استطاع برنامج معبود العرب ("أراب آيدول")، بترجمته الحرفيّة لا المُحَرَّفة، أن يُخرجَ بعض الضّفادِع البشريّة من عمق المستنقعات الموحِلة بالكراهيَة، ويفضح لنا خديعةَ أفكارهم الضَّحِلة ونفوسهم المعتلّة الّتي استحوذ عليها التّطرّف والتّعصّب والحقد الطّائفيّ الأعمى، ليترك غُصَصًا عدّة في وجدان وأفئدة المتيقّظين والإنسانيّين منّا.

وبخلاف توقّع الغالبيّة، وعناوين الصّحف الصّفراويّة، وبرغم التّفوّق والامتياز الفنّيّ الواضح لأمير دندن، وترجيح الدّفّة السّياسيّة لصالح اليمنيّ عمّار محمّد، فاز الفِلَسطينيّ يعقوب شاهين، صاحب الصّوت والطّلّة البهيّة والجاذبيّة الأخّاذة.

لا يلتبس على الفطناء الحقّ بالباطل، فـ"معبود العرب" برنامج فنّي تجاريّ سياسيّ بَحت(!)، يظلّ بعيدًا كلّ البعد عن النّزاهة الفنيّة الخالصة؛ حيث يلعب فيه حسّ المشاهد القوميّ وانتماؤه الوطنيّ وتعاطفه السّياسيّ وهوسه بمعبوده وصبابة قلبه - إلى جانب سياسة محطّة "إم.بي.سي." التّجاريّة - لعبة القرار المُحتّم.

ولسبب تتويج "معبود العرب"، أشعل الأغبياء من كلا الطّرفين، مجدّدًا، نار الطّائفيّة عبر الـ"فيسبوك"، فزادها الحمقى اشتعالًا.. "المسلمون عنصريّون لا يدعمون المسيحيّ"؛ "يحقّ للمسيحيّين أن يفرحوا"؛ "أجراس الكنائس تُقرع لابن المهد"؛ "أعلنوها ثورةً ضدّ المسيحيّ"؛ "تفوووو على كلّ مسلمة صوّتت ليعقوب"؛ و.. و.. أمّا المتنوّرون والعقلاء من أبناء شعبنا فأكّدوا أنّ اللّقب فِلَسطينيّ بامتياز، وعناق يعقوب وأمير وعسّاف جسّد الوحدة واللّحمة الوطنيّة.. فما لم تنجع به السّياسة فعله الفنّ.

خلال تتبّعي أثر البرنامج في الأسابيع الأخيرة - وبما أنّني إنسان أمميّ حرّ، لا طائفيّ - لم أنظر إلى يعقوبَ كمسيحيّ ولا إلى أميرٍ كمسلم، رأيتهما أخوَيْن فِلَسطينيّين. وكعادتي، استفزّتني جدًّا وأثارتني كتابات بعض المهوَّسين المتطرّفين الحقودين، وخصوصًا "المثقّفين" منهم، من مربّي ومربّيات أجيال، وشخصيّات اجتماعيّة مرموقة، الّذين يُقحمون الدّين في كلّ صغيرة وكبيرة، لهدف الاتّجار بدينهم. من العيب والمشين والمقيت، أن يُقتصر تفكير بعضنا وتُرخّص نقاشاتنا لمشاحنات دينيّة. اِخجلوا من أنفسكم ومن تصرّفاتكم، لأنّنا نعيش زمنًا نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى الوحدة.

لقد انقسمت البيوت الفِلَسطينيّة المسيحيّة الواحدة بين أمير ويعقوب، وانشطر الأخوة الفِلَسطينيّون المسلمون في البيت الواحد بين يعقوب وأمير؛ أمّا لدى التّعصّبيّين من كلا الطّرفين، فظهر عهرهم الطّائفيّ المُبطَّن بأقبح صوره النّافرة وأشكاله المقزّزة، بصورة استفزازيّة، حاقدة وتعصبيّة، دفعتني أنا الحيفاويّ الإنسانيّ، أوّلًا وأخيرًا، إلى الارتعاش والانتفاض، خوفًا واضطّرابًا على مستقبل التّعايش العربيّ – العربيّ الأخويّ الوحدويّ في هذه المدينة، الّتي بدأت تشتعل فيها نيران التّطرّف والطّائفيّة، نيران، ستؤدّي على المدى القريب إلى حريق كبير يَصعُب إخماده.. وقد حذّرتكم من ذلك، مِرارًا وتَكرارًا!

كلّ مَن تسوّل له نفسه الاتّجار بالدّين بين أبناء الوطن والشّعب الفِلَسطينيّ الواحد عمومًا، والحيفاويّ الواحد خصوصًا، ينفث بذلك سمومه الطّائفيّة ليظهر لنا بوجهه الحقيقيّ ونفسيّته المريضة بكلّ ما تكتمنه من حقدٍ وغليلٍ وشقاقٍ، بخلاف وجهه المُقنّع؛ كعاهرات يتاجرنَ بأجسادهنّ ويتجمّلنَ بلباس العفّة!

من الكارثيّ، أيّها الطّائفيّون الجهلاء، شرذمة مجتمعنا وتحويله إلى ثُللٍ مسيحيّة وجماعاتٍ مُسلمة، فما الهدف من وراء التّأكيد على أنّ ديانة يعقوب مسيحيّة والتّذكير بأنّ أميرًا مسلمٌ؟! إلامَ ستصلون؟! فهل ينقصنا اقتتال طائفيّ وتطرّف دينيّ واستقطاب اجتماعيّ؟! يكفيكم كراهيَة وبُغضٌ؛ عيب عليكم أيّها المُفتِنون، فلن ندع أمثالكم تحوّل تعايشنا الأخويّ الحقيقيّ إلى فوّهة بركانيّة قد يؤدّي ثورانها إلى انفجار لا تُحمد عُقباه.
نعم؛ لقد أحببت يعقوب المسلم وأمير المسيحيّ، أقصد يعقوب المسيحيّ وأمير المسلم، آسف، صراحةً أحببت يعقوب وأمير الفِلَسطينيَّيْن المسلميسحيَّيْن، تمامًا كما ثقّفني ديني وربّوني أهلي وعلّمتني مدينتي الحبيبة حيفا.

(*) صحافيّ حيفاويّ.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]