كشفت جمعية السوار- الحركة النسوية العربية، عن تفاصيل قضية هامة جداً كانت قد تابعتها في الأعوام الثلاث الأخيرة، خلال الندوة التي نظمتها الجمعية في مقرها في حيفا، وذلك يوم الخميس الموافق الحادي عشر من الشهر الجاري. الندوة أقيمت تحت عنوان "مسار المرافقة القانوني للنساء الناجيات من العنف الجنسي"، وقد تم خلالها عرض لقضايا هامة تواجهها هؤلاء النساء خلال المسار القانوني، منذ تقديم الشكوى حتى اتخاذ قرار الحكم.

وقد تحدثت في الندوة كل من السيّدة لمياء نعامنة المركّزة العامة في جمعية السوار، والمحامية عبير بكر المستشارة القضائية في السوار، والسيّدة س. (لن يذكر اسمها الكامل بطلب منها) صاحبة القضية والتي شاركتنا قصتها.

أستهلت الندوة السيّدة لمياء نعامنة بالترحيب بجميع الحاضرات ثمّ رصدت مسار المرافقة القانونية في جمعية السوار، أهميتها والتحديات التي تواجهها النساء خلال هذا المسار. وقد ذكرت "جدير بالذكر أن هنالك تزايد في عدد النساء اللاتي يتوجهن للجمعية بطلب استشارة قانونية، جزء منها تتقدم بعدها فعليا لتقديم شكوى بالشرطة. هناك جرأة أكبر ووعي أكثر لدى النساء، كذلك السوار رصدت موارد ومجهود كبيرين لتوفير خدمة مهنية عالية للنساء في هذا المجال، خاصة اننا نتحدث عن قضايا صعبة ومركبة، فالتحقيق بحد ذاته صعب، وعندما يكون الأمر حول اعتداء جنسي فهو أصعب بكثير. هنا يكون تشابك الخدمات التي توفرها السوار له أهمية عالية، حيث الدعم النفسي والاستشارة القانونية".

ثمّ أضافت: "لدينا اليوم صوت قوي وجريء لامرأة ناجية من الاعتداء الجنسي والتي بتصميمها وارادتها القوية صممّت ألا تكون ضحية أخرى صامتة".

حقوق المشتكية 

المداخلة الثانية كانت للمحامية عبير بكر، المستشارة القانونية في السوار والتي تابعت القضية المذكورة، جاء فيها "في هذه القضايا صعب نقول في زبائن ومرافقة عادية، انما العلاقة أبعد من ذلك بكثير. تجربتي مع س. كانت تجربة غنية جدا على الصعيد المهني والشخصي". ثم تابعت حول معنى ومضمون المرافقة القانونية للنساء المتعرضات للعنف الجنسي، تناولت خلالها التغيير الذي حدث في مكانة وحقوق المشتكية بعد سن قانون متضرري الاعتداء في 2001، قائلة " في السابق كانت المشتكية تكون شاهدة في قضيتها فقط وكأنها ليست صاحبة الشأن، وأحيانا كانت تسمع في وسائل الاعلام إذا برئت ساحة المعتدي أو لا، النيابة تمثل هنا الحق العام وحق الامراة المعتدى عليها بتنتهي بتقديم شهادة فقط".

ثم تابعت: "في 2001 تغير هذا الأمر وأصبح للمشتكية بعض الحقوق بعد سن القانون المذكور الذي حول ضحية الاعتداء من مكانة شاهدة الى متضررة جراء ارتكاب جريمة بحقها. هذا فتح لها باب في أن يكون لها تأثير خلال المسار. في قضية س. مثلا، كان لدينا مشتكية تابعت القضية بشكل يومي وكان لها تأثير كبير في نجاح القضيّة. هدف الاستشارة أو المرافقة القانونية هو ترجمة الواقع القانوني للمشتكية، لأنه هنالك أمور كثيرة صعب على الامراة نفسها تقبلها أو اجتيازها وفي غالب الأحيان العالم القانوني بالنسبة لها هو عالم غريب وأحيانا منفّر".

حتى جيل 26

أما المداخلة الثالثة فكانت للسيّدة س. التي استهلت جديثها بصوت واضح وقوي برغم التعب المتراكم على خلفية المواجهة اليومية لامرأة ناجية من اعتداء أقل ما يقال عنه بأنه دنيء وجقير.

