تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف الأطفال الفلسطينيين، سواء بالقتل أو الإصابة أو الاعتقال، مستغلة حالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها جنودها والتي تضمن لهم الحصانة من أي ملاحقة قضائية.

عبد الرحمن أبو هميسة (16 عاما) من قطاع غزة، طفل آخر قتله جنود الاحتلال بنيرانهم، ليرتفع بذلك عدد الأطفال الذين قتلوا على يد قوات الاحتلال منذ بداية العام الجاري في الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، إلى 13 طفلا، 11 منهم بالرصاص الحي.

وقد أصيب الطفل أبو هميسة بعيار ناري حي في كتفه الأيسر، خرج من الجهة اليمنى من ظهره، عندما كان يشارك في مسيرة تضامنية مع أحداث المسجد الأقصى، في الثامن والعشرين من تموز 2017، بالقرب من الحدود، ما أدى لاستشهاده على الفور.

وحسب شهود عيان، فإن الطفل أبو هميسة كان يبعد عن جنود الاحتلال المتمركزين خلف تلال رملية حوالي 30 مترا، وقد أطلقت النار عليه من قبل جندي يتمركز على تلة، وخلال محاولة إنقاذه من قبل الشبان والفتية المتواجدين في المكان، واصل جنود الاحتلال إطلاق النار ما أدى لإصابة شاب يبلغ من العمر 23 عاما بعيار ناري حي في الساق الأيمن، وطفل يبلغ من العمر 15 عاما بشظيتين في فخذه وساقه الأيسر.

وإن كان الطفل أبو هميسة قتل بصورة مباشرة على يد قوات الاحتلال، فإن الطفل عدي نواجعة (16 عاما) قتل بصورة غير مباشرة، والسبب جسم مشبوه من مخلفات الاحتلال.

وينحدر الطفل نواجعة من بلدة يطا في الخليل، ويسكن مع عائلته التي تمتهن رعي الأغنام في خربة بزيق بمحافظة طوباس.

وقال دعاس نواجعة، عم الطفل، إن المنطقة التي يرعون فيها أغنامهم، منطقة تدريبات عسكرية إسرائيلية، وهذه التدريبات تكون على مدار السنة، وغالبا ما يترك الجنود أجساما مشبوهة بعد الانتهاء من تدريباتهم يتجنبها الرعاة في حال اكتشافها لشدة خطورتها.

مخلفات الاحتلال مصدر للموت

وتابع أنه في الثاني والعشرين من تموز الماضي، كان يرعى الأغنام برفقة ابني شقيقه، عدي وضياء الذي يبلغ من العمر 18 عاما، بمنطقة وادي المخبة في خربة بزيق، ومكثوا حتى حوالي السادسة مساء، وبينما كانوا يجهزون أنفسهم للعودة ابتعد عدي حتى يجمع الماشية وتوقف في ظل شجرة بطم، وعندها حدث انفجار قوي.

وأضاف: "على الفور توجهت لعدي فوجدته ملقى على الأرض على جانبه الأيمن، ومصابا في الجهة اليمنى من رأسه، وأصابع يده اليمنى مبتورة، وقد لفظ أنفاسه الأخيرة أمامي".

نُقل الطفل عدي إلى مستشفى طوباس الحكومي، حيث أفاد الأطباء بأن سبب الوفاة هو إصابة بشظية في الرأس، أدت لنزيف قوي في الدماغ.

ويقول عم الطفل إنه رأى حفرة بها آثار حروق في جذع شجرة البطم التي كان يقف قربها عدي عند حدوث الانفجار، مشيرا إلى أن الشرطة الفلسطينية حضرت للمكان وحققت في ظروف الحادث، وأن طبيعة الجسم الذي انفجر لم تتضح بعد.

ولطالما شكلت مخلفات قوات الاحتلال في محافظة طوباس خطرا حقيقيا على حياة المواطنين والرعاة، خاصة الأطفال، ففي شهر شباط عام 2016 أصيب الطفل ياسر حسن (12 عاما) من قرية تياسير، بحروق بالغة في يده اليسرى ووجهه وصدره، جراء انفجار جسم مشبوه من مخلفات الاحتلال أثناء لهوه به.

طارق العيساوي فقط عينه

أما الطفل طارق محمد "العيساوي" (15 عاما) من قرية العيساوية بمحافظة القدس، فقد انضم إلى قافلة من الأطفال الذين فقدوا واحدة من أعينهم بالرصاص "الإسفنجي"، الذي تستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير في القدس المحتلة.

