رجل ميسور الحال يغتصب امرأة فقيرة، يرمي لها مبلغًا نقديًا، ويغادر. عشرون رجلاً من الميسورين يغتصب امرأة فقيرة واحدة في اليوم، يرمون لها " الأجرة" ويقفلون عائدين إلى مزاولة حياتهم كآباء لأبناء، وكأزواج وكمواطنين عاديين في دولتهم. في شقة واحدة يقوم مئة رجل ميسور باغتصاب خمس نساء فقيرات كل يوم.

تلك هي المعطيات، التي يتعين علينا أن نضربها ( نضاعفها) بعشرات الشقق التي تعمل بلا ازعاج الأكثرية الصامتة- صامتة، لأنه قيل لها لأنهن طالبات جامعيات، وأن الدعارة إنما هي سبيلهن إلى تغطية تكاليف دراستهن الآخرون يصمتون، لأنه قيل لهم، أنه إن انعدمت الدعارة، فسيتجه الرجال نحو اغتصاب النساء. وهنالك أولئك الممتلئون بالمشاعر الإنسانية، من عم مقتنعون بأن الضحايا يشعرن باللذة والمتعة.

" لا لذة ولا متعة بمضاجعة كم هائل من الرجال، الواحد تلو الآخر، أو بإشباع الرغبة الجنسية لرجال ما كنت قطعًا لأدخل الى الفراش بمعيتهم لولا ضائقتي المادية"- هكذا تقول " آنا"، وهو الاسم المستعار للكتابة التي ألفت كتاب " آنا، الجانب المضيء للقمر: من عالَم امرأة شابة غارقة في دوامة الدعارة في إسرائيل" ( رسلنغ 2009). انه كتاب إلزامي لمعلمّي الضمير، إلى الحدّ الذي يستطيع فيه المغتصبون صون ضمائرهم، وإلزامي لأنصار الجناح الرادكالي، الذين يدعون أن الدعارة هي خيار شخصي.

هل يخطر ببال أحد، أنه الخيار بين حياة فيها حرية، وحياة طافحة بالاغتصاب اليومي، حتى مقابل المال- تختار المرأة أن تُغتَصَب؟! أن 62% من النساء الغارقات بالدعارة هن أمهات، و11%- قاصرات. وأولئك الذين يدعون أن الدعارة إنما هي خيار شخصي، فهُم اعتى حُماة واقع الحال، أي الغابة الحالية، والمنادون بمأسسة الدعارة، إنما يسعون إلى مأسسة الاغتصاب اليومي لعشرات النساء من قِبَل مئات، وحتى آلاف الرجال.

خلال الأعوام الثمانية من عمل جمعية " سلعيت" توفيت (36) امرأة- وقد توفيت المرأة السادسة والثلاثون هذا الشهر- حسبما أفادت الجمعية.
تموت النساء المتورطات بالدعارة في سن السادسة والثلاثين بالمعدل. 70%-90% منهن ( وفقًا لمعطيات مؤسسة " توداعاه") عانين عذابات وتنكيلات جنسية في طفولتهن. البحث يرسم خطًا واضحًا بين سِفاح الأقارب، وبين العيش في الدعارة بعد مرور سنوات. يبدو أن المطلوب أيضًا مأسسة هذا الأمر هنا.

عضو الكنيست زهافا غالؤون تصدّرت في عهد الكنيست السابعة عشرة الجهود الرامية إلى سنّ قانون تجريم " مستهلكي خدمات الدعارة"، وفي الكنيست الثامنة عشرة واصلت هذه الجهود النائبة اوريت زوآرتس. وتم التصديق على القانون بالقراءة التمهيدية. وثمة من يرى في ذلك " فعلاً تصريحيًا" ( إعلان نوايا) لأن معطيات وزارة الخارجية الأمريكية قد أظهرت أن إسرائيل هي بمثابة " جنة عدن" للتجارة بالنساء- وهي الدولة الوحيدة في العالم الغربي، التي لم يكن في مجموعة قوانينها في مطلع سنوات الألفين أي ذِكر أو تطرُّق إلى الدعارة و " مستهلكي خدمات الدعارة". ومن المتوقع أن تطرح النائبة غالؤون مجددًا مشروع قانون التجريم، مضافًا إليه بند تأهيل وإصلاح النساء المتورطات بالدعارة- وهذه المرة بدعم من وزارة الأمن الداخلي، ووزارة القضاء.

وبالمقابل، وبتعاون نَسَوي وسياسي، أُقِرّ في اللجنة الوزاريّة ذات الصلة قانون بادرت إلى طرحه النائبة ميراف ميخائيلي ( سوية مع النواب: شولي معلم، بيني بيغن، يهودا غليك وعايدة توما سليمان)، وينصّ على شطب أرقام الهواتف عن " إعلانات الدعارة". كما توجهت النائبة ميخائيلي إلى وزيرة القضاء ( بعد أن أعلنت الوزيرة قبل عشرة شهور عن تشكيل طاقم وزاري، لدراسة إمكانية تبني قانون تجريم مستهلكي خدمات الدعارة) مستوضحة مَصير هذه المسألة. وفي مهرجان تضامني مع ضحايا الدعارة، قالت النائبة ميخائيلي: " لا يأس ولا قنوط، إننا سائرات حتى نهاية الدرب"!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]