لم تستكن الخمسينية هناء شحادة للورم الذي أصاب جزءّا من جسدها، فنفضت عن نفسها غبار الوجع والألم الذي سببه لها مرض سرطان الثدي منذ عام 2009، وبحثت عن منفذ تتنفس منه الحياة من جديد.

صدمة شحادة من مدينة غزة، بدأت حينما أبلغها الأطباء بعد الكشف بإصابتها بسرطان الثدي، وكانت حينها تخطو في طريق إنجاح مشروع حياة سمته "مأكولات الياسمين"، فثبطها المرض العضال وحال دون انبعاثها للنجاح.

تقول شحادة وهي أم لستة أبناء في حديثها لوكالة "صفا" عن مشوارها مع مرضها: "صُدمت بإصابتي وكنت حينها اتجهّز لتطوير مشروع مأكولات سميته باسم حفيدتي الأولى ياسمين، فضعفت وتحطمت نفسيتي وكانت مرحلة المرض الأولى صعبة جدًا ولا تُوصف".

وتشير إلى أن "الوجع كان شديدًا على مدار عامين. كنت أعاني ووجعي الكبير جرعات الكيماوي التي تسببت بتساقط شعري ودائمًا ما أكون مصابة بدوخة شديدة ولا أستطيع أن أّكل أو أشرب".

"نظرة الشفقة"


لم يقتصر الأمر على الآلام الجسدية التي تجرعتها شحادة، فكان شعور الشفقة من أهل بيتها وأبناءها وأقاربها من حولها عاملًا شدّ من مصابها، ومن هنا قررت أن تصنع واقعًا جديدًا.

وكما تقول: "عندي 6 أبناء وكلهم حولي وزوجي أيضًا، يريدونني أن أبقى في المنزل هذا، إضافة إلى مشاعر الشفقة التي كانت توجعني ممن حولي، خاصة وأني شعرت بأني أصبحت عالة عليهم".

وبحسب إحصائيات رسمية لوزارة الصحة فإن معدل الإصابة بالسرطان في فلسطين بلغ 83.8 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة، بواقع 83.9 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة من السكان في قطاع غزة، و83.8 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة من السكان في الضفة الغربية المحتلة.

وأثّر مرض الأم على بناتها الثلاثة وأولادها أيضًا خاصة ابنها البكر، الذي يؤلمها شعوره بالحرقة عليها، حتى أصبحت تكظم غيظها وتتبسم له وتهّون عليه هذا الشعور بأن تطمئنه بأنها راضية بنصيبها.

وتردد بصوت مهتز: "لا أحب أن أكون ثقلًا على أحد فأنا قوية من يومي، ولهذا قررت عام 2011 أي بعد عامين من المرض، أن أعود لمشروع حياتي الذي بدأته، فدعمت نفسي بنفسي وقررت أن أنسى وأثبت أنني انسانة فعّالة مهما كان المرض".

عودة قوية

استأنفت شحادة عملها في مشروع إعداد المأكولات الشعبية للكثير من زبائنها داخل منزلها، من حلوى ومنتجات ألبان ومعجنات وغيرها، وتؤكد: "نسيت مرضي فيه، حتى أنني كنت أنسى مواعيد الطبيب".

ومع مرور الشهور أصبحت شحادة واحدة من أبرز المعروفين في إعداد المأكولات على الطلب، وشاركت في معارض ومؤسسات لتسويق مشروعها، بل إنها أصبحت مشاركة رئيسية في دخل أسرتها.

وتقول: "كان زوجي يرفض خروجي من المنزل وعملي لأني مريضة كما يراني، لكنني كنت أواجه هذا الرفض، إلى أن عدت بقوة لأطور نفسي ومشروعي وأصبحت أشارك في دخل البيت".

ووفق الإحصائيات، فإن الإناث المصابات بالسرطان يشكلن ما نسبته 52.5% من حالات السرطان الجديدة في فلسطين، في حين بلغت نسبة الذكور47.5%.

ويعتبر سرطان الثدي المنتشر بين الإناث الأكثر انتشارًا في فلسطين بنسبة 33.7% من مجموع حالات السرطان، في حين يأتي سرطان القولون بالمرتبة الثانية بنسبة 9.4% من مجموع حالات السرطان.

تحدي عودة الورم

وعلى الرغم من سكون مرضها بعد علاجها بالكيماوي وعودتها للعمل، إلا أن كشفًا طبيًا قبل نحو أسبوع أظهر عودة الورم السرطاني لشحادة، وهو ما كانت تهيء نفسها له، لكي لا تتراجع قيد أنملة إلى الوراء.

وتقول: "قبل أسبوع أفادني الطبيب بعودة الورم، وكنت أهيء أبنائي لذلك لكي لا يتألموا عليّ، ودائمًا أقول لهم أن الأورام بطبيعتها تعود وأنني متوقعة ذلك ولن أحزن، لكني كنت أخفي حزني في أعماقي وأحاول أن أنتصر عليه".

ورغم عودة الورم، إلا أنه لم يكن سببًا لكي تتراجع عن المشاركة في معرض العون والأمل لرعاية مرضى السرطان "كوني قوية لأجل التغيير"، والذي تنظمه العديد من المؤسسات المختصة على مدار يومين بدءًا من السبت الموافق 11-3-2017، على شرف يوم المرأة العالمي.

وحضرت شحادة بقوة في زاويتها الخاصة بمشروعها "مأكولات الياسمين" داخل المعرض، وتقول عنه: "أعتبر نفسي إنسانة متميزة، ولست خائفة من المرض، بل جئت بيوم الفحص الطبي الذي سيخبرني خلاله الطبيب فيما إذا كنت سأحتاج لعملية إزالة الثدي أم لا".

وخلال المعرض استأذنت أن تغادره لساعتين لكي تذهب للفحص الطبي، وأوصت صديقاتها برعاية زاويتها واستقبال الزبائن، ثم استقلت سيارتها نحو المشفى وهي تردد أن "هذا أمر الله، وأتمنى منه أن يزيل شعور الحزن عن قلبي ويبقيني قوية".

وتتمنى بل وتخطط شحادة في سياق حديثها لوكالة "صفا" لأن تطوّر مشروعها بافتتاح مطبخ لإعداد المأكولات الشعبية والحلوى، لكي تصل إلى حلمها بأن تكون سيدة معروفة وناجحة فيه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]