​لم يحل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من أحد عشر عامًا من منع شريحة واسعة من سكانه ممن يعيشون ظروفا اقتصادية وحياتية صعبة جرائه، من الحفاظ على عاداتهم التي ترعرعوا عليها في صناعة كعك العيد الذي يعد "أيقونة" لهذه المناسبة.

ورغم تكاليف الكعك المرتفعة - تبلغ قيمة الكيلو جرام الواحد من الكعك الجاهز نحو 5 دولارات أمريكية- إلا أنهم يصرون على إعداده لتزيين موائد الضيافة أثناء زيارات العيد.

ولأن للطهي أسراره وفنونه، يحول بعض النسوة ممن اشتهرن بإجادة صناعة الكعك وتميزن بطعمه الشهي، بيوتهن لمصانع صغيرة للكعك تُدر عليهن دخلاً في موسم العيد.

ويدخل في صناعة الكعك عدة أصناف أساسية منها "السميد والطحين والسمن والزيت وعجوة التمر".

خلود أبو دقة (24عامًا) من بلدة عبسان الكبيرة شرقي محافظة خان يونس، جنوبي القطاع، واحدةً من تلك النسوة اللواتي يتحول منزلهُنّ لأشبه بمصنع أو متجر صغير، يُنتج كميات كبيرة من الكعك والمعمول وأصناف أخرى من الحلويات.

وتقول أبو دقة لمراسل وكالة "صفا" : "العيد فرصة للسعادة، وكسب الرزق الذي يُعتبر مصدر تلك السعادة؛ فرغم مشقته، وانشغالنا به، إلا أنني أشعر بارتياح وسعادة، لأنني أقوم بإنتاج قوت أطفالي، ومن خلال ذلك أتمكن من شراء كُلفة الكعك والمعمول لهم".

"نعيش ظروفا اقتصادية صعبة، كما كثير من الأسر الغزية، لكن لم نستسلم للواقع، ولا يكاد يمر عيد إلا ويكون الكعك حاضرًا في منزلي؛ عدا الذي أقوم بإنتاجه للزبائن طوال العام، ويزداد في عيد الفطر". تضيف أبو دقة.

وتشير إلى أن "كثير من النسوة لا تقدر على صناعة الكعك بشكل جيد، فيتوجهنّ للطلب مني، وأقوم بشراء المواد الأساسية وتجهيز الكميات المطلوبة، ومن ثم توصيلها لهن للبيوت فيما بناتي الصغار تقمن بمساعدتي في الطهي".

وخصصت أبو دقة إحدى غرف منزلها لتجهيز كميات الكعك والمعمول للزبائن، وتغليفه وتزيينه، في أواني مُخصصة، حتى تحافظ على جودته، ولاستقطاب آخرين، بما يزيد من انتعاش حالتها المعيشية.

وتُجيد أبو دقة، صناعة وطهي كثير من المأكولات الشعبية والحلويات الشهية، منها : "المفتول، المقلوبة، الكبسة، الكعك، المعمول، المقرون، قرن الغزال، أصابع زينت.."؛ تُشارك بها طوال العام في مناسبات وحفلات ومعارض؛ فيما لم يسقط من بالها استغلال مواقع التواصل وتدشين صفحة تنشر وتسوق بها أعمالها.

طقوس سنوية

لم تكُن أبو دقة، وحدها التي تصنع الكعك والمعمول وتبيعه، فتشابه الحال لدى الأربعينية ميرفت الحمايدة، من سكان مخيم الشابورة للاجئين الفلسطينيين، وسط رفح؛ فهي الأخرى تستغل جزءاً من منزلها الضيق وسط المخيم، وتحوله لأشبه بمصنع صغير لإنتاج كميات قبل وخلال العيد.

وتعمل الحمايدة في رفح جاهدةً على تفريغ نفسها لتحظى بوقتٍ وفير لإعداد حلوى الكعك والمعمول الذي يعد طقسًا هامًا من طقوس العيد؛ ولم تعتد العمل وحدها في تحضير هذه الحلوى المحشوة عادةً بعجينة التمر؛ فقريباتها وجاراتها وحتى زوجها سعيدون بالعمل كفريقٍ واحد لتسليم ما يُجهزونه من طلبيات، سواءً عبر الطلب الهاتفي أو حتى التوصيل المنزلي للزبائن.

وتقول ميرفت لمراسلنا : "للعام الخامس تقريبًا أقوم بهذا العام ويتزايد الطلب سنويًا لدي، "أسرتي المكونة من خمسة أفراد يعتمدون جزئيًا على ما نجنيه في نهاية بيع الكعك، فقد يكون قليلاً، لكنه ليس سيئًا".

وتعتمد العشرات من الأسر الفلسطينية على المشاريع الصغيرة أو المتناهية الصغر في توفير مصادر دخل ولو مؤقتة تعينهم على الحياة، في ظل الحصار المطبق.

فرحة العيد

أما المواطنة أمل بريكة، فتقول لمراسل "صفا": "لا أجواء للعيد وفرحة دون الكعك والمعمول، ففي العيد الكل ينتظر أن يتذوق ما تم طهيُه، وتقييم من هو الأفضل شكلاً ومذاقًا، كما أننا نتبادل توزيع كميات فيما بيننا، ولا ننسى أن نُرسل كذلك لأي أسرة غير قادرة على توفيره من الجيران والأقارب".

وتبين بريكة إلى أن هذه الطقوس السنوية، جزء مُهم من حياة الفلسطينيين، فلا يكاد يخلوا بيت إلا وتفوح منه رائحة الكعك والمعمول، فهو ما تبقى من أجواء العيد الجميلة، التي غابت عنا، بسبب الظروف؛ فتلك هي الحلوى الرئيسة بالنسبة لنا في العيد وبعده، نتناولها ونُقدوها للضيوف".

ويُعتبر "كعك العيد" زينة سفرة استقبال الضيوف في "عيد الفطر" لدى مُعظم الأسر الفلسطينية، والعربية بشكل عام، لاعتباره عادةً قديمة، ما يزال التمسك بها قائمًا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]