في الزيارة الرابعة التي يقوم بها نتنياهو إلى موسكو خلال 16 شهراً، لكنها الأكثر أهمية بالنظر إلى اتفاق بين مختلف أطراف الحرب على سورية، من أن هذه الحرب باتت في نهاياتها، إسرائيل ليست المستفيدة الأولى من هذه الحرب فحسب، بل أنها الأكثر استعداداً لبحث خريطة المنطقة إثر نهايتها وبحيث تشارك في رسم هذه الخريطة، من هنا تأتي أهمية هذا اللقاء بين نتنياهو وبوتين في سوتشي اليوم الأربعاء، ومن الواضح أن الأول سيذكر الثاني أن البلدين، إسرائيل وسورية باتا «جيراناً» بعد الوجود الروسي المؤثر في الأراضي السورية، وسيقول نتنياهو لبوتين إن القوات الروسية نجحت في الإبقاء على الرئيس الأسد، وهو الأمر الذي تعتبره الدولة العبرية ضرباً لمصالحها وتطلعاتها من هذه الحرب، وبالتالي، على بوتين أن يعوض إسرائيل عن ذلك، بعدم السماح بتمركز «الهلال الشيعي» ومروره بالقرب من حدودها الشمالية، وهذا يعني سيطرة متزايدة للنفوذ الإيراني العابر من العراق إلى سورية إلى لبنان، الأمر الذي بات هاجساً إسرائيلياً وخطاً أحمر إثر اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، والذي اعتبرته إسرائيل تموضعاً إيرانياً على مقربة من حدودها.

من المعروف أن اتفاقات وقف إطلاق النار في مناطق أربع على الساحة السورية، جاء بتوافق روسي ـ أميركي، لهذا الغرض. وقبل أسبوع من لقاء القمة الروسية ـ الإسرائيلية اليوم، ترأس رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، وفداً أمنياً ضم إلى جانبه رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي اللواء هرتسي هليفي ورئيس الأمن السياسي في وزارة الدفاع زوهار بالتي، لعقد عدة اجتماعات مع الجانب الأميركي. وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن إسرائيل لم تكن راضية عن نتائج هذه الاجتماعات زاعمة أن واشنطن لم تعد لاعباً أساسياً في الملعب السوري، وأن كل اهتماماتها مُنْصَبة على المناطق الشمالية على الحدود السورية ـ التركية والسورية ـ العراقية في إطار تفاهمات شفهية بين واشنطن وموسكو على الأرجح، الأمر الذي لا يمكن فيه لواشنطن أن تهدئ من روع الدولة العبرية، رغم أن هناك مخاطر على الطرفين في حال تمكنت إيران من أن تلعب دوراً ونفوذاً أكبر على الساحة السورية بعد أن تضع الحرب على الارهاب أوزارها في الساحة السورية.

وهذا ما يفسر انضمام رئيس الموساد يوسي كوهين إلى الوفد الإسرائيلي، ومن المقرر أن يلتقي بالرئيس بوتين أثناء عقد القمة في حين أن هناك أعضاء من الوفد الإسرائيلي لن يشاركوا في هذه القمة، ما يشير إلى أن هناك رهاناً على دورٍ أمني إسرائيلي ـ روسي في إطار تفاهمات لما بعد نهاية الحرب على سورية، وما لم تتمكن الدولة العبرية من الحصول عليه من الحليف الاستراتيجي الأميركي، يمكن الحصول عليه من الصديق اللدود الروسي الذي طالب في وقت سابق إسرائيل بالتعايش مع حقيقة الدور الإيراني في سورية مع ضمان عدم تهديده للأمن الإسرائيلي. الدولة العبرية التي تعتبر إيران عدوها الأكبر لا تثق بالضمانات الروسية بهذا الشأن، وهي تعتمد على نفسها من خلال ذراعها الأمني أولاً، بالتوازي مع إجراء تفاهمات شفوية في الغالب مع عدة أطراف تشاركها العداء لإيران، كالولايات المتحدة وبعض الدول العربية الخليجية لكبح تزايد الدور الإيراني على الساحة السورية، إلاّ أنها تعلم أن موسكو ستظل الأكثر قدرة على إقامة توازنات سياسية وأمنية من شأنها أن تحافظ على «حصة» إسرائيل بنتائج هذه الحرب على سورية!

يمكن لإسرائيل أن تؤثر على الموقف الروسي تجاه مطالبتها بعزل الدور الإيراني من خلال التهديد بإجراء عسكري لمنع التمدد الإيراني، الأمر الذي من شأنه أن يربك الساحة السورية من جديد. جملة التفاهمات الأمنية السابقة بين إسرائيل وروسيا فيما يخص الساحة السورية، نجحت في احتفاظ إسرائيل بخططها إزاء شن هجمات محددة على الأراضي السورية، إلاّ أن الأمر بات مختلفاً تماماً بعدما باتت الحرب في ساعاتها الأخيرة، حيث تنشد روسيا شيئاً من الاستقرار والقضاء على بقايا الإرهاب، إرباك الساحة السورية من قبل إسرائيل سترى فيه موسكو تدخلاً سافراً وضاغطاً على المصالح الروسية!

من المستبعد أن تتم مناقشة الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلاّ بشكل عابر، كل طرف يعرف موقف الطرف الآخر، وليس هناك من جديد، وهذا الملف لا يشكل أولوية لأي منهما، مع ذلك ربما يكرر الرئيس الروسي دعوته إلى عقد مؤتمر دولي في موسكو بشأن هذا الملف، وبدوره سيرفض نتنياهو مثل هذه الدعوة!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]