كما كانت التوقعات، أثارت التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في لقائهما المشترك بالبيت الأبيض، أثارت ضجة واسعة، فبالإضافة إلى كون تصريحات ترامب أصلا مثيرة للجدل في كل القضايا، يعتبر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من أكثر المواضيع (الخارجية) التي تحدث ترامب عنها منذ حملته الانتخابية، لأهمية العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولطالما تحدث ترامب عن دعمه المطلق لإسرائيل. لكنّ ما طرُح في اللقاء أظهر حسب بعض التحليلات أن ترامب إما يراوغ ويمكر أو أن يجهل تفاصيل الحالة، فمثلًا قال ترامب أنه يريد أن تتم التسوية ولا يهمه ما إذا كانت عبر حل الدولتين أو الدولة الواحدة، وقال أن على إسرائيل تجميد الاستيطان رغم أنه لا يرى أن الاستيطان سبب فشل عملية السلام، وتهجم ترامب على الفلسطينيين مدعيًا أن عليهم وقف الكراهية! وأثنى على إسرائيل قائلًا أنها الحليفة المهمة جدًا لأمريكا .

ومن بين تصريحات ترامب ونتنياهو، حظي موضوع اقتراح الدولة الواحدة على الاهتمام الأكبر من قبل السياسيين في كل العالم ومن قبل الإعلام أيضًا، فاقتراح الدولة الواحدة يعني اجهاض فكرة الدولتين، ويعني بكلمات أخرى اجهاض فكرة الدولة الفلسطينية، وبالتالي "نكسة" اخرى للقضية الفلسطينية، وهذا ما عبرت عن رفضه الرئاسة الفلسطينية في رام الله، ودول اخرى كالأردن وحتى دول أوروبية كفرنسا وغيرها، وبنفس الوقت صدرت لاحقًا تصريحات عن سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، قالت فيها أن دولتها تدعم حل الدولتين، مما يثير الجدل أكثر حول تصريح ترامب.

حيدر: حل الدولتين انتهى ويجب على القيادة الفلسطينية طرح حل الدولة الواحدة ثنائية القومية

يقول المحامي علي حيدر، الناشط الحقوقي: لقد اثارت أقوال ترامب حول حل الدولة أو الدولتين ردود فعل مختلفة؛ لقد اظهر جهلا وعدم معرفة من جانب وخضوعا لمقولات نتنياهو المراوغة من جانب آخر. ولكن في الحقيقة؛ وقد قلنا ذلك منذ سنوات؛ ومرات عديدة بأن اسرائيل من قبل أوسلو لا تريد حل الدولتين وحل الدولتين ليس بمقدوره حل الصراع وايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

وتابع: ولذلك كان من المفروض أن تعي القيادة الفلسطينية وتعمل على طرح حل الدولة الواحدة ثنائية القومية على ارض فلسطين التاريخية. ولكن ما دامت الادارة الامريكية قد حررت نفسها من حل الدولتين؛ واسرائيل لا تريد حل الدولتين فمن المفروض وخصوصا ان السلطة الفلسطينية في حالة هشاشة وضعف وعلى وشك الانهيار؛ ان ينهج الفلسطينيون مجتمعين الى وضع وعرض وتقديم استراتيجية جديدة في اساسها وحدة الارض ووحدة الشعب والشراكة في السيادة على كل الارض.

وأشار حيدر أنه يرى بالدولة الواحدة الحل الأمثل لعدة قضايا إذا قال: فقط حل الدولة الواحدة في فلسطين التاريخيه التي تديرها بمساواة مجموعتين قوميتين يستطيع حل القضايا التالية والتي لا يستطيع حل الدولتين ايجاد حلول لها: قضية القدس، قضية اللاجئين، قضية الفلسطينيين في الداخل، قضايا الحدود، قضايا المستوطنين، قضية تعريف الدولة كدولة مشتركة لشعبين، انهاء الاحتلال، المصالحة التاريخية .

