لم يكن وضع القضية الفلسطينية في وقت من الأوقات أسوأ مما هو عليه اليوم، حيث نكاد نفقد عناصر القوة التي تمتعنا بها على مدار الخمسين عاماً الماضية منذ انطلاقة الثورة وتشكيل منظمة التحرير.

إن أكبر خسارة وربما ضربة في الروح الفلسطينية هي الانقسام، فمنذ انقلاب حركة حماس في العام 2007 وحتى اليوم تراكم الضعف والوهن حتى أخذ يظهر على جسد القضية الفلسطينية بشكل واضح.

إقليمان منفصلان في الضفة الغربية وقطاع غزة بنظامين سياسيين لا يوجد قاسم مشترك بينهما سوى الدفعات المالية من ميزانية السلطة لموظفيها في قطاع غزة والموجهة لتمكين القطاعات الأساسية - ومن بينها الصحة والكهرباء والمياه - من الاستمرار.

ولكن في الأسابيع الأخيرة، بدأت الأمور تأخذ منحى عكسياً تماماً، وأصبح الانقسام أكثر تجذُّراً، ولا ندري إلى أي وضع سنصل خلال الأسابيع القادمة، خاصة في ظل شائعات كثيرة من هنا وهناك حول تغيير أسس اللعبة السياسية في قطاع غزة.

في الضفة الغربية سلطات الاحتلال تكثّف عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي، وربما فاق حجم البناء في العام الجاري والمنصرم أضعاف ما قد أقيم خلال السنوات العشر ماضية. بل أكثر من ذلك، فإن كتلاً برلمانية إسرائيلية أنجزت مشروع قانون سيتم التصويت عليه في الكنيست يدعو إلى إعادة السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات التي أخليت في شمال الضفة الغربية.

سياسة الخنق الاستيطاني تسير دون أي اعتبار لضغوط أو تأثيرات خارجية. فالصمت سيد الموقف الأميركي، حتى وإن كان هناك موقف، فلا يتعدّى الطلب بتذلّل من أجل الحدّ وليس وقف البناء الاسيتطاني. أما البيانات الأوروبية فإنها في النهاية لا تساوي الحبر الذي تكتب به.
مئات البيانات الصحافية أصدرتها أوروبا خلال العقود الماضية حول الاستيطان، فماذا غيّرت على أرض الواقع.

على الصعيد العربي.. لم يعد للقضية الفلسطينية القيمة التي كانت في السابق.. فلم تعد فلسطين قضية العرب الأولى.. ولم يعد النظام العربي متأثراً بمقولة إن شرعيته مستمدة من التصاقه بالقضية الفلسطينية... وما نشاهده اليوم هو أن الشعوب العربية غارقة بالكامل في أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وغير قادرة بالمطلق على التفكير في شيء آخر. وزلزال "الربيع العربي" خلّف دماراً كبيراً كان أكبر المتأثّرين سلباً فيه القضية الفلسطينية.
وأكثر من ذلك الدول العربية ذات الوزن العسكري المؤيد سابقاً للقضية تم تدميرها، بحيث لن تقوى على العودة إلى ما كانت عليه قبل 50 عاماً. هذا إذا لم يتم تقسيمها إلى كيانات طائفية متصارعة. نحن نتحدث هنا عن سورية والعراق في الأساس.

ومن الملاحظ أن إسرائيل هي أكبر المستفيدين من نتائج "الربيع العربي".
جاءت الضربة الجديدة من أزمة الخليج.. أي ما تبقّى من الخريطة العربية غير المتأثرة بأحداث السنوات الماضية.. والتي، أيضاً، تصبُّ في المصلحة الإسرائيلية.
سلطات الاحتلال سارعت إلى تأييد محور ضد آخر.. على قاعدة أنها مع المحور السنّي ضد الشيعي.. ووصل الأمر إلى أكثر من ذلك عندما أعلن وزراء في الحكومة الإسرائيلية أن القضية الفلسطينية لم تعد ذات أولوية في المنطقة. وبالتالي فإن أسس السلام مع الدول العربية أصبحت شبه واضحة وأن كثيراً من العرب لم يعودوا ينظرون إلى إسرائيل كدولة محتلة... بل إن العلاقات السرية مع بعض العواصم بدأت تظهر للعلن ودون مواربة. والتعاون الاقتصادي أصبح في أكثر من عاصمة شبه علني. وبالتالي ما الذي يجبر سلطات الاحتلال على التقدم في المسيرة السلمية.
إسرائيل هي الرابح في ظل ضعف فلسطيني داخلي وإقليمي وعربي وفي ظل مكاسبها من الحروب الأهلية في المحيط العربي... ومن محاولة استعداد إيران لكسب مواقف سياسية.
أمام هذ الرياح العاصفة التي تضرب مكتسبات الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فإن الاحتلال هو المستفيد الأول من كل ما يحصل، ولن يقدم أي تنازل في سبيل ما يسمى المسيرة السياسية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]