وقالت ي، بلغة عامية: "لحد جيل 26 سنة كنت عايشة حياة كأنها طبيعية. اعتدى علي خالي أخو امي من جيل 5 سنين لجيل 17 سنة، مرات بشكل يومي، بكل الحالات والامكانيات، هو كان ساكن بالعمارة اللي حدنا، فهو كان المسؤول عنا بغياب أهلنا"

تستطرد س واستباقا لأن تسأل هذا السؤال الذي وجّه اليها مئات المرات منذ أن كشفت عن الاعتداء الذي تعرضت له: "ليش بس اسّة حكيتي؟ ليش بس بجيل 26 سنة؟" لتجيب: "أنا بعرفش، صعب الوحدة تعترق بهذا الموضوع. انسوا المحكمة، انسوا كل شي، يالأول بيني وبين حالي، صعب اني اقبل، انا بعرف انه صار لي، بس حاولت أتغلب على الاشي لحالي لحد ما وصلت لوضع انه بطلت أقدر أكمل تعليمي وبطلت أقدر أشتغل، وصلت لحالة كنت أنام فيها 18 ساعة في اليوم، اكتئاب كامل، ولا حدا فاهم شو مالني لدرجة انه كانوا ينادوني الأميرة النائمة، كنت أوصل لحالات نوبات غضب لأنه ما حدا فاهم علي وكأني انا الغريبة".

شو اللي خلاني أحكي

وأضافت: "لحد جيل 29 سنة كنت بحالة نفسية سيئة جداً بالرغم من كل العلاجات اللي كنت أروح عليها، لحد ما طبيب نفسي قال لي انه الحل الوحيد هو انه اسكر الدائرة معه، والدواء ما ناسبني لأنه بنيم المشاعر وبقتل بشكل أو بآخر ومش هذا اللي أنا كنت بدي أياه، أنا بدي أقوم، بدي أعيش بالإضافة طبعا لعدة عوامل على الطريق اللي وصلتني بالآخر اني أطلع الموضوع وأحكي".

"كنت على حافة الانهيار، بدون مخرج، مش قادرة أشتغل، مش قادرة أربي اولادي، مش عارفة أتعامل مع جوزي، 18 ساعة نايمة بأوضة مسكّرة".

لما جكيت صار الاشي أهون


وأوضحت: "أول مرة حكيت لحماتي وبعدين لجوزي. بجيل 29 سنة حسيت انه مش عدل انه مكمّل حياته عادي وأنا عم بخسر حياتي مع كل الأوجاع النفسية اللي سبب لي إياها، حسيت حالي معاقة. قررت أروح عالشرطة وأقدّم شكوى وهناك كمان بعثوني على المركز لعلاج ضحايا الاعتداءات الجنسية".

"مسار المحكمة كان كثير صعب، مع اني كنت محضرة حالي. قبل ما أفوت على هذا المسار فحصت كل اشي، العيلة وردود فعل العيلة، امي وأبوي وجوزي وعيلة جوزي وصحابي كلهن كانوا معي".

"مع الشرطة كنت أنا ألح وأتابع لدرجة اني أنا كنت أذكر الشرطة شو لازم تعمل. الانتظار خلال المسار القانوني كان صعب كثير، بعد سنة تقدمت لائحة اتهام. بس اللي ساعدني كثير بهذا المسار هو المحامية عبير بكر اللي رافقتني بكل كبيرة وصغيرة وجهزتني لتقديم الشهادة بالمحكمة. لو تشكيت وروحت عالبيت كان الملف سقط، بس أنا كنت أتابع كل اشي".

تطفل وحشرية

وقالت: "الناس بتصير تستنى بدها تعرف، مرات في أسئلة صعبة من الناس، قليلة الناس اللي كان هاممها الوجع تيعي، أغلبهن تطفّل وحشرية، السؤال الأول والأخير: ليش بس اسة حكيتي؟ وليش ما حكيتيش قبل؟"

"وبعدين أجت فترة النيابة، لما تعرفوا علي بطلت ملف، صاروا يعرفوني وصاروا يتعاملوا معي بشكل انساني، وأنا بحاجة لهذا المحل".

13 سنة سجن للمعتدي بالإضافة الى غرامة مالية عالية

واختتمت: "بالنهاية كل المسار اللي مرقته، بالرغم من صعوبته، كان نوع من العلاج بالنسبة الي. 13 سنة ما بتعوض الوجع اللي أنا في، بس بالرغم من هيك لما سمعت النطق بالحكم، بطلت أسمع اشي ثاني، ومن بعدها حسيت اني بلشت أقطب الجرح. قبلت بعدها أتسامح مع الأزمة تبعتي لأني ما بدي أضل أعيش هذا الوجع وآكله وأشربه وأنامه. اليوم بشوف دوري اني أوعي وأحكي، والمحل الوحيد اللي أنا بداوم فيه من جيل 26 لليوم هو دورة المتطوعات في السوار، نساء رائعات في السوار اللي قدروا يدمجوني معهن.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]