خرجنا من المقابلة في رام الله، الاسبوع الماضي، مع رئيس السلطة الفلسطينية مندهشين من هذا الرجل الشجاع. هناك أمور حتى زعيم محلي لدينا، نحن الفلسطينيين في إسرائيل، لا يقولها علنا خوفا من فقدان عدد من الأصوات في الانتخابات المحلية، في حين أن محمود عباس يقولها بشكل تلقائي وبقناعة تامة. عندها ذهبت بأفكاري إلى أولئك السادة في شارع بلفور وسألت كيف نجحوا في تحويل عباس إلى العدو الأخطر للسلام، وعدد منهم سموه إرهابي، ليس إرهابيا تقليديا- لا سمح الله، بل إرهابي دبلوماسي.
سأبدأ بالقول إنه قبل نحو شهرين بادر الأديبان غبريئيل موكيد (84 سنة) ومحمد علي طه (77 سنة)- بالمناسبة، دائما قلت إن المستقبل هو لكبار السن فقط- بادرا لإقامة منتدى «الزيتونة»، الذي يضم كتابا ومثقفين يهودا وعربا. وأنا، الذي سأبلغ الستين من عمري بعد قليل، انضممت للمنتدى بصفتي ممثلًا عن الجيل الشاب. تأسس المنتدى على أساس المبادئ التالية: إنهاء الاحتلال، دولتان على أساس حدود 1967، في القدس المفتوحة عاصمتان للدولتين، حل مشكلة اللاجئين على أساس المبادرة العربية. وقرر المنتدى الالتقاء مع رئيسي الدولتين من أجل عرض المبادرة.
التقينا مع عباس غداة النشر عن وضعه الصحي المتدهور، كما كتبت «هآرتس» نقلا عن مصادر استخبارية إسرائيلية. صحيح أنه يمكن الملاحظة أن الرجل لم يعد ابن 18 سنة، لكن ما قاله بإصرار ووضوح وثقة ظهر وكأنه شاب يؤمن بقدرته على تحطيم كل المسلمّات التي رافقتنا على مدى عقود. "ما يظهر اليوم غير ممكن سيظهر غدا هو الشيء الطبيعي جدا. سنكتشف أننا عرفنا الواحد الآخر طوال آلاف السنين، التي خلالها ازدهرت علاقات جيرة وتعاون. وإذا كنا سنتأسف، فذلك سيكون فقط على عشرات السنين الأخيرة من النزاع بيننا".
وخلافا لمعظم زعماء إسرائيل الذين يقولون إن النزاع عصي على الحل، ويفرضون على الأجيال المقبلة، على جانبي المتراس، الغرق في وحل الاحتلال، فإن عباس يريد إغلاق الدائرة ويريد من الجيل المقبل فتح دوائر جديدة في حياته: «لا أريد أن يسألني حفيدي أين حقي؟»، قال.
في قضية اللاجئين قال إنه هو الذي طلب أن يُضاف في بند اللاجئين في قرار القمة العربية جملة «حل متفق عليه». بهذا فإنه أعطى إشارة للإسرائيليين بأن الحل لن يكون بالإكراه، وكذلك ردًا على الادعاء الذي يقول إن الهدف هو القضاء على إسرائيل. "نحن نريد العيش بسلام مع إسرائيل وليس القضاء عليها". وفي الوقت نفسه أرسل إشارة للفلسطينيين بأن هناك حاجة إلى حل متفق عليه: كيف سيعود لاجئ واحد بدون موافقة إسرائيل؟
ومقولة أخرى تُخرج الهواء من إطارات الادعاءات الأمنية الإسرائيلية: "في العالم يبحثون في مسألة منع انتشار السلاح النووي. وأنا أقول إننا بالإضافة لذلك فنحن ضد السلاح التقليدي ايضًا الذي دمر دولا كثيرة في العالم. نحن لا نريد أي نوع من السلاح، لا نريد أن ندمِّر ولا نريد أن نُدمَّر".
في هذه الأثناء اهتم عباس بأن يكشف لنا أن نتنياهو عارض اتفاق اوسلو من البداية ـ وكأننا نحتاج إلى هذه المعلومة، وبعد ذلك نتنياهو "أفسد الطبخة"، حسب أقواله، "وفقا لاتفاقات اوسلو كان يجب علينا التوصل إلى الحل الدائم في العام 1999، لكن مقتل رابين أنهى فصلا في الحياة المشتركة". وبخصوص مبادرتنا لالتقاء الرئيس رؤوبين ريفلين قال: "أريد تحية الرئيس ريفلين، فهو رجل مستقيم ويؤمن بالسلام. وأنا آمل، رغم قيود منصبه، أن يلعب دورا في العملية السلمية"
محمد علي طه سأل عباس إذا كان يريد طمأنة نتنياهو على سلامته. فأجاب بابتسام "ليستمر في القلق". وسألت بدوري: ماذا سنقول لنتنياهو، وكأن رئيس الحكومة ينتظر على الخط، وأجاب عباس "لا تقلق، آخرون سيواصلون إدارة المفاوضات". هكذا انتهى اللقاء.
نشر في "هآرتس" أيضًا 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]