في أكثر من مرة خصصت لجان التنظيم والبناء في خارطة هيكلية أرضا ما للمصلحة العامة وصادرتها رسميا ولكنها بعد ذلك لم تستغل الأرض للمصلحة العامة رغم مرور وقت طويل منذ قرار المصادرة. هل يحق لصاحب الارض في مثل هذه الحالة ان يستعيد أرضه المصادرة؟
هذا هو السؤال الذي ناقشته محكمة العدل العليا في قرارها مؤخرا قبول التماس مواطنين من مدينة بيتح تكفا إلغاء مصادرة أرضهم التي صودت منذ سنين للمصلحة العامة (ملف رقم 15/2784 بلدية بيتح تكفا ضد يوسف سموحة وآخرين، قرار من تاريخ 20.7.17) في هذه القضية صادرت بلدية بيتح تكفا أرضا للمصلحة العامة ولكنها حتى اليوم لم تستعمل الارض للمصلحة العامة. وعلية توجه اصحاب الارض للمحكمة المركزية في اللد وطالبوا بابطال المصادرة واستعادة الأرض. قبلت المحكمة المركزية الالتماس وأبطلت المصادرة لكنها لم تغيّر تخصيص الارض في الخارطة الهيكلية كأرض للمصلحة العامة. بلدية بيتح تكفا استأنفت على القرار لمحكمة العدل العليا وطالبت بابقاء المصادرة سارية المفعول ومن الناحية الاخرى قدم اصحاب الارض استئنافا مضادا على القرار مطالبين بابطال تخصيص الأرض في الخارطة الهيكلية كأرض للمصلحة العامة بعد ان ابطلت المحكمة المركزية مصادرتها. وبعد النظر في القضية، رفضت محكمة العدل العليا كلا الاستئنافين بمعنى انها ابقت قرار ابطال المصادرة على حاله كما رفضت طلب اصحاب الارض بابطال تخصيص الارض تنظيميا كأرض للمصلحة العامة. وعليه ابطلت مصادرة الارض وعادت لملكية اصحابها الاصليين ولكنها في الوقت ذاته بقيت مخصصة تنظيميا كأرض للمصلحة العامة. 

لا يعتبر قرار محكمة العدل العليا في قضية سموحة المذكورة الاول من نوعه لأن محكمة العدل العليا والمحاكم المركزية في البلاد أبطلت في السابق في عدة حالات قرارات مصادرة لقسائم أرض خصصت للمصلحة العامة بعد ان تبين للمحاكم ان الأراضي المصادرة لم تستغل للمصلحة العامة التي صودرت الارض من أجلها. مع ذلك تكمن أهمية القرار الأخير أنه وضّح من جديد المبادىء القانونية لابطال مصادرة أرض واود في مقالتي الموجزة هذه ان أرسم الخطوط العريضة لهذه المبادىء مع ان تطبيقها قد يتغير حسب حيثيات كل قضية وحالة.
اولا، لا يمكن مصادرة ارض الا لهدف واضح ومحدد. لا يمكن مصادرة ارض بحجة الحاجة لها للمصلحة العامة دون ان يعرف المواطن والجمهور لاي غاية محددة صودرت الارض. هذه الشفافية تمنح المحكمة أيضا الأدوات الضرورية لتحسم ان كانت المصادرة عادلة ومعقولة لا سيما ان كان حجم الارض التي صودرت يتناسب مع المصلحة العامة التي صودرت لاجلها وأيضا فحص معايير أخرى ضرورية ترتبط بشرعية المصادرة.
ثانيا، في اغلب الحالات تستغرق إجراءات التخطيط وإعداد الارض المصادرة من اجل استعمالها للمصلحة العامة زمنا طويلا وقد ينبع ذلك من تعقيد المشروع المنوي بناؤه او من انعدام الموارد المادية والمهنية لتنفيذ المشروع. وفي هذه الحالات قد تبقى الارض مصادرة على الورق سنوات عديدة لا ينتفع منها الجمهور ولا ينتفع منها صاحب الارض. وعليه، تستطيع المحكمة في مثل هذه الحالات ان تبطل مصادرة الارض اذا لم تثبت لها لجنة التنظيم او السلطة المحلية ما فعلته على مدار السنين من اجل استغلال الارض للمصلحة العامة وانها لم تهمل يوما المصلحة العامة التي لاجلها صودرت الارض.
ثالثا، وفِي سياق الحديث عن المبدأ السابق ميزت المحكمة في قرارها بين إجراءات تخطيط عامة واجراءات تخطيط عينية تخص الارض. ذلك انه في حالات معينة تحافظ لجنة التنظيم والبناء على الارض من اجل استغلالها مستقبلا في إطار مشروع شامل للبلد او للمنطقة القريبة من الارض وعندها فقط ستقرر لجنة التنظيم لأي غرض ستستغل الارض المصادرة. مع ذلك أكدت المحكمة انه حتى في مثل هذه الحالات على السلطة المحلية ان تعلم المحكمة لأي غرض عيني ستستغل الارض في نهاية التخطيط الشامل وبشكل واضح وغير ذلك يكون ابقاء المصادرة من اجل الحفاظ على "احتياط" من الاراضي المصادرة فقط وهو ما يمس حق الملكية وعدالة الإجراءات الإدارية بشكل غير قانوني.
رابعا، ان إلغاء المصادرة لا يؤدي فورا الى ابطال تخصيص الارض كأرض للمصلحة العامة. وتؤكد المحكمة في قرارها انه عدا عن حالات خاصة جدا لا تستطيع المحكمة ان تامر بتغيير تخصيص الارض كما كان تخصيصها قبل مصادرة الارض. ابطال المصادرة في مثل هذة الحالة يعني ان تعود الارض لملكية صاحبها الاصلي من حيث الملكية ولكنها تظل من الناحية التنظيمية للمصلحة العامة. هذا الوضع يحفز صاحب الارض ان يبادر الى تقديم خاطة تفصيلية لتغيير تخصيص الأرض من جهة وان تفحص لجنة التنظيم بشكل مهني وسليم ان كانت هناك حاجة حقيقية لمصادرة الأرض للمصلحة العامة، من جهة اخرى.
انوه أخيرا ان قرار المحكمة عالج قضية مصادرة ارض حسب قانون التنظيم والبناء وهذه الحالة تختلف عن مصادرة ارض حسب قوانين أخرى لها ترتيبات وحيثيات خاصة. على أي حال، اعتبر قرار محكمة العدل العليا بمثابة إشارة تحذير للجان التنظيم والسلطات المحلية ألا تصادر ارضا الا بعد التأكد بشكل مهني وعميق ان هناك حاجة حقيقية لاستعمال الأرض لمصلحة عامة محددة وانها قادرة فعلا على استعمال الأرض للمصلحة العامة في وقت معقول.
*يعمل الكاتب أيضًا باحثا للقب الدكتوراة في القانون في جامعة تل ابيب.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]