعاظم حكومة اليمين وأخذّا بعين الاعتبار أنّ أراضي الضفة الغربية (بلغة إسرائيل يهودا والسامرة) تحمل أهمية تاريخية لإسرائيل ليس أقل من منطقة الساحل عليه التنازل عنها إمكانية قد تبدو مستحيلة، وإمكانية إقامة الدولة الواحدة إلا أنّ حينه هوية هذه الدولة غير معلومة، هل الحديث عن دولة ابرتهايد أو فدرالية مع سيادة مشتركة.

كما وأضاف البروفسور جمّال أن التقرير يتطرق ليس فقط لصورة الحل النهائي، إنما ايضًا لطريقة الوصول إلى الحل النهائي، هل هي تصادمية أم أنها عن طريق الحوار والتصالح.

وعلى الرغم من أنّ احتمالية تحقيق حل الدولتين يضعف، أوضح بروفسور جمال أنّ هنالك هدفين إسرائيليين قد يدعمان هذه الاحتمالية الأول أن السيادة اليهودية شرطة أساسي لأمن اليهود والثاني أن أمن اليهود مستقبلا مرتبط بالسيادة عليه من مصلحة إسرائيل التنازل عن الحلم "بأرض إسرائيل الكاملة".

ما غاب عن التقرير

بدوره، تطرق البرفسور عزيز حيدر إلى ما غاب عن التقرير مشيرًا بداية الأمر أنه كان جزءً من وثائق التصور المستقبلي السابقة وأنه كان قد تنبأ فشل أوسلو في إحدى دراساته وأبحاثه عام 1997، مما يعني في الوقت الذي لم يتم بعد الحديث عن فشل أوسلو بشكل رسميّ وعلني ومؤكد.

وأوضح بروفسور حيدر أنّ المستند لم يتطرق إلى تطور الفلسطيني بصورة فردية، وهو تطور تجاوز تطور الجماعة أو المجموعة الأصلانية، مما تحول الفجوة ما بين تطور الفرد والمجتمع، الفرد إلى سلبي وناقم على المجتمع.

وعزز البروفسور عزيز الادعاء بالوعي للشباب الفلسطيني مشيرًا إلى أن شبابنا واع جدًا لاحتياجاته وتحدياته ويعمل اليوم على الالتحاق بالجماعة، ليس دينيا أو اثنيًا، إنما جغرافيًا، فعلى سبيل هنالك عدد كبير من شبابنا يسكن في البلدات اليهودية، وليس بالضرورة البلدات المختلطة، إنما صفد ونهريا وغير من المدن.

وأوضح بروفسور عزيز أنّ التقرير سياسي وجمعاني من حيث الجوهر، إلا أن التشديد على الجمعانية قوبل بإهمال تطور الأفراد وتقدمهم كما وأنّ التقرير لا يتطرق إلى القضايا الأساسية والجوهرية في حياتنا المؤثرة على تطور الفرد والجماعة، منها المشاكل الاقتصادية والتخطيط والبناء وما إلى ذلك من مشاكل.

وإلى ما ذكر، تطرق البروفسور حيدر إلى إمكانية الاتفاق على المنشود الأفضل للجماهير العربية، موضحًا أنّ فلسطيني الـ 48 يعيشون في فضاء متنوع جدًا من الانتماءات، ليست الحزبية والحركية والفكرية فقط، إنما على مستوى الانتماءات للأنظمة في العالم العربي، وهذا الأمر قد يعيق التوصل إلى حل منشود متفق على الجميع.

وعزز بروفسور عزيز هذا الادعاء بالتجربة السابقة مع التصورات المستقبلية والتي تم رفضها من قبل عدد من الحركات السياسيّة الأمر الذي يؤكد أنه وعلى مستوى المجتمع الفلسطيني قد يكون من الصعب التوصل إلى قواسم مشتركة.

بدورها تطرقت الناشطة النسوية سماح سلايمة-أغبارية إلى غياب المرأة الفلسطينية من التقرير، مضيفة أنه من خلال اطلاع سريع عليه يتضح أنّ المرأة حاضرة بشكل هامشي مما يعكس تعامل المجتمع معها، موضحة أنّ تطور المجتمع لن يتحقق بدون تطور مكانة ووضع المرأة الفلسطينية.

