كم كان كان الأمر سيكون رائعًا لو أن عضو الكنيست أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، أخذ مكان سائق الجرافة، إبان هدم المنازل في أم الحيران، وبعزيمة لا تعرف الكلل قام بجرف البيوت هناك. وكم كان الأمر مهيبًا لو أخذ عضو الكنيست طلب أبو عرار على عاتقه مهمة اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين عند الحاجة، وأن تعيّن عضوة الكنيست عايدة توما نفسها المسؤولة عن اطلاق الرصاص المطاطي.
وبالنسبة للنائب أحمد طيبي فهناك مهمة جسيمة بانتظاره، وهي إحضار شاحنة مليئة بغاز الفلفل لمسرح العمليات. ونحن ننتظر منه أن يقوم باستخدام الغاز ضد المحرضين، وفي الوقت نفسه ان يحول دون ان يقوم زملاؤه في القائمة بإضافة هذا الغاز الى الحمص لجعله اكثر شهية. أما باقي اعضاء الكنيست في القائمة المشتركة وحلفاؤهم من حزب ميرتس، فكان من المفترض، أن يشكلوا حلقات للدبكة لرفع معنويات من يهدمون منازل العرب.

يا لهذا المشهد الرائع! عضوة الكنيست ذهيبة غلئون، (رئيسة حزب ميرتس) على رأس الدبكة تلوح بعلم حرس الحدود، وعلى الطرف الثاني من الصف عضو الكنيست مسعود غنايم، ينشد: "جلبنا الهدم لكم"، على وزن الأغنية الرائجة: "جلبنا السلام لكم".

هذا هو باختصار ما هو المطلوب من النواب العرب أن يفعلوه من اجل الحصول على مباركة قادة الدولة. وأنا أعدكم بأنه بعد كل هذه الاعمال الوطنية التي ذكرتها، فان مفتش الشرطة، روني ألشيخ، سيدّعي أن ضربات اعضاء الكنيست العرب الموجّهة للمتظاهرين كانت حنونة ولا تناسب الموقف. وزير الامن الداخلي، جلعاد أردان، سيشتكي من أن غاز الفلفل قد انتهت صلاحيته. أما وزيرة الثقافة ميري ريغف، فسنشاهدها تولول بأن غلئون قامت بتزييف لحن النشيد قصدًا للمس بهيبته.

لو لم تكن هذه تراجيديا، لكان يمكن الانفجار ضحكا. ما الذي تريدونه من اعضاء الكنيست العرب؟ من ناحية، ها هو الصراخ يصم الآذان، بحجة ان أعضاء الكنيست العرب لا يهتمون بمشاكل المواطن العربي العادي وأنهم يخصصون كل وقتهم للقضية الفلسطينية (وكأن هذا مأخذ عليهم). ومن ناحية اخرى، عندما يشمّر النواب العرب عن أذرعهم من أجل الدفاع عن أبناء شعبهم ضد قمع السلطات، ترتفع الاصوات بأنهم محرضون لا صلاح لهم. يبدو أن العرب قد توقّعوا مثل هذا النفاق من قبل السلطات، وفقط من اجلهم أوجدوا المثل القائل: "احترنا يا قرعة من وين نبوسك".
وللعرب الأعزاء نضع امامهم نمط الزعيم العربي الذي تريده السلطة: مُخبر للسلطة. أما المواطنون العرب فمن المفروض أن ينتفضوا ضد أولئك القادة الذين يلحقون الضرر بعلاقة السمن والعسل، بين العرب والسلطات. وها هو النشيد الذي تريد السلطات أن تسمعه منكم: "ما ردكم، أيها العرب المخلصون، على هدم منازلكم؟/ شكرا لدولة اسرائيل/ واذا أقمنا على خرائب منازلكم حاضرة يهودية/ المزيد والمزيد من الشكر/ لمن الشكر ولمن البركة/ لدولتنا الهادمة".

يا لهذا التناغم ما بين ما يُهدم وما يُبنى على انقاضه. بين المقتَلع والمزروع مكانه. بدون تحريض اعضاء الكنيست العرب فان الورود ستبدو أكثر تألقا. لذلك بدل دقيقتين من الكراهية التي اقترحها جورج اورويل في كتابه "1984" مطلوب من العرب تخصيص ساعتين يوميا من اجل إقناع انفسهم بأن الاجحاف الذي يلحق بهم ما هو إلا بركة.

احيانا ينتابني الشعور بأنه قبل أن يكتب "1984" – في العام 1948 – فإن جورج أورويل العظيم ألقى نظرة على ما يحدث لدينا في ساحة الشرق الاوسط. يبدو أنه لم يصدق ما شاهده، لذلك كتب عن مفارقة مشابهة ستحدث بعد سنوات طويلة. بالفعل، كيف سيصدق؟ يطردون اغلبية الشعب الفلسطيني من وطنه، أما العالم فيعتقد أن المطرودين هم المجرمون. ها هو التاريخ يكرر نفسه بعد سبعين سنة. اليهودي يقوم على أنقاض العربي. من الممكن أن تكون الأحداث الحالية في أم الحيران كتابًا آخر لأورويل لم يتم نشره.
(نُشر في هآرتس ايضًا)
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]