وأضاف: انا لست ساذجًا؛ هنالك العديد من المعيقات التي تعترض هذا الحل ولكن على ما يبدوا لن تقوم في الوضع الراهن دولة فلسطينية ونحن بين خيارين اما الفصل العنصري واما الدولة الواحدة المشتركة والتي تحترم الشعبين وهذا الحل ايضا سيأخذ وقتا طويلا لتحقيقه. يجب تجنيد قيادات عربية ويهودية في اسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة وفي مناطق اللجوء وقوى داعمة في العالم للعمل وفق استراتيجيات جديدة ورؤى جديدة وعدم السماح لنتنياهو الهروب الى حلول على مستوى الاقليم كما يدعي.

وأنهى كلامه: إن حل الدولة ثنائية القومية ينطلق من ارادة فلسطينية حرة وليس خضوعا لليأس وانما دافعا عن حق تاريخي وطبيعي وضمانا لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. هذا ما كان يجب ان يكون قبل اوسلو. واضعنا اكثر من ربع قرن من التفاوض على سراب. ولكن هذا التحول يتطلب وحدة فلسطينية وقيادة قوية تحظى بشرعية.

 

صباغ: حل الدولة الواحدة هو إعلان استسلام، وقسم ممن ينادون به هم من تيار خطر يتساوق مع الحلول الأمريكية

المحلل السياسي، الصحافي أليف صبّاغ اختلف تمامًا مع ما صرّح به المحامي حيدر حول فكرة الدولة الواحدة، وقال متطرقًا للقاء ترامب-نتنياهو: واضح مما قاله ترامب ومن مجمل تصريحاته السابقة انه رجل صفقات ." Deals" حتى انه ، وفق ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك مع نتانياهو، لا يرى بالقانون الدولي قاعدة لحل النزاعات ولا يرى حقوق الشعوب ثابتة، وانما منهج الصفقات هو منهجه، بعيدا عن اي قانون; وبالتالي يجب أن نفهم نصيحته لنتانياهو "بترشيد الاستيطان قليلا حتى نحصل على اتفاق" على انه تكتيك تفاوضي قصير المدى دون اعتبار للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وهذا يقبل به نتانياهو لأنه قادر أن يترجمه على الأرض بعشرة اشكال مختلفة ترضي كل الاطراف.
ووصف صباغ القبول بالدولة الواحدة بأنه إعلان استسلام وقال: مقترح الحل بقبول الدولة الواحدة هو إعلان الاستسلام وتخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. من يقبلون بهذا الحل بين الفلسطينيين انما يذهبون في اتجاهين مختلفين، الاول يساري حمل شعار الدولة الفلسطينية العلمانية الواحدة يعيش فيها جميع مواطنيها بمن فيهم اليهود بمساواة تامة، وهذا التيار يحلم بأن برنامجه القديم سيتحول الى برنامج عام وهو بذلك يحقق حلمه، وهذا امر بعيد المنال، التيار الثاني هو التيار المتساوق مع الحلول الامريكية ، هو تيار اكاديمي في الاساس ولا يريد طرد المستوطنين من بيوتهم خوفًا من أن يحسب ذلك على الفلسطينيين على أنه "ترانسفير" لليهود، وهذا التيار هو الاخطر لأنه يسوق مثل هذه الحلول على انها حلول مبدعة وتفكير "خارج العلبة" ورفض للتكلس الفكري وهذا امر مغرٍ للجيل الشاب وخاصة الاكاديمي ، يعطي المحبطين والعاجزين طريقا سهلا للهروب من المواجهة الحقيقية.

وإجابة على سؤال متعلق بتصريحات نتنياهو عن علاقة إسرائيل بالدول العربية، وهل ستقبل هذه الدولة بالصفقة الامريكية (الدولة الواحدة) إذا ما اقترحت رسميًا؟ قال صبّاغ: اقول انني لا استبعد ذلك ولا استبعد امكانية قيام هذه الانظمة بالضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بالحكم الذاتي او ضم الضفة الى الاردن وقطاع غزة الى مصر أو إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة فقط على ان تكون تحت الوصاية المصرية; الأنظمة العربية الموالية لأمريكا مستعدة لكل شيء تريده امريكا واسرائيل.

