أذكر أنه في الأسابيع الاولى للكنيست بعد الانتخابات الأخيرة، دأب اعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي، ودأبت وسائل الاعلام العبرية في كل مقابلة معنا، على طرح السؤال "الاستشراقي": متى ستنفصلون عن بعضكم في القائمة المشتركة؟ لكن سرعان ما تراجع هذا السؤال تدريجيًا مع مرور الوقت، وذلك على ضوء استمرار عمل المشتركة كقائمة واحدة، رغم تصاعد بعض النقاشات الداخلية بين الحين والآخر. وها هي المشتركة تنهي بهذه الايام عامها الثاني بعد الانتخابات الأخيرة.
لقد برز التعاون والتنسيق في القائمة أساسًا على مستوى المجهود البرلماني، وذلك بحكم العمل ككتلة واحدة أمام هيئات الكنيست المختلفة، وخاصة بما يتعلق بتوزيع العمل في اللجان البرلمانية المختلفة وتقسيم المسؤوليات بين الأحزاب وبين النواب، والتنسيق في مجال المقترحات والنقاشات على جدول أعمال الكنيست، الأمر الذي ترك انطباعًا ايجابيًا (نسبيًا طبعًا) داخل أروقة الكنيست حول عمل المشتركة والتعاون بين مركباتها الأربعة، على الأقل مقارنة مع التوقعات الأولية للأحزاب اليهودية الأخرى.
وللحقيقة، فان لتراكم التحديات في العمل البرلماني في مواجهة القوانين العنصرية الجديدة (مثل قانون الإرهاب وقانون طرد النواب وقانون كمينيتس وغيرها)، ولتراكم التحديات الميدانية المتواصلة أيضًا (وخاصة قضايا هدم البيوت وأم الحيران ودهمش وغيرها)، كان دورًا ايجابيًا في الحفاظ على سيرورة العمل المشترك بالقائمة، وذلك أزاء الحاجة الحقيقية إلى عمل موحّد وجامع، برلمانيًا وميدانيًا. وهي حاجة كانت منذ البداية ركنًا أساسيًا في نجاح المساعي لتشكيل القائمة المشتركة.
ولا شك أن الحفاظ على المشتركة كإطار مشترك ترك الأثر الايجابي على ديناميكية المرافعة عن قضايا جماهيرنا العربية أمام الوزارات الحكومية المختلفة، من ناحية، وعلى طبيعة التواصل مع الهيئات والمؤسسات والشخصيات الدولية من ناحية اخرى. وقد جاءت مشاركة كل سفراء دول الاتحاد الاوروبي في اللقاء مع وفد المشتركة ولجنة المتابعة بعد أحداث أم الحيران لتشكل اعترافًا دوليًا بالقيادة الجماعية والوطنية للجماهير العربية.
وأما على صعيد النقاش الداخلي في المشتركة وبين كوادر الأحزاب فيها، فيمكن الإشارة في هذه العجالة إلى ثلاث قضايا ظهرت كمحاور لنقاشات داخلية في عمل القائمة المشتركة: أولًا، النقاش حول صيغة المعادلة الملائمة في الخطاب الايديولوجي وفي العمل اليومي على حدٍ سواء، بين المستوى القومي والمستوى المدني في عمل القائمة، وأهمية بلورة طروحاتنا في ظل الظروف المركبة لواقعنا. ثانيًا، القضايا المجتمعية الداخلية، وخاصة الموقف من مكانة المرأة وحقوقها، والتوتر الذي يطفو على السطح أحيانًا بين مقترحات القوانين المدنية والترتيبات الدينية. ثالثًا، التوتر بين العمل الحزبي الانفرادي لكل مركب بالقائمة وبين عمل المشتركة كقائمة واحدة تجمع كل المركبات، وبالتالي ضرورة ايجاد الصيغة السليمة والبناءة للتوفيق بين المجهود على مستوى مركب واحد من مركبات القائمة (وحق هذا المركب بالتميّز وبتقوية الحزب)، وبين الحفاظ على مناخ وحدوي ضروري للحفاظ على أسس المشتركة.
