لا شيء أجمل من وداع الصيف في إجازة تبدأ ريشة الخريف بنثر ألوانها الذهبية والأرجوانية ليتحوّل المشهد إلى تفاصيل متغيّرة بحسب ما تحمله الرياح من سُحب تجتاح السماء، وتغازل الشمس لتفسح لها في المجال لتلطيف الأجواء، فتستقبل الطبيعة ببرّها وبحرها الخريف بأجمل حلّة.

وأيلول/سبتمبر يطرق باب الصيف للدخول، حاملاً معه إجازة عيد الأضحى الذي ينتظره الصغار قبل الكبار، وقبل عودتهم المدرسية يريدون توديع الصيف حتى آخر خيوط الشمس الصيفية، فكيف إذا كان الوداع يرافقه الاحتفال بالعيد! فلتستعد العائلة لإجازة عيد الأضحى خارج البلاد، إما في مدينة ساحلية أو في ريف بدأ يرتدي ثوبه الخريفي ويتلفّح بنسائمه الرقيقة، ليدوّن الأبناء العائدون قريبًا إلى المدرسة، والآباء في ألبوم العائلة ذكريات جميلة لمشاهد هم التفاصيل فيها. فلتكن إجازتك وعائلتك إيطالية.

جزيرة صقلية

عند أقصى جنوبي إيطاليا تسبح جزيرة صقلية، هي جميلة في كل المواسم، وتمضية إجازة آخر الصيف فيها، سوف تكون مليئة بألوان المرح. فرغم محاولات الخريف اختراق بوّابة الصيف، تبقى بعض النسائم الصيفية تلاعب ساحل صقلية وبرّها، فالرياح الدافئة الآتية من أفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط تحافظ عليها جزيرة مُشمسة تسبح في مياه المتوسط الدافئة. فيما تتسرب برودة الخريف إلى برّها، ما يجعل التجوال فيها منعشًا بما فيه الكفاية لاستكشاف الشوارع المتاهة في بلداتها الباروكية الساحرة.

ففي جغرافية صقلية الطبيعية ما يجعلها تتباهى بساحلها، ونباتها الاستوائي، وتتضمخ بشذا عطر ريفها الداخلي، وما يخفيه من غموض ساحر جذب إليها عبر التاريخ الفينيقيين فسكنوها، تلاهم اليونانيون وسمّوها تبعًا لشكلها «ذات الرؤوس الثلاثة» - تريناكيا، ثم احتلها الرومان. سيطر عليها البيزنطيون ثلاثة قرون، ثم احتلها العرب مدة قرنين، وجاء بعدهم النورمانديون الذين ابتكر ملوكهم تلاقحًا حضاريًا نادرًا لجعل هذه الجزيرة ملتقى حضارتَي الشرق والغرب، فمزجوا الحجر الروماني والذهب البيزنطي والنمط العربي في هندستها المدنية، مما جعل صقلية جزيرة فريدة من نوعها تشبه المتاهة المائية التي يستحيل حل لغزها.

تتلاعب مدن صقلية بزائرها كما يتلاعب صاحب الدمى بخيوط دماه ليحركها كما يشاء. وصقلية الشهيرة بمسرح الدمى تجعل العائلة، ولا سيما الأبناء يتوقون للهروب إلى كواليسها ليعرفوا أسرارها قبل أن ترميهم في مياه بحر يتوالى فيه المد والجزر من دون كلل، لتستريح الأساطير على شاطئها.

إينا مدينة صقلّية تروي كل حكايات التاريخ

ومن مدن صقلية النموذج لتلاقح الحضارات إينا. فعند قمة جبل صخري وعند مفترق طرق يمرّ بها غالبية السياح، تقع إينا التي عُرفت منذ عهد اليونان باسم سرّة جزيرة صقلية. وراهنًا، تكشف المدينة عن وجه مرح للجزيرة حيث ترتسم في تفاصيله كل المتع الإيطالية التاريخية والعصرية.
ففي بيازا أرميرينا Piazza Armerina سوف تغلب الدهشة على العائلة بالفيلا الرومانية التي تحتفظ بفسيفساء رائع نُفّذ بدقّة. وتقف بشموخ التاريخ قلعة كاستيلو دي لومبارديا castello di Lombardia لتشرف على كل جزيرة صقلية محتفظةً بستة أبراج من أبراجها العشرين التي يتيح الوقوف عند أحدها الإطلالة على مشهد بانورامي لبلدة كالاسيبيتا Calascibetta التي أسّسها العرب في القرن الحادي عشر.

