حصدت الجمعة الأولى من رمضان أرواح عديدة من المواطنين العرب بسبب انتشار الجريمة والقتل في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة دون رادع او حل تمارسه المؤسسات المعنية والسلطات لمحاربة ومنع الظاهرة واجتثاثها من جذورها، خاصة في كفرقاسم والناصرة والرملة حيث أصبحت الجريمة مزدوجة والاعداد في تزايد فمنذ بداية العام قمنا بأحصاء 32 ضحية قتل وكأنه خبر طبيعي نتلقاه فقط بالاستهجان والاستنكار عبر صفحات التواصل الاجتماعي ونعقد اجتماعات طويلة دون الوصول الى حلول فعلية تحد من الظاهرة وتخفف منها بل بالعكس الظاهرة في تفاقم وازدياد تحيطها الضبابية من جميع الجهات حول الأسباب التي وصلت بنا الى مجتمع يتقبل القتل كتقبله لأي امر اخر.

ويطرح السؤال، هي سياسة ممنهجة لضرب وحدة المجتمع وخلق الفتن تمارسها الشرطة التي أعلنت عجزها عن محاربة الظاهرة ومعاقبة الجناة وجمع الأسلحة ام استهتار وتهميش للتربية الاجتماعية والبيتية وإقامة مؤسسات ونوادي وحملات توعية لحماية شبابنا والنهوض بالمجتمع من جديد من مستنقع الظلام والفقر والجريمة.

الى ذلك.. الكثيرين رأوا بقرار اضراب المدارس في كفر قاسم حتى نهاية السنة الدراسية قرار غير مسؤول وعلى لجنة المتابعة والاتحاد القطري للجان اولياء الامور او وزارة المعارف ان تتدخل لمنع مثل هذا الاضراب كونه قرار يضر بطلابنا وبمجتمعنا ولا يمكن محاربة الجريمة بارتكاب جريمة أخرى، كما انتقد المعظم دور المتابعة والقيادات السياسية بمحاربة العنف واتهموهم بالتخاذل في حين ان البعض الاخر رفض تحميلهم كامل المسؤولية.

انتشار العنف هو دليل على فشل بعض الاجهزة في المجتمع العربي كالجهاز التربوي الرسمي

الحقوقي علي حيدر قال ل "بكرا": ليس هناك حلول سحرية لظاهرة العنف، هنالك حاجة لحركة مجتمعية شاملة لمواجهة العنف. لقد قيل الكثير عن اسباب وتبعيات انتشار الجريمة والحلول الممكنة لظاهرة العنف المستشرية والآخذة بالاتساع والانتشار من جانب والتصعيد والقساوة والحدة من جانب آخر. ولكن يترتب علينا جميعا الانتقال من القول والتنظير والتباكي واللطم وجلد الذات والتوقع من الحكومة ان تحل لنا مشاكلنا الى الفعل الفردي والجماعي؛ بمعنى انه يجب العمل مع الفرد ومن ثم في جميع الدوائر المجتمعية الاخرى.

وتابع منوها: العنف ليس منوطا على فعل عيني فقط ولكن هنالك منظومة مركبة تشمل العديد من العوامل الفاعلة ولذلك فالحلول هي ايضا مركبة. علينا اخذ المسؤولية على تقديم مشروع اخلاقي جامع وبث التفاؤل لدى جيل الشباب الذي يعيش حالة احباط وتوتر وضغوط وفي الغالب ينشأ ويترعرع في بيئة فقيرة تعاني من اوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة ويبحث عن الغنى السريع دون التفكير للأمد البعيد.

وأضاف قائلا: يجب عدم المبالغة بما يمكن ان تقوم به القيادة السياسية لحل مشكلة العنف ولكن بتظافر الجهود بين القيادات في جميع المجالات الدينية والتربوية والاكاديمية والاقتصادية والشعبية والعمل في مستوى الرؤيا من جانب والتنفيذ والتواصل مع الناس على مستوى الفرد والاسرة والحارة والبلدة من جانب اخر يمكن بذلك احداث تغيير ايجابي تدريجي. ان انتشار العنف هو دليل على فشل بعض الاجهزة في المجتمع العربي كالجهاز التربوي الرسمي والحكم المحلي.

