أقام نادي حيفا الثقافي يوم الخميس 16.11.17 أمسية اشهار وتوقيع "دراسات في الأدب الفلسطيني" للدكتور رياض كامل واكتظت القاعة بجمهور غفير من متذوّقي الأدب واللغة، الأهل، الأقارب والأصدقاء من حيفا وخارجها.

افتتح الأمسية مرحبا بالحضور والمشاركين رئيس نادي حيفا الثقافي المحامي فؤاد مفيد نقارة فتلا على مسامع الحضور نصّا من كتاب "نزف الطائر الصغير" للكاتب قاسم توفيق موصيا بقراءته وأعلن عن أمسية لإصداراته في شهر شباط القادم، ثم أعلن عن أمسيات النادي المقبلة داعيا الجميع للمشاركة بها.

أدارت الأمسية وشاركت بها بجزالة لغتها وجميل أدائها الكاتبة والناشطة الثقافية خلود فوراني سرية وجاء في افتتاحيتها " لقد قضى نقدنا الأدبي مدة ( في الفترة الممتدة بين الأصمعي وابن خلدون) وهو يدور في مجال الانطباعية الخالصة والأحكام الجزئية التي تعتمد على المفاضلة والموازنة بين أديبين أو بين شاعرين وقد اعتمد شعرنا لقرون طويلة على الصوت وكان يكفينا ما يسمى ثقافة الأذن، وكان الناقد تابعا للكتاب في مراحل النقد الأولى مثل النقد الانطباعي والصحفي أما اليوم فقد استقل الناقد من العيش في جلباب أبيه وأصبح شريكا فعليا فاعلا مؤثرا وموجها لرؤية الكتاب الإبداعية. لقد انفتح نص المبدع الحديث على مصراعيه أمام القراءات المتعددة والتفسيرات المتعددة فبات للقارئ دور في إنشاء النص متسلحا بالذخيرة المعرفية. فجاء كتاب د. رياض كامل يضم مجموعة من المقالات النقدية حول الأدب الفلسطيني، في مجالي الرواية والشعر تحديدا. محاولا فيه استجلاء مكامن النص وفك شيفراته إيمانا منه أن النص لا يقوم بذاته، بل من خلال إقامة حوار بينه وبين المتلقي وكل نص ناجح هو نص منفتح قابل للتأويل مع تعدد القُراء والقراءات".

كانت المداخلة الأولى للبروفيسورة كلارا سروجي شجراوي فأشارت إلى أسلوبه حيث يسبق مقالاتِه مقدّمة توضّح الهدفَ من الكتاب والمنهجَ الذي سيستخدمه في دراسته للنصوص، يتلوها مقال عن العلاقة بين التوثيق والخيال في الأعمال الأدبيّة الفلسطينيّة، ويتميّز أسلوبه بالوضوح والكتابةِ المنظّمَة ممّا يجعل كتابَه صالحًا ومفيدًا للجمهور الواسع من القرّاء الذين يريدون الانكشافَ على الأدب الفلسطيني بقضاياه وتقنياته الأسلوبيّة المختلفة، وأهميته برصده الحركة الأدبيّة الفلسطينيّة فيقوم بوظيفة العاشق والدارس للأدب الفلسطيني والمتتبّع للإصدارات ليكونَ أحيانا من أوائل مَن يكتبون عن عملٍ جديد. يتعامل مع النصّ كشاهدٍ على الهُويّة الخاصّة بالأديب/ة، كما ينبّه إلى خصوصيّة المكان الفلسطيني، أي أنّه لا يدرس النصَّ بمعزل عن خصوصيّة المكان والزمان والسّياق الاجتماعي والتاريخي والسّياسي. ولخصت القول بأن دراسة د. كامل للأدب الفلسطيني تقوم على البحث عن آلياتِ توثيقٍ ونبشٍ في جذورِ كلِّ ما يمتّ لتاريخِ فلسطينَ وملامحِها وبيئتها من خلال الأعمال الأدبية.