وتتدحرج خلف القلعة منحدرات إينا. وتظهر دومو Duomo التي شرع في بنائها عام 1307 أليونور أراغون، غير أن تاريخ واجهتها يعود إلى القرن الخامس عشر، فيما برجها يعود إلى القرن السابع عشر. وفي متحف أليسي Alessi تخفي كنوز فنية وأثرية كل أسرار العالم القديم.
ومن زيارة التاريخ والاستمتاع بشواطئ صقلية وبناء قصور الرمال، فإن مطبخ الجزيرة يقدّم أطباقًا لذيذة، طعمها يبقى في ذاكرة المعدة والتذوّق، وما على العائلة سوى قصد إما أحد المطاعم أو أكشاك طعام الشارع Food Street وتناول سناك «أرانتشيني» وهو عبارة عن كرات محشوّة بالأرز ومغلّفة بفُتات الخبز وتُقلى في الزيت.

أما الحلوى، فأصابع الكانولي الصقلّية من الحلوى الشعبية اللذيذة المرتبطة بالمأكولات الصقلّية. وهي عجينة ملتفّة على شكل أنبوب، تُقلى الأنابيب ثم تُحشى بجبن الريكوتا، ويضاف إليها القطر وتُزيّن فتحاتها إما بالكرز أو الفريز أو الفستق. وأيلول الوقت المناسب لقطاف الفاكهة والتلذذ بطعمها.

ميلانو متعة عائلية

ومن أقصى الجنوب الإيطالي إلى أقصى الشمال، إلى ميلانو، فأيلول هو الشهر الأقل مطرًا في ميلانو، ومتوسط الحرارة أثناء النهار 24 درجة مئوية.

من المعلوم أن ميلانو هي معقل الأناقة الإيطالية وربما العالمية، والتي لا يختلف اثنان على أنّها واحدة من أهم عواصم الموضة في العالم. هنا في ميلانو سوف تحصلين وعائلتك على تسوّق أصلي، وبالتالي سوف يكون أبناؤك متحمّسين لزيارتها والتسوّق واختيار ما يرغبون فيه لاستقبال عامهم الدراسي بأناقة، وكما نقول باللبناني «تسوّق من البابوج للطربوش».

يمكنكم بدء رحلتكم التسوّقية في دومو Duomo، وهو حي لا يمكن تفويت زيارته حيث تحتشد الماركات العالمية، فيما جادة فيا مونتينابوليون فردوس الموضة، فهذه الجادة الرئيسة تحضن بوتيكات أهم المصمّمين الإيطاليين والعالميين، فإبداعاتهم للأزياء الجاهزة والمجوهرات تُعرض في الواجهات وكأنها في سباق تنافسي. كما يضم هذا الشارع المقرّات والمكاتب الرئيسة لأهم الماركات العالمية.

بين مراكز التسوّق التي تعكس الشغف الإيطالي بالفن لناحية هندستها المترفة وفرادتها وأروقة التسوّق الرائعة إلى كرم الأسواق الغذائية، لا بد من أن تعودوا إلى دياركم ببعضٍ من تفاصيل العالم الإيطالي. ولكن التسوّق ليس وحده سمة ميلانو، ففيها ما يرفّه عن الأبناء ويثير فضولهم العلمي والتاريخي أيضًا.

Giardini Pubblici Indro Montanelli متنزّه إندرو مونتانيلي

«جيارديني بوبليسي إندرو مونتانيلي» هي حديقة تاريخية شمال شرقي وسط ميلانو. أُنشئت عام 1784، وتُعدّ أقدم حديقة في ميلانو. إنها حديقة خضراء جميلة، مع ملاعب صغيرة مختلفة. في عطلة نهاية الأسبوع وفي فترة ما بعد الظهيرة المشمسة تغصّ الحديقة بالعائلات.
إذا شعر أبناؤك الصغار بالملل لكثرة التجوال في السوق، توجهوا إلى هذه الحديقة واتركيهم يطلقون العنان لحرية اللعب وسط الأخضر الإيطالي المفروش بأسلوب ميلانو الأنيق.

