حفلت الساحة السياسة والإعلامية اللبنانية بالكثير من الأقاويل والأخبار حول احتمال حرب إسرائيلية مقبلة، وذلك بسبب تقاطع حدثين سياسيين، هما:

الأول الاستدعاءات التي قام بها وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان إلى بعض قادة 14 آذار وخاصة المسيحيين منهم. وسرت تقارير عن أنه طلب من هؤلاء التصعيد ضدّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله ، وأنه شجّعهم على الصمود ورفع السقف وعدم تقديم التنازلات، لأن لبنان "غير متروك" كما ذكر أحد المسؤولين القوّاتيين، ووعد بأن السعودية لن تترك لبنان "فريسة للنفوذ الإيراني"..

والثاني، خطاب السيّد حسن نصرالله في ذكرى العاشر من محرم، وفيه حذّر الإسرائيليين واليهود من السياسات الحمقاء لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يدفع مع الرئيس الأميركي ترامب المنطقة نحو حرب ستكون على حساب اليهود. وأكّد أن "حكومة نتنياهو تخطّط للحرب"، ولكنه هدّد بأن "نتنياهو وحكومته إن بدأوا حرباً لا يعرفون كيف ستنتهي وأي مساحات ستشمل".

بناءً على هذه الإشارات المُتزامنة، بالإضافة إلى الانتصارات التي يحقّقها الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان السوري، تخوّف بعض اللبنانيين من هجوم إسرائيلي عسكري على لبنان ، يرفده سجال داخلي إعلامي وسياسي يحمّل حزب الله المسؤولية بتمويل وتشجيع من المملكة العربية السعودية، ويتم استخدام الخلايا النائمة في الداخل خاصة في مخيمات اللجوء السوري والفلسطيني لمُلاقاة الهجوم الإسرائيلي الخارجي بهجوم من الداخل اللبناني.

فما مدى جديّة هذه المخاوف، وهل يمكن أن يشهد لبنان حرباً إسرائيلية مقبلة تستند إلى دعم سعودي داخلي؟

- بالنسبة لإسرائيل: الأكيد أن الإسرائيليين منذ هزيمتهم عام 2000 وعام 2006 ، يتحضّرون للانتقام من لبنان، ولهذا السبب، يقوم الجيش الإسرائيلي منذ عام 2006 بمحاولة سدّ الثغرات التي أدّت إلى هزيمته. لكن، الأكيد أيضاً، أن الحماقة الإسرائيلية لن تصل إلى حدود الجنون، ولن يذهب الإسرائيليون إلى حرب مع لبنان قبل سدّ كل الثغرات والتأكّد من الانتصار الشامل هذه المرة، وهذا لم يتوافر لهم لغاية الآن.

بالإضافة إلى أن الإسرائيليين يدركون جيداً أن الخبرة القتالية التي اكتسبها حزب الله في الحرب في سوريا، ستسمح له بنقل الحرب إلى داخل فلسطين المحتلة ولن يكتفي فقط بالدفاع عن لبنان، وردّ الهجوم الإسرائيلي، بل سيخوض حرباً مفتوحة ستشمل جبهات عدّة وسيشارك فيها مقاتلون من جنسيات عدّة، وقد تؤدّي إلى نهاية إسرائيل، كما حذّر السيّد نصرالله في مرات عديدة.

- أما بالنسبة للسعودية، وبغضّ النظر عن التوقّعات المتفائلة التي بثّها إعلاميو 14 آذار، فإن المملكة تعاني من مشاكل اقليمية وداخلية عدّة، ولقد خسرت في جميع الحروب التي خاضتها، فها هي تُستنزف في اليمن، وتعاني من مشاكل مع قطر. أما في سوريا، فتجد المملكة نفسها مُستثناة من الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي ستقرّر مستقبل سوريا، فلقد تمّ إقصاؤها عن اجتماعات أستانة وتمّ تعويم الدور التركي، وهو ما دفعها إلى حثّ مجموعاتها العسكرية للتصعيد في الميدان السوري، عشية زيارة الملك سلمان إلى روسيا، وذلك للضغط على الروس لحجز مقعد للسعودية وإعطائها دوراً في الحلول السياسية المقبلة.

وتشي التقارير الصحفية عن زيارة الملك سلمان إلى روسيا، والمؤتمر الصحفي لوزيري الخارجية سيرغي لافروف وعادل الجبير، أن السعوديين خضعوا أخيراً للمقاربة الروسية للتسوية السورية؛ وهي "الأولوية لمكافحة الإرهاب وليس لإسقاط الأسد" وعلى الدول الراغبة في أن يكون لها مقعد على طاولة المفاوضات أن تعلن وتشارك في محاربة الإرهاب.



ثم، إن المحاولات الخليجية لهزّ الاستقرار في لبنان، خلال ستّ سنوات من عُمر الحرب السورية، لم تؤدِ إلى نتيجة وذلك لوجود خط أحمر دولي يحظّر المساس بالاستقرار اللبناني، ولوجود النازحين السوريين بأعداد كبيرة لا يريد الأوروبيون تأمين الظروف الموضوعية لهجرتهم الجماعية إلى أوروبا.

وهكذا، يبدو أن الاستدعاءات السعودية للبنانيين، كانت فقط من ضمن تجميع الأوراق قبل الذهاب إلى موسكو، تماماً كما التصعيد الميداني في سوريا. وسيكون السقف الذي يمكن للمستدعين إلى السعودية الوصول إليه، هو الهجوم السياسي والإعلامي على أية إمكانية للتنسيق اللبناني مع الدولة السورية لحلّ مشكلة النازحين السوريين، وذلك لرغبة الدول الاقليمية والدولية باستثمار هذا الملف في قت لاحق للضغط على الدولتين اللبنانية والسورية لتقديم التنازلات في ملفات أخرى.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]