لا أحد يرغب في حرب جديدة في غزة، فالكل يتجنبها ويعمل بطاقته حتى لا ينزلق إليها، لأن الثمن في هذا الوقت سيكون عالياً لكل الأطراف.
حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، لا ترغب بمواجهة ستؤدي إلى مزيد من الاحتقان السياسي مع العالم، ولا تريد إحراجاً أكثر للإدارة الأميركية التي تدافع عن تل أبيب ربما أكثر من دفاعها عن نيويورك، خاصة أن أهداف إسرائيل تتحقق بصورة لم يكن قادة إسرائيل يحلمون بها.

كل ما تريده إسرائيل من غزة هو الهدوء على حدودها، ولتذهب دولة القطاع إلى الجحيم ما دامت الحدود والمستوطنات هادئة، والأمن الشخصي الإسرائيلي متوافر.
الخطر الأكبر بالنسبة لتل أبيب هو الشمال وتحديداً الوجود الإيراني في منطقة الجولان إلى جانب حزب الله في جنوب لبنان، وهي بالتالي تعتبر أن مكمن الخطر الاستراتيجي في الشمال، ويجب بذل كل جهد سياسي وعسكري لاحتواء هذا الخطر الذي يأتي في قمة سلم الأولويات الإسرائيلية. ويبدو أن إسرائيل نجحت إلى حد ما في تحقيق هذا الأمر من خلال الوسيط الروسي الذي يضغط على النظام السوري للحد من التأثير الإيراني، وإبعاد الوجود العسكري الإيراني في سورية مسافة لا تقل عن 70 كيلو متراً عن الحدود الإسرائيلية الجولان، حتى لو كان ثمن ذلك عودة الجيش السوري إلى هذه المنطقة.

في ظل الخطر الإيراني، من المحظور على الحكومة الإسرائيلية أن تذهب إلى حرب في الجنوب أي إلى حرب جديدة مع قطاع غزة، لأن ذلك يعني فتح أكثر من جبهة في الوقت نفسه.
لكن تحييد جبهة غزة لا بد من ثمن له، ثمن مقابل بضاعة سياسية كل الأطراف بحاجتها.
حركة حماس بشكل أساسي غير معنية مطلقاً بحرب جديدة بعد 3 حروب منهكة، وحصار مستمر منذ أكثر من 10 سنوات ووضع اقتصادي في غاية الصعوبة.
كل ما تريده حماس هو الإبقاء على سيطرتها الكاملة على قطاع غزة مع ضمان تدفق المساعدات الدولية لإعادة إنعاش القطاع وإخراجها من مأزقها الصعب.
ربما يتحقق للحركة قليل من هذا مع الموافقة المصرية على فتح معبر رفح طوال شهر رمضان والأخبار عن إمكانية فتح المعبر بشكل دائم. هذا يعني تحقيق انفراجة كبيرة في حرية الحركة والتنقل للخارج وتدفق أموال المغتربين والمساعدات إلى القطاع، ما يؤدي إلى تخفيف الاحتقان الجماهيري الناجم عن الأوضاع الحرجة في غزة.

إضافة إلى القرار المصري هناك أيضاً بعض المعلومات التي تقول إن إسرائيل ستوافق على زيادة كبيرة في عدد تصاريح الدخول من القطاع وتخفيف القيود على التجار ورجال الأعمال.
ولكن مقابل مجموعة من المحفزات الاقتصادية لتسهيل حياة المواطنين في القطاع، لا بد من هدنة طويلة وإبعاد أي مظاهر عسكرية عن الحدود.
ولكن أيضاً هناك على الخط الولايات المتحدة، التي أيضاً ترى في نفسها لاعباً أساسياً في أي تطور يطرأ على أوضاع قطاع غزة.
الولايات المتحدة التي تعد بخطة مارشال لقطاع غزة، ومساعدات اقتصادية ومالية غير مسبوقة، شريطة أن تحقق حماس المطلوب منها.
واشنطن تريد الهدوء في قطاع غزة لتجد فرصتها لتمرير ما تسميه صفقة القرن، التي فعلاً تقوم بتنفيذها على الأرض من خلال تصفية قضايا الحل النهائي.
ومما لا شك فيه أن تجاهل واشنطن للاستيطان المتسارع وخاصة في مناطق كانت محظورة سابقاً في الأروقة الأميركية السابقة كمنطقة «E1» أو الأغوار يعني أن صفقة العصر يتم رسمها على الأرض وخلق وقائعها، وبالتالي ستجد السلطة الوطنية نفسها في مرحلة من المراحل أنها أمام خيارات صعبة جداً، القبول أو الرحيل؟!
إذن الحرب الشاملة في قطاع غزة لن تكون قريبة أو مرغوباً فيها بل الجميع يقف بعيداً عنها ويتجنبها. أما المناوشات بين الفينة والأخرى والتصعيد المسيطر عليه سيستمر من أجل أن يزيد كل طرف من مكاسبه المتوقعة في المستقبل.
المشكلة أننا كفلسطينيين خاسرون بشكل رئيس في هذه المعادلة الصعبة. فلا نحن قادرون على المواجهة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية ولا نحن قادرون على الذهاب إلى مفاوضات سياسية لن تأتي بنتائج سوى تكريس أكثر للاحتلال وللاستيطان.
الهدنة القادمة في قطاع غزة إن تحققت، وإن صدقت المعلومات أنها لن تكون أقل من عشر سنوات، تعني مزيداً من الضغط على الضفة، بل أكثر من ذلك حشر القضية الفلسطينية ليس في نفق مظلم بل في مجموعة من الأنفاق؟!

نقلا عن الايام 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]