وتطرق الى الشرطة قائلا: كما يبدو؛ فان الشرطة متواطئة مع ما يحدث فهي قادرة على الوصول الى المجرمين وعصابات الاجرام ولا تفعل ذلك. يجب مطالبتها بالعمل ولكن عدم التوقع منها مساهمة جدية لحل مشكلة العنف، فكل واحد منا مسؤول وكل واحد منا يجب ان يعمل.

وعن حادثة كفرقاسم وغضب بعض السكان خلال اجتماع المتابعة قال: ممكن تفهم اهالي كفر قاسم الدامية الذين عبروا عن احتجاجهم في لحظة غضب من قرار أغلاق المدارس من منطلق ضمان امان الطلاب والضغط على الحكومة والشرطة وجهاز التعليم، علما انه يجب العودة الى مقاعد الدراسة بأسرع وقت ممكن وتخصيص فعاليات ونشاطات تقدم مشاريع اخلاقية وتعزز الانتماء والتضامن والمحبة والتعددية واحترام الاخر وعرض طرق لحل الصراعات والاختلافات بوسائل غير عنيفة.

حتى اللحظة لم نتحرك بصورة جدية لمحاربة العنف والجريمة!

المحامي رضا جابر مدير مركز امان، مركز مكافحة العنف في المجتمع العربي قال بدوره: القتلة في كفرقاسم يعرفون بأن احتمال القبض عليهم ومعاقبتهم هو غير قائم، لذلك يستمرون بتماديهم وهكذا في كل مجتمعنا، لا قصاص، قانونيا واجتماعيا واقتصاديا، كسر حلقة الجريمة هو بكسر هذه المعادلة والشرطة هي المسؤولة عن القصاص القانوني والاقتصادي وقد فشلت فشلا ذريعا بذلك وحالات القتل المتكررة عن بعد مسافات قصيرة من الشرطة في كفر قاسم دليل على فشلها.

وتابع جابر قائلا: القصاص الاجتماعي والاقتصادي ايضا هو من مسؤولية مجتمعنا، ونحن فشلنا بذلك بقدر فشل الشرطة، نحن حولنا هؤلاء الى قادة ونخب في مجالسنا، اما خوفا واما تملقا واستفادة. يجب ان يتشابك هذين البعدين من القصاص مع مشروع وطني موازي لتجفيف مستنقع مسببات العنف من فقر، فقدان السلطة التربوية والاخلاقية، انقاذ الشباب والشابات من الانزلاق في الجريمة، حل النزاعات الصغيرة والكبيرة والاهم اعادة الايمان الى مجتمعنا كمشروع له مستقبل عوضا عن الضياع وعدم الثقة لصالح المصلحة الفردية، بدون كل ذلك نحن سنغرق في الرمال المتحركة للجريمة والعنف. المطلوب الان ان نتحرك بكل هذه الاتجاهات وبصورة جدية لأننا حتى اللحظة لم نفعل ذلك.

جذور الاجرام تعود الى تذويتنا للعنف في مجتمعنا كجزء شرعي ومشروع من التربية في البيت


الدكتور ثابت أبو راس مدير صندوق إبراهيم عقب بدوره قائلا: الاجرام وصل ذروته في مجتمعنا حيث حصد نهاية هذا الاسبوع خمس ضحايا ووصل عدد القتلى الى 32 ضحية منذ بداية هذا العام منهم 7 ضحايا في كفر قاسم فقط و7 اخرين في يافا. ان العنف وردة فعلنا عليه هي المقدمة الاولى لحوادث الاجرام في مجتمعنا. جذور الاجرام تعود الى تذويتنا للعنف في مجتمعنا كجزء شرعي ومشروع من التربية في البيت وردة فعلنا على حوادث الاجرام وعدم قدرتنا على الاتفاق فيما بيننا حول سبل مقاومة الاجرام ووضع خطة شاملة لمكافحة ذلك.