متحف التاريخ الطبيعي

ليس بعيدًا من متنزّه «إندرو مونتانيلي» وعند أقصاه يقع متحف التاريخ الطبيعي في ميلانو أو متحف «سيفيكو دي ستوريا ناتورال دي ميلانو».
يعود تاريخ إنشاء مبنى المتحف إلى القرن التاسع عشر نفسه، وهو مثير للإعجاب. يمتدّ المتحف على طبقتين كبيرتين تعرضان المعادن والحفريات والهياكل العظمية، ومجموعة كبيرة من الحيوانات المحفوظة، ولا سيما الديناصورات المفضلة عند الأبناء.

إضافة إلى ذلك، هناك معرض جديد عن الزلازل، لذلك فهذا المتحف هو بالتأكيد سوف يكون ضمن قائمة العائلة السياحية، خصوصًا أن أسعار الدخول إليه معقولة.

الترام التاريخي في ميلانو

التنقل في ميلانو عبر الترام من التجارب الجميلة التي تخوضها العائلة، فجميع عربات الترام هناك قديمة تحافظ على كل تفاصيلها كما كانت في الماضي ولا تزال تُستخدم في النقل العام، ومن دون تكلفة إضافية. فلا حاجة لحجز خاص، يمكن فقط شراء بطاقة 24H وركوب أي ترام طوال اليوم.

قلعة سفورزيسكو

قلعة سفورزيسكو ضخمة ومثيرة للإعجاب. تحضن العديد من المتاحف التاريخية التي تعود الى القرون الوسطى، مثل متحف الآلات الموسيقية، ومتحف الفن القديم، والمتحف الأثري، والمتحف العتيق للأثاث والنحت الخشبي.

متحف العلوم والتكنولوجيا

هو أكبر متحف للعلوم والتكنولوجيا في إيطاليا. مكرّس لأحد عباقرة عصر النهضة الرسّام والعالِم الفيزيائي ليوناردو دا فينتشي، الذي عاش هنا في ميلانو وقدّم الكثير للبشرية، وأهمها قوانين نظرية الديناميكا الهوائية التي اختصرت المسافات حول العالم، برًا وجوًا. قد يبدو المتحف من الخارج مجرّد دير من القرن السادس عشر، غير أن الولوج إليه يكشف عن العديد من الكنوز.

ويضم المتحف مجموعة من 16.000 قطعة من الآلات العلمية والفنية التي تمثل تاريخ العلوم الإيطالية من القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، إضافة الى معرض كبير يضم رسوم دا فينتشي و130 نموذجًا مجسمًا على أساس رسومه حول الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر وإنتاج الطاقة وصناعة الحديد والصلب وحتى السفر في الفضاء.

كما يحوي سفينة ضخمة، تتكلم على الرحلات البحرية، وفي جناح القطارات مجموعة من 21 قاطرة وعربة. وهناك العديد من الطائرات المتدلية من الأسقف، وطائرة هليكوبتر كاملة الهيكل في الداخل. وفي الحديقة تستريح الغوّاصة العسكرية الإيطالية، إنريكو توتي.

لعشاق كرة القدم والفورمولا

لا تكتمل السياحة في ميلانو من دون زيارة إستاد «سان سيرو ستاديوم»، معقل لاعبي كرة القدم الإيطالية، وتحديدًا F.C. إنتر و A.C. إنتر ميلان حيث يستعرض الفريقان الإيطاليان مهاراتهما في كرة القدم. لذا فإن زيارة هذا الإستاد ستكون بمثابة جائزة للأبناء، خصوصًا إذا كانوا ذكورًا.

أما هواة رياضة سباق السيارات فمن الضروري زيارة أوتودروما نازيونال مونزا، موطن سباق «الغراند بري» Grand Prix الإيطالي. فهنا سيخوض الجميع تجربة «الغراند بري» بكل تفاصيلها، ويتعرفون إلى كواليسها وتاريخ رياضة سباق السيارات وينطلقون في نشاطات ترفع منسوب الأدرينالين من خلال جولات وتجارب حصرية برفقة سائقين ومرشدين محترفين في رياضة سباق السيارات. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]