تلتها المربية هدى عيسى عباس، إحدى طالبات الدكتور رياض، بمداخلة قيّمة جاء فيها أنه لا يسعنا ذكر الزمان والمكان دون ذكر الانسان، هناك علاقة متبادلة، مستمرة ووثيقة بين هذا الثالوث، كما ان بروز هذه العناصر في الرواية الفلسطينية يضفي الواقعية والحس الوطني للسرد ويبعث في نفس القارئ الوطنية، لذلك نرى ان الكُتاب الفلسطينيين يجندون هذه العناصر لتكون مقياسا لشفافية وواقعية وايديولوجية الكاتب فهو هكذا لا يعطي للمكان والشخصيات بعدا محسوسا فقط بل وبعدا تاريخيا ثقافيا فيمسي النص الادبي مرآةً وامتدادا لأيديولوجية وسيكولوجية الكاتب. لم تحط دراسات دكتور رياض فقط بالناحية الفنية وتركيبة النص بل الى جميع اطرافه حيث لا يمكن تجاهل النص الادبي فهو يستدعي القارئ بشكل عفوي إلى الانطلاق منه مباشرة للبحث عما يميزه وللبحث عن خصائصه الادبية التي جعلته يحمل هذه الامتيازات وأنهت بأن عملية تلاقح النظريات الادبية او عملية التلاقح الادبي تؤكد على أهمية الانفتاح في التعامل مع المنتوج الفكري.

والمداخلة الثالثة كانت من نصيب د. أليف فرانش وعنوانها "جدليّة النصّ والأرض والطبشور" وقال بأن الكتاب يشكّل علامة فارقة في نتاجه النقديّ، والحركة النقديّة الفلسطينيّة عامّة، لأنه جامع للمناحي والهواجس التي تشكّل قاعدة الانطلاق الأدبيّة والوطنيّة لناقدنا من جهة، والميناء الفكريّ والأخلاقيّ الذي يحدو بناقدنا إلى تناول عدسة الناقد المكبّرة يتفحّص بها النصوص من جهة ثانية، وأشار إلى الدوافع التي تحدو به إلى تناول النقد غاية لا أداة، وسماه بالهواجس وإلى النقاط الأساسيّة التي يستخدمها ناقدنا ويركّز عليها في تنفيذه للجانب الأوّل، أي أداة لا غاية، وسماه بالمحاور. وأنهى قائلًا : "رياض كامل مَعْلَمٌ في حركتنا الأدبيّة، والنقديّة على وجه الخصوص، يعيش النصّ فيه في جدليّة متضافرة.. وتعجّ فيه المحاور".

وكانت الكلمة الأخيرة للمحتفى به الذي أعرب عن سعادته في هذه الأمسية وقدّر عاليا الدور الراقي لنادي حيفا الثقافي وخص بالذكر المحاميين فؤاد نقارة وحسن عبادي اللذين يقومان بدور رائد في رعاية الحركة الأدبية والثقافية، على حد قوله. تحدث عن النقد ودور الناقد الذي "يتوجّب عليه أن يحمل ضميره قبل أن يحمل قلمه، وأن يحرك عقله قبل أن يتحرك قلبه، وأن يتحلى بالأناة والصبر والحِلم، وألا يقطع رؤوسا، حتى لو حان قطافها، وألا يشتت أحلام هواة القلم والكلمة، عليه أن يترفق بهم وأن يقدم النصائح على قدر أهلها دون مجاملة أو تزلف أو رياء" وأضاف :" أخالني أحيانا أننا بحاجة إلى تثبيت قناصين يتمركزون فوق العمارات الشاهقة وزوايا الحارات وقمم الجبال ليطلقوا سهامهم صوب كل أشباه الكتب الصادرة من بيوت العزاء بعد محاولة إحيائها وهي رميم، قبل أن تحط رحالها في يدي فيسبوكيّ متفرغ لكيل المدائح حول جماليات النص وجمال صاحبه أو صاحبته" وأضاف بأنه يتوجّب على الأديب أن يكون ذا فكر متنور صاحب مبادرة من أجل التغيير وعليه أن يوظف فكره وإبداعه من أجل الدفاع عن الحق ودعم الضعفاء ومؤازرة المرأة، وتخفيف حدة العنف، وإنه لعلى ثقة أن الفكر المتنور سيبدد الفكر الظلامي وأربابه.

أغلق الستار بتوقيع الدكتور رياض على كتابه والتقاط الصور التذكارية على أن تجمعنا أمسية قادمة يوم الخميس 23.11.2017 لإشهار وتوقيع دراسة "مئوية تصريح بلفور" للدكتور جوني منصور بمشاركة البروفيسور قيس فرو والدكتور جوني عاصي وعرافة المحامي فؤاد مفيد نقارة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]