إنّ للربا أضراراً إجتماعيّةً، وخلقيّةً، وماليّةً على الفرد والمجتمع، وقد كان الرّبا منتشراً بين النّاس في أيّام الجاهليّة، وكانوا يعدّون التعامل به مثل التعامل بالبيع، وإنّ للرّبا مخاطراً كبيرةً، وأضراراً عظيمةً، حيث أنّه يعمل على نشر الكراهيّة بين النّاس، وذلك لأنّ المرابي يستغلّ حاجاتهم لمجرّد امتلاكه المال، ويرجع فيه المال إلى المرابي من غير جهد، أو عمل، أو تعريض ماله للمخاطرة، كما أنّه يؤدي إلى حصر المال في أيدي فئه قليلة من النّاس، ممّا يحدث اختلالاً في التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع، فجاء الإسلام بأحكامه العظيمة وتشريعه السّماوي، ليبيّن للنّاس حكم الرّبا وأنواعه. حكم الربا في الإسلام إنّ للربا أشكالاً متعددةً، ولكلّ شكل منها حكمه الخاصّ به، وهي على النّحو التالي: (1) ربا البيوع: وهذا الشّكل من أشكال الرّبا يكون من خلال بيع الأموال الربويّة بعضها ببعض، وأمّا هذه الأموال الربويّة فهي على ستّة أشكال، وهي: الفضّة،

والذّهب، والبرّ، والملح، والتّمر، والشّعير، وقد أجمع جمهور الفقهاء على أنّ هذه الأصناف يلحق بها الأموال الأخرى، والتي تكون متحدةً معها في العلة، ويكون ربا البيوع على نوعين، هما: ربا الفضل: أي الزّيادة في أحد العوضين عن الآخر، وذلك في حال بيع مال ربويّ بمال ربويّ من مثل جنسه، ومثال ذلك: بيع الذّهب بالذّهب، فإنّه لا يجوز بيع الذّهب بالذّهب إلا إذا كان متماثلاً، وأيّ زيادة تتمّ في واحد من الجانبين تؤدّي إلى جعل هذا البيع بيعاً ربويّاً، وبالتالي فإنّه لا بدّ اتحاد الجنس عند البيع، أي أن يكون البيع برّاً ببرّ، أو ذهباً بذهب، وهكذا. ربا النّسيئة: أي أن يتأخّر قبض واحد من العوضين في بيع الأموال الربويّة، وذلك في حال كانت متحدةً في العلة، ففي حال بيع مال ربويّ بغير جنسه، مثل بيع الذّهب بالفضة أو عكس ذلك، أو بيع عملة بعملة أخرى، فإنّه يجوز في هذه الحالة التّفاضل، أي أن يتمّ الزّيادة والنّقص فيه، وذلك لاختلاف الجنس في البيع، ولا يجوز أن يتمّ تأخير قبض واحد من العوضين، والواجب أن يتمّ التّقابض في مجلس العقد. ربا الدّيون: وهو الشّكل من أشكال الرّبا الذي حرّمه القرآن الكريم،

وربا الدّيون يعني: أن تتمّ الزّيادة في الدّين، وذلك مقابل الزّيادة في الأجل، وهذا الأمر كان شائعاً جدّاً في أيّام الجاهليّة، وقد عادت إليه البنوك في الوقت المعاصر، وهو من أشهر أنواع الرّبا، وأشدّها قبحاً. التّحذير من الرّبا لقد حذّر القرآن الكريم في مواضع عدّة من الرّبا، وبيّن خطورته على المجتمع، ووردت الكثير من الأحاديث في هذا الشّأن أيضاً، ومن ذلك: (2) في القرآن الكريم قال الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) سورة البقرة، 276-275 . قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة، 278-279 . قال الله سبحانه وتعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) سورة البقرة، 276 . قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىَ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدّقُواْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة، 280 . قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ( سورة الروم، 39 . قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة آل عمران، 130 . قال الله سبحانه وتعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً سورة النّساء،161 . في السّنة النبوية عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الرّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مُقَدَّسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النّهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرّجل الذي في النّهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرّجل بحجر في فيه، فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النّهر آكل الرّبا) رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (اجتنبوا السّبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس التي حرّم اللهُ إلا بالحقّ،

وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري . وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال: (ما أحدٌ أكثر من الرّبا إلا كان عاقبة أمره إلى قِلَّة) سنن ابن ماجه . وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في حجّة الوداع يقول: (ألا إنّ كلّ ربا من ربا الجاهليّة موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإنّ كلّ دم من دم الجاهليّة موضوع، وأوّل دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد، ثلاث مرّات) سنن ابي داوود . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (ليأتينّ على النّاس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِنَ الحلال أم مِنَ الحرام) رواه البخاري . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (الرّبا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرّجل أُمَّهُ، وإنَّ أربى الرّبا عرض الرّجل المسلم) أخرجه الحاكم . ورُوِيَ عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (درهم ربا يأكله الرّجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنيةً) أخرجه أحمد . حكمة تحريم الربا لقد ذكر المفسّرون حكماً لتشريع حرمة الرّبا، ومن ذلك أنّ الرّبا يقتضي أن يأخذ الإنسان مالاً من غيره من غير عوض، لأنّ من باع الدّرهم بدرهمين بالنّقد أو بالنّسيئة، فإنّه تحصل زيادة من غير عوض، وإنّ لهذا حرمة عظيمة، ومن ذلك أنّ الرّبا يمنع المسلم من أن يشتغل بالمكاسب، وذلك لأنّ الإنسان الذي عليه دين بالرّبا يخفّ ماله لأنّه ينشغل بتحصيل دين الرّبا، وذلك يؤدّي إلى انقطاع منافع النّاس. ومن ذلك أيضاً أنّ الرّبا يؤدّي إلى عدم لإقراض النّاس بعضهم لبعض، وانقطاع المعروف فيما بينهم، وذلك لأنّ تحريم الرّبا يؤدّي إلى أن تطيب النّفوس عند إعطاء القرض وإرجاع مثله دون زيادة، ولو أنّ الرّبا كان حلالاً لكان المحتاج قد اضطر إلى أخذ الشّيء وإرجاعه مضاعفاً، وبذلك ينقطع المعروف والإحسان بين النّاس. قال ابن القيّم: (... فربا النّسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة، مثل أن يؤخّر دينه ويزيده في المال، وكلّما أخّره زاد في المال، حتّى تصير المائة عنده آلافاً مؤلفةً، وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج، فإذا رأى أنّ المستحقّ يؤخّر مطالبته، ويصبر عليه بزيادة يبذلها له، تكيّلإ بذلها، ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت لوقت، فيشتدّ ضرره، وتعظم مصيبته، ويعلوه الدّين حتى يستغرق جميع موجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضّرر، فمن رحمة أرحم الرّاحمين،

وحكمته، وإحسانه إلى خلقه أن حرّم الرّبا). (3) المراجع (1) بتصرّف عن فتوى رقم 165161/ الربا.. معناه.. أنواعه.. وحكم كل نوع/10-10-2011/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ .islamweb.net (2) بتصرّف عن كتاب الربا أضراره وأثاره في ضوء الكتاب والسّنة/ د. سعيد بن وهف القحطاني/ مطبعة سفير- الرياض/ الجزء الأول. (3) بتصرّف عن الموسوعة الفقهية الكويتية/ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]