ففي الحادي والعشرين من شهر تموز 2017، تواجد الطفل العيساوي في منزل قريبة له يقع على المدخل الغربي للقرية قرب محطة الحافلات، وقد كانت تدور مواجهات مع قوات الاحتلال في تلك المنطقة بسبب "أحداث الأقصى"، وعند مغادرته منزل قريبته متوجها إلى منزل عائلته في حوالي الساعة 7 مساء، أصيب بعيار "إسفنجي" في عينه اليمنى.

وقال الطفل العيساوي، في إفادته للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، "شعرت بشيء قوي جدا ضرب في عيني اليمنى، الأمر الذي جعلني أسقط أرضا ولم أستيقظ إلا وأنا في المستشفى، وعندها أدركت أنني تصاوبت في عيني اليمنى، بسبب الضمادات الموجودة عليها".

وتابع: "كنت غير قادر على فتح عيني رغم محاولتي ذلك، بينما كنت قادرا على فتح وإغلاق عيني اليسرى بشكل طبيعي، فأدركت أنني تعرضت للإصابة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت موجودة في المنطقة وقتها بسبب المواجهات المندلعة، لم أر الجندي الذي أطلق النار عليّ، أو مكان تواجده، وعرفت أن العيار الذي أصابني هو من النوع الإسفنجي، لأن الجيش الإسرائيلي يستخدمه بكثرة عندنا وهنالك الكثير من الإصابات بالعيون في القرية بسبب هذا النوع من الأعيرة".

مكث الطفل العيساوي في المستشفى ما يقارب من 12 يوما، خضع خلالها لعملية جراحية واحدة كان الهدف منها استئصال عينه اليمنى التي تضررت بشكل كامل.

وقال: "شعرت بالصدمة، فقد انقلبت حياتي في لحظة، ولكنني قررت أنه يجب عليّ التأقلم مع وضعي الجديد، وكنت كلما فكرت فيما حصل معي يتبادر إلى ذهني العديد من الأطفال أمثالي الذين فقدوا واحدة من أعينهم جراء هذه الأعيرة".

ووثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، عدة حالات لأطفال أصيبوا بهذا النوع من الرصاص، خمسة منهم على الأقل فقدوا واحدة من أعينهم، كما تسبب الرصاص "الإسفنجي" باستشهاد الطفلين محيي الدين الطباخي (10 أعوام) من بلدة الرام، في التاسع عشر من تموز عام 2016، جراء إصابته برصاصة "اسفنجية" في القسم الأيسر من صدره، ومحمد سنقرط الذي استشهد في السابع من أيلول عام 2014 متأثرا بجروحه التي أصيب بها في الحادي والثلاثين من آب 2014، جراء إصابته برصاصة "اسفنجية" سوداء في الجهة اليمنى من رأسه، سببت له كسرا في الجمجمة ونزيفا دماغيا.

وأشار الطفل العيساوي، إلى أنه علم من والده أنه سيتم زراعة عين زجاجية "تجميلية" مكان عينه التي فقدها، في شهر تشرين الأول المقبل، في مستشفى العيون بمدينة القدس المحتلة.

ولعل الحظ حالف الطفل فراس داود (17 عاما) من مدينة نابلس، الذي أصيب بعيار معدني مغلف بالمطاط في وجهه، في الرابع والعشرين من شهر تموز 2017، خلال مواجهات مع جنود الاحتلال، فأخطأ عينيه واستقر في الجهة اليسرى من فكه، اضطر الأطباء إثرها إلى إجراء عملية جراحية لإزالته.

وقال الطفل داود، في إفادته للحركة، "حاليا أنا آكل بصعوبة بسبب جرحي بالفك الذي ما زال يؤلمني، وأعتمد على السوائل".

وكذلك كان الحال مع الطفل محمد حنني (17 عاما) من قرية بيت فوريك شرق نابلس، الذي أصيب بعيار من نوع "توتو" خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي على حاجز حوارة جنوب المدينة، في الثامن والعشرين من الشهر الماضي.

وأفاد الطفل حنني، للحركة العالمية، بأن الجندي الذي أطلق الرصاص عليه كان يبعد عنه حوالي 20 مترا، مبينا أن الرصاصة أصابت الجهة اليسرى من وجهه.

وقد أظهرت صور الأشعة أن الطفل حنني أصيب بعيار من نوع "توتو" في الفك السفلي أدى لكسره، وقد منعه الأطباء من الأكل لمدة أربعة أسابيع، والاعتماد فقط على السوائل خلال هذه الفترة.

من جانبه، قال مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-عايد أبو قطيش، إن سياسة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها جنود الاحتلال، وعدم تفعيل مبدأ المساءلة، سيزيد من هذه الجرائم ويشجعهم على المضي قدما في انتهاكاتهم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]