بعد انتظار طويل وتأويلات كثيرة، انتهت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، دون اختراقات كبيرة للفلسطينيين.
بالنسبة للقضية الفلسطينية كان التراجع في السياسة الأميركية واضحاً، فلم يتطرّق ترامب خلال جولته بالمطلق إلى حل الدولتين، ولم يؤكد الثوابت الأساسية في السياسة الأميركية، تاركاً الأمور على عواهنها بحيث يفهم كل طرف ما يريد.

الإسرائيليون، وعلى رأسهم المستوطنون، فهموا من الزيارة أن ترامب هو الرئيس الأميركي الأكثر تأييداً لإسرائيل، والذي يتبنى مواقفها بشكل كامل، فيما اعتبر أقطاب اليمين المتطرف أن ترامب جبّ تعهدات من سبقه من رؤساء أميركيين.

لاقت زيارة ترامب لا مبالاة على المستوى الشعبي الفلسطيني، لأن التوقعات من الزيارة لم تكن كبيرةً في الأصل. أما على المستوى الرسمي، فلا شك في أن الحذر كان سيّد الموقف، وإن كان الأصل التأكيد على الرؤية الوطنية للسلام دون الاصطدام مع ترامب.

جاءت كلمة الرئيس الأميركي خلال زيارته الرمزية إلى بيت لحم - والتي لم تتجاوز الساعة والنصف - ذات خطوط عامة، دون التطرّق إلى القضايا الأساسية، تاركةً الباب مفتوحاً للأطراف المعنية إيجاد الحل السياسي. بمعنى ترك الأمور على ما هي عليه. فلا نتنياهو يرغب بتغيير اللعبة السياسية ولا قادة الاحتلال يرغبون في أن تستأنف المفاوضات على قاعدة حل الدولتين أو حتى على ما تم التوافق عليه سابقاً ولو بحده الأدنى.

إلى هنا تبدو الأمور عاديةً، ولكن غير العادي هو التسريبات التي تصدر من هنا وهناك، حول رؤية ترامب للسلام الإقليمي القائم على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية وخاصة مع دول الخليج، ما يؤسس قاعدةً للبدء بمفاوضات جدية لحل القضية الفلسطينية. 

إذن، هي رؤية خطيرة جداً، وهي بمثابة وضع العربة أمام حصان الحل، وتركها تراوح مكانها لقرن قادم.
السلام الإقليمي، يعني دخول إسرائيل بقوة إلى قلب العالم العربي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على قاعدة أنها جزء أساس من تحالف يقوم على مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة.
نتنياهو من أكبر المشجعين لهذه الفكرة، وهو أول من طرح السلام الإقليمي ولكن بمفهوم أقل خطورة مما هو مطروح اليوم، فقد كان يرغب في تحسين الأوضاع الاقتصادية واستخدامها حجة لإلغاء مفهوم الدولة الفلسطينية، لأن الفلسطينيين وفق وجهة نظره بحاجة إلى اقتصاد قوي وليس إلى سياسة تتسبب بمعاناتهم.
رؤية ترامب ومستشاريه للسلام الإقليمي تعني نهاية أي مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي حتى لو كانت أقل من حكم ذاتي.
لا شك في أن ضعف الفلسطينيين وانقسامهم أسس لمثل هذه الأفكار والرؤى، لأن الضعف لا يمكن أن يواجه مجموعة من القوى تتوحد اليوم في سبيل مصالحها ضده.
جولة ترامب لن تكن نهاية المطاف، وإنما بداية تتبع لمسار سياسي سيقوم على رؤيته الأساسية، ولهذا ترك مستشاره لمنطقة الشرق الأوسط جيسون غرنبيليت ليكمل المهمة من خلال لقاءات مكوكية مع القيادة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي.

غرنبيليت الذي يبلغ من العمر خمسين عاماً هو يهودي أرثوذكسي ومحام متخصص في شؤون العقارات وأحد أهم مستشاري رجل الأعمال ترامب قبل أن يكون رئيساً، وقد عيّنه ترامب مستشاراً له لشؤون الشرق الأوسط لعلاقته الروحية بإسرائيل، وهو الذي يقوم بزيارة سنوية عائلية لها، ومع ذلك فهو يحاول قدر الإمكان إيجاد نوع من التوازن السياسي، ربما ليكون مثالياً نوعاً ما.

في ظل الضغوط الممارسة على القيادة الفلسطينية خارجياً وداخلياً ربما كان الأخطر هو العودة للمفاوضات خلال الأشهر القادمة بعد التخلي عن الشروط المسبقة وعلى رأسها قضيتا الاستيطان والأسرى.
أصبح واضحاً أن إفرازات الوضع القائم اليوم ليست في صالح الفلسطينيين، وأن القضية الفلسطينية لم تعد بالمطلق هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وأن الشعب الفلسطيني لم يعد بوارد كثير من الجماهير العربية.
الأسابيع القادمة ستكشف ربما ما لا نتمناه، بحيث تستكمل خطوات خنق قضيتنا الفلسطينية تحت شعارات كثيرة تبدأ بمحاربة الإرهاب ولا تنتهي بإعادة إعمار الدول المدمرة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]