وأنهى كلامه: باختصار، من يبحث عن حلول جديدة لأنه عاجز عن إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني أو مقتنعٌ بأن اسرائيل لن توافق على كذا وكذا، سيجد نفسه بدون حقوقه التي اقرتها الشرائع الدولية وسيدخل الى انفاق جديدة من التفاوض لن تنتهي قبل نهاية هذا القرن. لماذا؟ لان اسرائيل لن تقبل كذا وكذا مرة أخرى، ولأنه عاجز عن مواجهتها.


زعاترة: شعبنا وقضيته العادلة أقوى من ترامب ونتنياهو!

الصحافي والكاتب رجا زعاترة، سكرتير منطقة حيفا للحزب الشيوعي وعضو المكتب السياسي للجبهة قلل من دور أمريكا في تقرير مصير المنطقة، وقال في بداية حديثه:بدايةً وقبل الدخول في لقاء الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلي، يجب التذكير بأنّ انتخاب ترامب، وبقدر ما أبرز على السطح مواقفه العنصرية المعادية للعرب والمسلمين وافتتانه بالنموذج العرقي الإسرائيلي، فغنه يعبّر عن فشل سياسات العولمة عمومًا وعن أزمة الإمبريالية الأمريكية ومشاريعها في المنطقة خصوصًا.

وتابع: وبالتالي فمن الأهمية بمكان أن نرى السياق السياسي الأوسع، ألا وهو انهيار نظام القطب الواحد، والتراجع الاستراتيجي للدور الأمريكي في المنطقة، وفي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تحديدًا. ومن الأهمية بمكان إدراك أن هذا التغيير هو الذي جلب ترامب إلى الرئاسة، وليس العكس. وعليه فالوُجهة العامة هي كسر الاحتكار الأمريكي لرعاية العملية السياسية، بالتوازي مع السيرورات الإقليمية لا سيما تعاظم الدور الروسي. وهذه وُجهة مباركة طبعًا، لأنّ أمريكا كانت وستبقى جزءًا من المشكلة وليس جزءًا من الحل.

وحذّر زعاترة من تفاعل ترامب مع أفكار وسياسة نتنياهو وقال: مع ذلك لا يمكن الاستهانة بالمخاطر المرافقة لوجود شخص مثل ترامب في البيت البيض، وتفاعله مع سياسة نتنياهو لتصفية حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره ومنع قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967، وعمليًا دفن ما يسمّى بـ "حل الدولتين" وتكريس واقع الأبارتهايد وتبييض سياسة الضمّ. ويزداد الطين بلة بتواطؤ أنظمة عربية مع هذه السياسة. ولكن يبقى السؤال الأساسي ليس ماذا يقول ترامب، وإنما ما مدى فاعلية وقوة الدور الأمريكي في المنطقة؟

زعاترة أكد أن حل الدولتين ما زال الحل الأكثر واقعية إذ قال: أما بالنسبة لـ "حل الدولتين" ففي الظروف الدولية والإقليمية والمحلية الراهنة، فما زال هذا الحلّ هو الأكثر واقعية، بمفهوم تحدّي تغيير الواقع وليس الرضوخ له أو القفز عنه. وما زال هذا الحل الأقدر على وضع أقرب حد لمعاناة شعبنا وتخليصه من الاحتلال وجرائمه. وأعتقد أنّ الخيارات الحقيقية ليست بين "حل الدولة الواحدة" و"حل الدولتين"؛ وإنما بين التمسّك بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبين الرضوخ للسياسات الساعية إلى تصفيته وتبديده من خلال مشاريع الضمّ والكونفدرالية وغيرها.
وأنهى كلامه: وإلى جانب هذه المخاطر يجب أن نرى الفرص أيضًا، وأن ننتقل من حالة التلقي وردود الفعل إلى حالة المبادرة والفاعلية، لأنّ أمريكا اليوم لم تعد أمريكا التي تصول وتجول دون حسيب أو رقيب، ولأنّ وضع إسرائيل في الراي العام العالمي من سيء إلى أسوا، وبالأساس: لأنّ قضيتنا عادلة وستنتصر حتمًا على عنصرية ترامب ونتنياهو وعلى تواطؤ بعض ذوي القربى!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]