كتب رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين مقالا اليوم الاربعاء بعنوان "لا تجعلوني استقبل جثثا من داخل السجون"، حمل استغاثة لانقاذ الاسرى المضربين عن الطعام في سجون اللاحتلال لليوم الثامن والثلاثين على التوالي، مع استمرار السلطات الاسرائيلية في رفض مطالبهم المتعلقة بظروف أسر انسانية. 

نرفق لكم المقال كاملا:
نحن الفلسطينيين لا نريد ان نبحث عن البطولة في الموت، بل نريد البطولة في الحياة الشريفة الكريمة، وان بطولتنا هي في صنع مستقبلنا وبناء احلامنا العادية كسائر البشر على هذا الكون.
بعد 399 يوما من اضراب الاسرى المفتوح عن الطعام، وعلى ابواب شهر رمضان الفضيل، لا تجعلوني استقبل جثثا قد تسقط في سجون الاحتلال، لقد اصبحوا يصارعون الموت امام العنجهية الاسرائيلية وعدم التجاوب مع مطالبهم العادلة.
الاسرى ليسوا تحت رحمة القدر الاسرائيلي، يقتلون بهدوء وصمت وبنظام رسمي مدروس، يذوبون وينزفون ويتلاشون، واذا سقط اسير فقد سقط العالم، يموت العالم اذا مات اسير فلسطيني، الكل يموت، لانه لا يبقى اي شيء للمعاني الكبرى المقدسة، لا ديمقراطيات ولا حقوق انسان، ولا خطابات ولا شعارات ولا حريات ولا ثقافات، ولا قمم صغرى ولا كبرى ، لا عدالة ولا قضاء اذا سقط اسير في تلك الظلمات المتوحشة.
لا تجعلوني استقبل جثثا من داخل السجون، يكفي ان الدنيا كلها عجزت ان تعطينا سلاما او أمانا، فلا ترسلوا لنا جثثا في توابيت،صرخوا وتحركوا وجاعوا ولم ينتبه لهم أحد، فالعالم يشارك في المذبحة الجارية، والعالم اغلق ابوابه ولم يسمع الشهقات الساخنة.
لا تجعلوني استقبل جثثا من داخل السجون، لأني ارفض ان اكون مؤبنا ومشيعا ومفوها بارزا في العزاء والجنازات، ستنتهي الجنازة، ويعود الجميع الى اشغالهم، وتبقى في بيت الشهيد الحسرات، القوا الشعارات القديمة، لا أحد يقرأ او يسمع ، فالسجون خرساء كتومة.
لم تعد شروط السلام العادل بإقامة دولة فلسطينية صغيرة في محيط اسرائيل العظمى، اصبح السلام هو ان يعود الشهداء احياء، رأس برأس، ونحن الذين جعنا وقتلنا واعطينا كل ما طلبت الارض والسماء، صلينا وتعبدنا وجرينا في الشوارع والمنافي وغرقنا في البحار ، ولم نأخذ سوى الموت والانزواء والتلاشي.
لن اقف في جنازة لالقي خطبة الهندي الاحمر واعلن شروط استسلامي للموت، لن ابحث عن التورية والرحمة في الكلمات والعبارات لاتجمل بالصبر والنسيان، فلن تصدقني ام الشهيد التي انتظرت وتأملت وملأت الدنيا بالرجاء، لن ترضى عني، لن تسامحني، ستخاف مني وتركض الى ما تبقى لها من اولاد تغطيهم بلحاف حزنها، ستطردني من رضاها وتلعن عجزي.
لا تجعلوني استقبل جثثا من سجون الاحتلال، انتهى الكلام، فلا داعي للصحافة والاعلام والتحليل والتنبؤات، الاسرى يصارعون الموت الان، اكسروا الاقلام، ابحثوا عن مسدس ورصاص، لا تنظروا الى ساعاتكم، انتهى الوقت، لا ملح ولا ماء، جفت العروق وأغلقت الابواب.
ها نحن في خيم التضامن، الكل جاء والكل غادر، ونبقى وحدنا مع الامهات الخائفات المتوجسات، يحملن صور ابنائهن في احضانهن، يطلقن الدعاء، يستنفرن اذا جاء اي مسؤول، ينظرن الى شفتيه كي يقول شيئا، ينظرن الى السماء كي تمطر ، لا يملكن شيئا لعقد صفقة كبرى، امهاتنا يملكن اللوعة والصبر وارضا منقوعة بالدم، ولحما بشريا طازجا تحت التراب او في السجن.
لا تجعلوني استقبل جثثا من سجون الاحتلال، يكفي، استقبلت 10 شهداء منذ عام 2013، وحملنا المسؤولية الف مرة للاحتلال، وطالبنا بملاحقته ومحاسبته وتجريمه على ما يقوم به من جرائم ضد الانسانية في السجون، لم يحدث شيء، ظل الاسرى يخرجون صامتين مخنوقين من بوابات السجون، يكفي، ليبحث كل منا عن مسدس ورصاص.
لا اريد ان اكون شاهدا صوتيا في هذه الحياة، فالاسرى يقتلون ليس بحادث سيارة مفاجيء، ولا بنوبة قلبية حادة، الاسرى يقتلون ببطء على مدار ايام الاضراب، وكلنا نعرف ونرى، كلنا نشهد، نحمل صلباننا ومياه غسل الموتى وكفنا ووردا، نقرأ الفاتحة في ختام الموت، ولا زلنا نسمع الشهقات.
الاسرائيليون لا يريدون فقط ان يأخذوا الحياة منا، بل يريدون ن يأخذوا كل الاسباب التي جعلتنا قادرين قليلا على الحياة، سلبوا بشريتنا وإنسانيتنا، اصبحنا آليين نتحرك وفق نظامهم وتوقيتهم المسلح، وصرنا نعرف اين نموت، اعداما ميدانيا على حاجز عسكري او في زنزانة داكنة في السجن.
الان العن عجزي، انا المواطن في ( يهودا والسامرة) المعلق بين حاجز عتصيون وحوارة، المستباح من الوريد الى الوريد، ها هم قادمون الى غرف نومنا، ها هم يقتحمون ابراشنا في غرف السجن، ها هم يهدمون بيوتنا، ها هم يستوطنون ارضنا ويغتالوا اشجار اللوز.
الان العن عجزي، حياتنا تحتاج الى تصريح من الادارة المدنية والعسكرية الاسرائيلية كي نعيش ونعبر من هنا وهناك، وعلينا ان ندفع لهم تعويضا اذا دافعنا عن حياتنا، وان نذهب مجرورين الى محاكمهم العسكرية كي يتهمونا بما شاءوا، و يعلنوا انهم القوا القبض علينا نحن (الارهابيين)، يكفي، ليبحث كل واحد منا عن مسدس ورصاص.
الان العن عجزي كلما طار خبر من اسير خلف القضبان، ينادي، لا اذهب، اسير مجنونا في الشوارع، فأرى ظلي ليس لي، وانا منقسم كهذا المجتمع، هناك من يموت، وهناك من يلقي الخطاب الاخير على الميتين.
لا تجعلوني استقبل جثثا من داخل السجون، فقد حفظت نشيد السجون جيدا في سجن عسقلان ونفحة، لا تقتلوا كلمات معين بسيسو من فمي وقلبي ونحن نردد معه:
نعم لن نموت، نعم سوف نحيا
ولو اكل القيد من عظمنا
ولو مزقتنا سياط الطغاة
ولو اشعلوا النار في جسمنا
نعم لن نموت ، ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]