وأضاف قائلا: غير مقنع باتهام الشرطة بكل ما يحدث بيننا من اجرام وعنف، نعم الشرطة مثل غيرها من المؤسسات والوزارات الاسرائيلية تمارس ضدنا سياسة تمييز ولا تقوم بواجبها في ضمان الامن الشخصي للمواطنين العرب ولكن من جهة اخرى هناك من يريد اعفاء الشرطة من مسؤولياتها ومقاطعتها علما اننا كمواطنين في الدولة من حقنا ان نطالب خدمات شرطوية متساوية بالمقابل علينا "التعامل" مع الشرطة والضغط عليها ومراقبة عملها بشكل متواصل. بالإضافة الى ان اقامة وحدات تطوع في كل بلدة سيخفف من حدة العنف والجريمة ويمنح بعض الامان للمواطنين.

مواطنون يتحدثون: الشرطة تتعامل معنا كشعب محتل وهي تتميز في قمع المظاهرات الجماهيرية وتجند لها كل طاقاتها بينما لا تحرك ساكنا لمحاربة الجريمة

المواطن الفحماوي احمد جبارين قال معقبا حول انتشار الجريمة ل "بكرا": ان العين لتدمع والقلب يعتصر ألما لما نشاهده ونسمعه في الآونة الاخيرة وخصوصا عندما سمعنا خبر مقتل شابين في مقتبل العمر بعد خروجهما من صلاة التراويح. هذا الوضع الحزين المستشري في مجتمعنا يبعث على القلق خصوصا اننا في الشهر الفضيل، والذي من المفروض على الاقل في هذه الايام الفضيلة ان نكون متحابين، وان نكون يدا واحدة.

وتابع: ان ظاهرة العنف والجريمة هي ظواهر خطيرة تخل بالأمن والأمان في مجتمعنا الذي يريد ان ينعم بحياة آمنة مطمئنة خالية من التوتر وإطلاق النار ليل نهار بدون اي رقابة. اعتقد ان للأهل دور هام في تقليص هذه الظواهر حيث ان التربية قبل كل شيء. كذلك التوعية من قبل البلديات والمجالس المحلية لفئة الشباب والحث على المخاطر المترتبة من مظاهر العنف.

وقال معين عرموش ل "بكرا": نحن للأسف امام آفات عنف وجريمة آخذة بالانتشار دون رادع او حل في الأفق لا رسميا على مستوى المؤسسات المحلية والقطرية ولا شعبيا على مستوى المجتمع. لمكافحة الآفة علينا اتباع الجانب العلاجي والجانب الوقائي ولمعالجة الآفة علينا معرفة الأسباب أولا وهي متعددة الجوانب والمسؤوليات وعلى رأسها غياب تخطيط سليم يحاكي الشباب واحتياجاتهم بالأساس، غياب دور الاهل في التربية وتهذيب الابناء غياب برنامج للتربية على القيم في المدارس، غياب توجيه تعليمي لطلابنا، تحجيم الدور التربوي والتعليمي والرادع للمعلم، غياب نوادي شبيبة في كل البلدات، غياب مرافق ومنشآت ترفيهية ملائمة، غياب احتمالات حصول الشباب على مسكن وامور عديدة أخرى.

وتابع: ان كل هذه النواقص تدفع شبابنا الى الاحباط واخذ مبادرات شخصية وسريعة للوصول الى أهدافهم حتى لو كان ذلك عن طريق العنف او الجريمة لذلك نلاحظ ان ظاهرة الجريمة المنظمة، العصابات، تجتاح مجتمعنا ومنذ فترة طويلة وفي بعض البلدات اصبحوا يقررون من سيكون رئيس السلطة المحلية على سبيل المثال ولاحقا سيقررون من سيكون مدير المدرسة ودواليك حتى يتحكموا بالمجتمع تحكما كاملا، وبما ان الشرطة تتعامل معنا كشعب محتل وهي تتميز في قمع المظاهرات الجماهيرية وتجند لها كل طاقاتها بينما لا تحرك ساكنا لمحاربة الجريمة والعنف في مجتمعنا فهي تملك كل الوسائل القانونية والمادية والمعنوية لمحاربة هذه الآفات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]