هذه التوترات، الطبيعية جدًا في ظروف عملنا إن صحّ القول، ما زالت تغذي سؤالا اساسيا حول المشتركة: هل ستتبلور المشتركة لمشروع وطني جماعي متناسق ووحدوي أكثر، أم ستقتصر طبيعة المشتركة على ائتلاف انتخابي يجمع الأحزاب تقنيًا بقائمة واحدة تنسيقية، لا أكثر.
لكن النقاشات الداخلية أعلاه، وفي انتظار حسم مستقبلي للسؤال الأخير، لا يجب أن تُفهم وكأنها إساءة للعمل المشترك أو كتعدٍ على فكرة القائمة المشتركة حتى حين يلامس النقاش قضايا جوهرية. بل العكس قد يكون صحيحًا، بمعنى أن ضمان فكرة القائمة المشتركة وديمومتها قد يرتبط فعلًا بفتح المجال لسجال وحوار داخلي غني وفعّال بحيث لا تشعر كوادرنا الحزبية بأن المشتركة تغيّب النقاشات الفكرية الهامة وتطمس التباينات التي قد تكون أساسية في ايديولوجية الحزب، وفي أعين مؤيديه. الصيغة المرجوّة إذًا للعمل المشترك في القائمة بحاجة إلى مرونة فكرية وتتظيمية باتجاه تعددية فكرية وايديولوجية اكثر، لكن في قائمة موحدة أكثر أمام المؤسسة الرسمية وأمام الجماهير، تنظيميًا وميدانيًا. يبقى التحدي بالتغلب على الذات الفردية، التنظيمية او الشخصية، من أجل المصلحة المشتركة لفكرة القائمة المشتركة، وهي المصلحة التي يجب أن توحد العمل وتوجهه.
ولا شك ان هذه التجربة القصيرة نسبيًا للمشتركة بحاجة إلى رعاية أكثر، ويجب العمل على انجاحها وتطويرها أزاء الأخطار الخارجية والداخلية التي تواجه مجتمعنا، وباعتبار العمل الوحدوي المشترك ضرورة وطنية واجتماعية. صحيح أن هناك بعض المسلكيات أو النزعات هنا أو هناك وفي تقاطعات محلية أو اقليمية معينة قد تكون محط اختلاف أو نقاش، لكن هذا لا يجب أن يمس في عمق الاقتناع بهذه الخطوة الهامة، آخذين بعين الاعتبار أن هذه التجربة ما زالت ببدايتها، وما زالت تتأثر بطبيعة الحال من التجربة الذاتية المنفردة السابقة لكل إطار سياسي.

بين "الانجازات" و"المساهمات"

ثمة نقاش جماهيري أحيانا حول صحّة وصف نجاحات سياسية أو مجتمعية معينة في سياق العمل البرلماني ب "الانجازات"، ونسبها للعمل الشخصي. فبينما هناك من يصف تحصيل حق معين بالانجاز، ويُبرز أهميته، هناك من يرى بهذا "الانجاز" جزءً لا يتجزأ من مسيرة التقدم لأهلنا، وإن كلمة انجاز هي مبتذلة في سياق النضال التراكمي والتصعيد بسياسات التمييز والإقصاء.
وتزداد حدة النقاش حين يربط السياسي الانجاز بجهوده الشخصية الذاتية، بحيث يظهر النقاش بين من يمدح الانجاز كدليل على النشاط الشخصي، وبين من يرى بالانجاز نتيجة حتمية لعمل تراكمي استمر لسنوات وليس وليد نشاط هذا السياسي أو ذاك بشكل حصري. مثل هذا النقاش يذكرنا بالحكمة العربية القديمة بان الفشل يتيم، بينما للنجاح (وقد يكون نجاحًا متخيلًا) ألف ولي أمر!