وأكدت سلايمة-أغبارية على ضرورة عدم تجاهل التقرير وتفاعله مع شرائح المجتمع المختلفة، مشيرة إلى أنّ هنالك عدد من التصورات والوثائق المباركة من حيث الجوهر إلا أنّ معدي تلك الوثائق والتصورات هم ذات الأشخاص وذات التوجهات دون الأخذ بعين الاعتبار توجهات المجتمع على سبيل المثال لا الحصر، الشباب وتطلعاتهم.

وأضافت سلايمة-أغبارية إلى أنّ التقرير لا يتطرق لمسألة التهجير القسري، سواءً افي الوطن أو المهجر، وبأن هذه المسألة يجب أن تكون جزءً من التقريرـ فعلى التقرير الا يتجاهل أنّ هنالك عدد كبير من أبناء الشعب الفلسطيني يتوقون إلى العودة إلى منازلهم وأرضهم وهذا ما يجب أن يلاقي ردًا من قبل معدي المستند.

واتفقت سلايمة-أغبارية مع بروفسور حيدر أن التقرير يجب أن يتطرق ايضًا إلى المشاكل التي يعيش بها فلسطينيو الـ 48 منها العنف المستشري، ففقط في السنة الفائتة قتل 12 امرأة من الـ 48 مقابل 6 نساء في الضفة الغربية، على الرغم من أنّ عدد الضفة أكبر بكثير من الـ 48 مما يوضح حجم المأساة.

إلى ذلك، اتفقت سلايمة-أغبارية مع بروفسور حيدر بالتفكير كيف يمكن فرض التقرير على القيادة السياسية التي قد "تغرد في وادي آخر بعيد عنا"- حد تعبيرها.

وفي كلمته تطرق د. عبد الرحمن الحاج إبراهيم إلى افضلية التقرير الاستراتيجي كمحاولة للخروج من حالة رد الفعل الى الفعل ووضع التصورات المستقبلية الممكنة والتشخيص الموضوعي للحالة الفلسطينية للعرب داخل الخط الاخضر كجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والتركيز على سيناريو الدولة الواحدة نظرا لغياب الخيارات الاخرى في ظل استفحال المشروع الصهيوني وتهويد فلسطين بكافة اجزائها وسيطرة اليمين المتطرف على الساحة السياسية في إسرائيل.

مداخلات وملاحظات

وانتهت الندوة بمداخلات قدمها الطلاب المشاركون في الحوار حيث أكدوا على أهمية التقرير وعلى ضرورة أخذه بعين الاعتبار عدد من النقاط المهمة وهي؛ دور الشباب في صياغة المستند خاصة وأن الشباب الفلسطيني فاعل جدًا في الـ 48 وفي الآونة الأخيرة أطلق عدة حملات تضامنية وفعاليات تم فرضها على العالم العربي قاطبة مثل حملة #جائعون_للحرية الداعمة للأسرى، الشرخ القائم ما بين القيادة الفلسطينية الحاليّة والمجتمع، إلى أي مدى تمثل القائمة المشتركة التطلعات المشتركة لفلسطيني الـ 48 وتعمل ايضًا بصورة مشتركة لتحقيق هذه التطلعات، حضور الأسلاموفوبيا في خطابنا وتأثيره في تعميق الشرخ بيننا مما يؤثر على قدرتنا على التوحد في مواجهة التحديات التي تواجهنا، مدى التزام أحزابنا بالخطاب التي تفرضه على الجماهير فمن جهة تبث خطاب معزز لحقوق المرأة إلا أنها هي من تقوم بخرق هذا الخطاب ومخالفته، وأخيرًا دور الإسرائيلي واليهودي خاصة التقدمي في المستند الحالي والمستندات المستقبلية.

بقي أن نشير إلى أنّ مركز "إعلام" يرعى مشروع التفكير الاستراتيجي ويقدم له الخدمات اللازمة لإنجاحه، هادفاً الاستمرار في تحليل التحديات التي يواجهها المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل من أجل تقديم اوراق عمل متخصصة، تهدف الى تدعيم المجتمع العربي وتساعد في تنجيع دور القيادات العربية في التأثير السياسي والاجتماعي، من اجل تحقيق التجاوب من قبل كل الاطراف المعنية بما في ذلك مؤسسات الدولة مع احتياجات المجتمع وعلى رأسها القطاعات الشابة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]