ويمكن القول انه في سياق عملنا السياسي الصحيح - وخاصة عملنا النضالي - فان أي نجاح نسبي وموضوعي هو أقرب إلى المساهمات الايجابية منها إلى الانجازات. هي مساهمات تتراوح بين تلك الجدية والأساسية، وبين تلك البسيطة والهامشية. أقول مساهمات لأشير اولًا إلى بعدها التراكمي على محور الزمن وإلى دور الناشطين السابقين الذين أثاروا الموضوع وطرحوه واجتهدوا لتحقيقه. أقول مساهمات أيضًا لأشير الى دور الآخرين، كل من موقعه وطريقته، و"الدفشة" التي اعطاها للموضوع.
هي مساهمات ايضًا لأشير انها حقوق اساسية نستحقها بالبداية، وما تحقيقها إلا تحصيل جزء مما نستحقه، وعادة بعد تأخير كبير. هي مساهمات من جميعنا، كمجتمع واحد، ومن أجل قضيتنا الواحدة، وهذا هو الأساس.
وحين يكون "الانجاز" ذا بعد شخصي، فهو عادة يأتي بعيدًا عن المفهوم الجماعي الحقيقي للانجاز، ويفقد بذلك قيمته الحقيقية الفعلية في أعين الجماعة. بينما كلما كان "الانجاز" نتيجة مساهمة جماعية كلما اقترب إلى مفهوم التغيير الحقيقي الذي تحدثه الجماعة على أرض الواقع، واقتنعت بحجم هذا الانجاز. ولا شك أن التحديات والمخاطر أمامنا تستوجب تضافر الجهود الجماعية وتوطيدها نحو ذلك التغيير المرجو.

قانون طرد النواب كقانون تدجيني

وضمن هذا السياق، يجب فهم قانون طرد أعضاء الكنيست الذي سنته الكنيست بدورتها الأخيرة، كقانون لم يأت فقط ليحدّ من حق المواطنين العرب باختيار وانتخاب ممثليهم، كما اسهبنا في مناسبات أخرى، بل ان اليمين يحاول من خلال هذا القانون "دق الاسفين" داخل القائمة المشتركة عبر محاولة فرز تباينات بين أعضاء المشتركة، وفقًا للمعجم الاستخباراتي، بين "نواب متطرفين" و "نواب معتدلين"، وهو ما يجب أن نرفضه جملةً وتفصيلًا، وأن لا نقبل أن تُصنّف مواقفنا وفقًا للحدود التي يضعها لنا نواب ووزراء في أكثر الحكومات تطرفًا. في قانون طرد النواب محاولة واضحة المعالم لتدجين العمل البرلماني من خلال المعادلة التالية: "اذا لم تتصرفوا على أهواء الاجماع الصهيوني ووفقًا لرؤيته سيتم إبعادكم من الكنيست او التهديد بالابعاد". ويتزامن القانون مع تصعيد في "الدعاية" المستمرة التي يروّجها اعضاء الكنيست في الاحزاب الأخرى ووسائل الاعلام العبرية بان النواب العرب "منشغلون" بقضايا "الضفة وغزة" ولا يقومون بواجبهم بمتابعة قضايا المواطنين العرب، وهي مقولة تهدف إلى التحريض على النواب العرب اولًا، وتسعى إلى تهميش قضايا الاحتلال في العمل السياسي وكأن الاحتلال يحدث على كوكب آخر، وليس ضد شعبنا وعلى أرض وطنه. هذا السياق التدجيني لقانون الطرد، وما يحمله من رغبات لدق الاسافين في القائمة المشتركة يجب ان يكون نصب اعيننا في اي نقاش قادم حول التعددية داخل المشتركة، وحول انجازات المشتركة ومساهماتها.
للخلاصة: نحو تعددية أكثر في قائمة موحدة أكثر.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]